معرض الكتاب بالدار البيضاء.. إشعاع ثقافي تلاحقه انتقادات
نزار الفراوي-الدار البيضاء
لم يفقد الحدث جاذبيته لجمع كبير من الأدباء والمفكرين العرب الذين يتعاقبون على تنشيط البرنامج الموازي للمعرض، كما يواصل رهانه على تكريس الحضور القوي لحركة النشر العربية، مع تسجيل هامش انفتاح مرشح للتوسع على مجالات ثقافية جديدة من قبيل أفريقيا جنوب الصحراء والصين وأميركا اللاتينية، لكن في الوقت ذاته يصعب تبديد الشعور بالفتور الذي يعتري صناعة العرض الثقافي للمعرض ومراوحة حركية ترويج الكتاب مكانها لعوامل متعددة.
28 ألف عنوان في مختلف مناحي الإبداع والفكر، توزعت بين أروقة سبعمئة عارض مباشر وغير مباشر، ينتمون إلى أربعين دولة. برنامج ثقافي مكثف نشطه حوالي 350 مبدعا على مدى تسعة أيام. وتيرة مستقرة على المستوى الكمي خلال السنوات الأخيرة، في انتظار الإعلان عن حصيلة رسمية لحجم التدفق على المعرض من قبل القراء الذين تجاوزوا نصف مليون العام الماضي. لكن هذه المؤشرات لا تكفي لإقناع الكثير من المهتمين بالشأن الثقافي في المغرب، وبهذا الحدث الذي يعد واجهة الإشعاع الثقافي خلال الموسم.
تسويق محدود
بعض الكتب الفكرية التي أثارت الجدل حديثا، كما بعض الروايات التي سبقها صيتها على قوائم الجوائز، تنفذ في رفوف الأروقة خلال اليومين الأخيرين، أما عدا ذلك فإن الناشرين العرب يكادون يجمعون على نوع من الركود في تصريف متاع العقل والروح.
يقول عاصم أبو حمدان من دار الساقي ببيروت إن مستوى القدرة الشرائية لا يسمح بجعل المعرض سوق رخاء للكتاب، خصوصا القادم من خارج الحدود بتكاليفه الباهظة. الشيء الذي لا يرفع عن المعرض أهميته كمحج ثقافي هام وفرصة لإقامة علاقات مهنية سواء بين الناشرين أو مع الكتاب الراسخين أو الجدد على السواء.
بالنسبة له، فمؤسسات النشر العربية تجاوزت حالة الرهاب من الرقمنة التي يرى أنها بالعكس تفتح مجالا لتسويق أكبر للكتاب، لكنها تواجه خطر النسخ غير المشروع للإصدارات، ومن ثمة فإن مواعيد من قبيل معرض الدار البيضاء محطة لا يمكن تجاوزها من أجل الحفاظ على علاقة مباشرة مع القارئ، وتعزيز جسور التواصل بين المغرب والمشرق.
أطفال المدارس بأفواجهم المتدفقة من مختلف مناطق المغرب يصنعون الحدث بصخبهم وصفوفهم الطويلة، ويضخون الحيوية لدى ناشري الكتاب المدرسي وكتب الأطفال، وهو ما لا ينسحب على وضعية الكتاب الأدبي والفكري، حسب الناشر.
ومن جانبه، يشير مصطفى سالم مدير التسويق بدار "العين" المصرية لتراجع الدور الذي كانت تضطلع به المؤسسات المعنية بالثقافة والجامعات في تنشيط عملية التسويق من خلال اقتناء كميات هامة من الإصدارات المعروضة لتزويد مكتباتها وتحيين رصيدها الوثائقي. وفي المقابل، يجد في المعرض موعدا ضروريا لتجديد الصلة بين دار النشر القاهرية وجمهور قرائها من جهة، ونخبة مبدعيها المغاربة الذين أصبحوا يحضرون بشكل أقوى في عناوين هذه الدار على مدى السنوات الماضية.
على صفحات التواصل تتجدد الانتقادات الموجهة للمعرض في أبعاده التنظيمية وبرمجته وتصوره العام لترويج المنتوج الثقافي باعتباره ركن النهوض بالصناعات الثقافية والإبداعية كما وعدت السياسات العمومية بالمملكة منذ سنوات. لقد حدث تغير ملحوظ على مستوى فضاء العرض الذي باتت تتصدره أروقة الهيئات المؤسساتية التي لا صلة لها مباشرة بإصدار وصناعة المنتج الثقافي.
إعادة النظر بالبرمجة
كتاب وصحافيون يتحدثون عن برمجة ثقافية تكرر نفسها. هي الأسماء ذاتها واللقاءات نفسها. وإن كانت هذه الملاحظة تجد ما يسوغها من خلال أسماء ينتظم حضورها في الموعد، فإنها لا تحجب انفتاح المعرض على أصوات جديدة سواء في الإبداع المغربي أو العربي والدولي.
ويبقى ثمة إشكال متواتر على مدى الدورات الأخيرة، يتعلق بجاذبية الأنشطة الثقافية المبرمجة. أسماء كبيرة وندوات بمحاور في عمق النقاش الثقافي والفكري تجري داخل قاعات فارغة، بجمهور يعد بالآحاد أحيانا.
على صفحته بالعالم الأزرق، يقارن الصحفي المغربي عبد الله الترابي أحد أبرز منشطي التلفزيون، بين جلسة تستضيف كاتبا كبيرا من حجم الروائي اللبناني إلياس خوري، بحضور لا يتجاوز عشرين شخصا، وبين مقاطع الفيديو التافهة لشخصيات نكرة تحصد إعجابا ومتابعة بالملايين. هي ليست خطيئة المعرض، بل مشكلة العلاقة بين الثقافة والجمهور في راهن العالم العربي.
ويتردد كذلك صدى العلاقات السياسية، إذ حلت إسبانيا ضيفة شرف بلقاءات بين المثقفين المغاربة ونظرائهم في الجارة الشمالية، بنكهة متوسطية ذات امتداد تاريخي عميق وطافح بعلاقات الصراع والتلاقح معا. حضور أقوى للناشرين الأفارقة يواكب العودة القوية للمغرب إلى عمق القارة. أما الرواق الكبير للصين فيكرس الوجه الجديد لهذه الإمبراطورية.. القوة الناعمة والإشعاع الثقافي في خدمة الطموحات.