رغم سخرية ترامب.. أفغانستان بحاجة للمكتبات العامة

هذا الصباح-مكتبة متنقلة تجوب شوارع أفغانستان
مكتبة متنقلة تجوب شوارع أفغانستان (الجزيرة)
عمران عبد الله

سخر الرئيس الأميركي دونالد ترامب علانية من رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، لأنه -على حد قوله- لا ينفك يتفاخر أمامه بتمويل نيودلهي مكتبة عامة في أفغانستان، معتبرا أن البلد الغارق في الحرب قلما يحتاج لمنشأة مماثلة.
 
وفي هذا السياق، قال ترامب إن رئيس الوزراء الهندي "الذي أتفق معه كثيرا.. لا ينفك يخبرني أنه بنى مكتبة عامة في أفغانستان"، وأضاف معلقا "يتعين علينا أن نجيب: آه، شكرا على المكتبة العامة.. أنا لا أعرف حتى من يستخدمها في أفغانستان".

واعتبر ترامب أن هذه الهبة لا تقارن بما تنفقه بلاده في أفغانستان منذ أن غزتها على رأس تحالف دولي للإطاحة بنظام حركة طالبان بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.

ورد المسؤولون الهنود بالقول إن المساعدة التنموية يمكن أن تكون حاسمة في تطوير البلد الذي مزقته الحرب، وقالت مصادر حكومية هندية يوم الخميس إن "الهند تؤمن بشدة بالدور الحاسم الذي يمكن أن تلعبه المساعدات التنموية في تحسين حياة البشر".

الكتب والثقافة بأفغانستان
وقلل ترامب من أهمية المكتبة في أفغانستان، لكن البلاد التي عرفت الكثير من الحروب تعرف قيمة الكتب بالفعل، فهي بلد متعدد اللغات وله تقاليد أدبية عريقة وأدباء وكتاب كبار مثل جلال الدين الرومي البلخي، ومحمود الطرزي، وخليل الله خليلي، وخالد حسيني، وغيرهم.

وتستضيف البلاد سنويا مهرجانات شعرية يحضرها آلاف الأفغان، في جلال آباد وقندهار، ومنها مهرجانات زهر الرمان وزهر البرتقال الأدبية.

لكن العاصمة الأفغانية كابل -ذات الخمسة ملايين نسمة- تحتوي على 12 مكتبة فقط، وأغلبها في حالة متواضعة، وعدد الكتب فيها غير كاف أيضا.

وشهدت العاصمة الأفغانية مؤخرا مولد مبادرة تقوم على مكتبة متنقلة بلغتي الدارية والبشتو، وهما الرئيسيتان في أفغانستان، وتقوم بأخذ أطفال العاصمة الأفغانية في رحلة من شروق الشمس إلى غروبها.

وتعتبر مبادرة القراءة هذه الأولى من نوعها فهي توفر للأطفال فرصة المطالعة في زمن الحرب والحرمان.

الحاجة للمكتبات
ورغم نمو الطبقة المثقفة والمتعلمة في أفغانستان، تبدو الموارد الثقافية والتعليمية شحيحة للغاية، وتبقى نسب الأمية مرتفعة في البلاد التي تعاني من آثار الحروب.

وتحتوي مكتبة كابل الوطنية على مجموعة عشوائية من الكتب المتبرع بها والتي غالبا ما تكون قديمة، ولا توجد ميزانية تنمية أو موظفون مدربون لإدارتها وتطويرها بحسب الباحث الأفغاني قيوم سروش، وهذه المكتبة هي الوحيدة المملوكة للدولة في العاصمة والأقدم من نوعها في البلاد.

وتأسست أول مكتبة عامة في أفغانستان عام 1924 (خلال فترة حكم الملك أمان الله 1919-1929) وكانت تسمى "المكتبة الوطنية"، لكنها تعرضت للنهب والتخريب خلال الحرب الأهلية في عام 1929 واختفت معظم محتوياتها.

‪دونالد ترامب سخر من حاجة أفغانستان لمكتبات في حالة الحرب‬ (رويترز)
‪دونالد ترامب سخر من حاجة أفغانستان لمكتبات في حالة الحرب‬ (رويترز)

وتأسست مكتبة كابل العامة عام 1966 من خلال دمج مكتبتين صغيرتين: مكتبة مديرية الصحافة ومكتبة وزارة التربية. وبعد مرور عقد من الزمن، قدرت دراسة أجرتها اليونسكو للمكتبات العامة في أفغانستان أن المكتبات العامة الأفغانية الـ32 (في المقاطعات المختلفة) عرضت 168 ألف كتاب.

وارتفع لاحقا عدد المكتبات -وفقا لكتاب إسماعيل يون " الأضرار التي لحقت بالثقافة الأفغانية"- إلى 79 مكتبة فيها أكثر من مئتي ألف عنوان، قبل الاحتلال السوفياتي للبلاد.

وفي ظل النظام الشيوعي، تغيرت أسماء المكتبات إلى "كتاب خان" (مكتبة الشعب)، وتزايدت الكتب عن الشيوعية والماركسية.

وفي أعقاب الحرب الأهلية التي جرت بعد انهيار النظام الشيوعي في عام 1992، نقصت المكتبات والكتب بشدة مرة أخرى، وتم حرق عدد غير معروف منها أو سرقتها أو تهريبها خارج أفغانستان.

ووفقا لما ذكره إسماعيل يون، فقد تم فقدان حوالي 67 ألف كتاب من مكتبة كابل الوطنية وحدها، ولا يزال بعض الموظفين الذين عملوا في المكتبة آنذاك يتذكرون تلك الأيام الصعبة.

وعندما سيطرت حركة طالبان على كابل عام 1996، صدر مرسوم يقضي بإحراق المواد المطبوعة التي تحتوي على صور أو لوحات من الكائنات الحية، معتبرة أنها محرمة دينيا، وأغلقت 15 مكتبة بالفعل خلال فترة حكم حركة طالبان، لكن بقي منها الكثير أيضا وظلت كتبها سليمة.

وفي فترة ما بعد 2001، كانت هناك محاولات لإحياء نظام المكتبة الأفغانية لكنها كانت قليلة ومختلفة، ولم يكن هناك أي منحة أو مشروع من شأنه أن يعالج أوضاع المكتبات في جميع أنحاء البلاد، بحسب تقرير قيوم سروش في شبكة المحللين الأفغان.

وفي عامي 2003 و2004 منحت بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى أفغانستان مكتبة كابل الوطنية مبلغ مئتي ألف دولار أميركي، لإعادة تأهيلها بالمعدات والكتب، وفي عام 2003 افتتحت اليونسكو مقهى إنترنت عاما يحتوي على 12 حاسبا في الطابق الأرضي من مكتبة كابل العامة، لكن وزارة الإعلام والثقافة سلمتها لرجل أعمال خاص، وبعد ستة أشهر تم إغلاق المقهى.

ورغم وجود مشاريع تعالج أوضاع المكتبات العامة في أفغانستان، فإن معظمها قد انتهى أو لم يكن مستداما. وفشلت كل الجهود بعد مرور عقد من الزمان، بينما بقيت فقط بعض الغرف الجديدة وبعض الكراسي وكاميرات المراقبة في المكتبات.

المصدر : الجزيرة