ديكارت في بلاد الحرمين.. الفلسفة تدخل السعودية بأيد بريطانية

من تغريدة الفلسفة والقانون في الثانوية
وسائل إعلام قالت إن فريقا من مؤسسة بريطانية يدرب 200 مدرس على التعليم الفلسفي في الرياض (مواقع التواصل)
"أنا أشك إذن أنا موجود"، هذه الجملة تمثل حجر الزاوية التي بنى عليها الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت (1596-1650) فلسفته التي شكلت انقلابا في تاريخ الفلسفة الغربية، ففتحت طريقا مختلفا في التفكير الإنساني.

وربما تكون الفلسفات الحديثة قد عصفت بالدول العربية المعاصرة باختلاف أنظمتها ومجتمعاتها، لكنها قطعا لم تصل السعودية منذ تأسيسها في ثلاثينيات القرن العشرين، ذلك أن المذهب الرسمي للدولة ظل معاديا للفلسفات وطرائق الجدل.

 
لكن الدولة السعودية تغيرت فيها مسلمات كثيرة، أقله منذ تولي الأمير محمد بن سلمان المقاليد الفعلية للدولة قبل سنة ونصف، ولعل أحدث قضايا التغيير في المملكة هو إدخال الفلسفة في مناهج التعليم.
 
فقد أثار إعلان وزير التعليم السعودي أحمد العيسى الخميس الماضي، عن تطوير جديد للمناهج الدراسية الثانوية بالمملكة جدلا واسعا. ويدرب فريق بريطاني 200 مدرس على مهارات الحوار والتعليم الفلسفي.
 
يقول الوزير العيسى "لدينا مقرر جديد للتفكير الناقد، وهو محاولة إدخال مبادئ الفلسفة في المرحلة الثانوية، بالإضافة إلى مقرر في مبادئ القانون سينطلق قريبا"، وذلك خلال مشاركته في الجلسة الرئيسية من المؤتمر الدولي لتقويم التعليم "تطوير".
 

الفلسفة في بلاد الحرمين
تثير قضية دراسة الفلسفة والمنطق اعتراضات التيار المحافظ في المملكة، إذ سبق لأعضاء بهيئة كبار العلماء السعودية أن اعتبروا دراسة الفلسفة "فعلا محرما وغير جائز شرعا" بل وقاموا بتكفير فلاسفة مسلمين.

ويوجد في السعودية أكثر من 40 جامعة لا تدرس أيٌّ منها الفلسفة في أقسامها النظرية بتأثير الفتاوى الرسمية، ولم يسبق أن تضمنت مناهج التعليم المدرسي في المملكة محتوى فلسفيا كما هو قائم في بلدان عربية كثيرة تدرّس الفلسفة والمنطق في المدارس والجامعات جنبا إلى جنب مع مقررات التاريخ والآداب وغيرها.

ونقلت وسائل إعلام مقربة من السلطات السعودية أن فريقا من مؤسسة بريطانية يدرب 200 مدرس على مهارات الحوار والتعليم الفلسفي في الرياض، تمهيدا لإدخال الفلسفة والتفكير النقدي في المناهج المدرسية بالمملكة، وتوقعت الصحيفة أن يبدأ التدريس في الفصل الدراسي الثاني.

وتأتي هذه التغيرات في المناهج الدراسية ضمن رؤية السعودية 2030 التي أعلنها ولي العهد محمد بن سلمان وتتضمن تغيرات عميقة في الثقافة والاقتصاد والمجتمع السعودي، بما في ذلك إنشاء الهيئة العامة للترفيه التي ستفتح دور سينما، وتنص أهدافها على إنشاء شراكات عالمية في قطاع الترفيه مع منتجي السينما والفنون والدراما والتنسيق لإدخالها إلى السعودية وعرضها في المملكة.

ويرى متابعون أن محمد بن سلمان يقدم نفسه للولايات المتحدة والدول الغربية على أنه مصلح سياسي واقتصادي واجتماعي في المملكة.

وحرص ولي العهد السعودي على الحد من نفوذ المؤسسة الدينية، وجمد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأخفى رموز ما تسمى "الصحوة" بالاعتقال أو الإقامة الجبرية مثل سلمان العودة وعوض القرني وغيرهما، وجرى تغيير المناهج التربوية بما يتيح إحداث تغييرات جوهرية.

فتاوى قديمة لا تجيز تعميم دراسة الفلسفة
وتثير دراسة الفلسفة ارتياب المشايخ الرسميين وتيارا محافظا في المجتمع السعودي، وكذلك المنتمين للتيار السلفي إذ يعتبرها بعضهم أفكارا إلحادية، بينما يخشى آخرون من الحس النقدي والمهارات التحليلية التي تحملها الفلسفة.

وفي إجابة سابقة عن السؤال، كانت اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية قد أفتت بأن دراسة القوانين الوضعية ودراسة الفلسفة لا يجوز تعميمها.

وقالت اللجنة حينها –بعضوية الشيوخ عبد الله بن قعود وعبدالله بن غديان وعبد العزيز بن باز– إن تعليم القوانين الوضعية لا يجوز لأنها "مخالفة لشرع الله" ولكن "يجوز دراستها لبيان ما فيها من انحراف فقط".

لكن اللجنة أضافت أنه "لا يجوز لمسلم أن يدرس الفلسفة والقوانين الوضعية ونحوهما إذا كان لا يقوى على تمييز حقها من باطلها خشية الفتنة والانحراف، ويجوز لمن يقوى على فهمها بعد دراسة الكتاب والسنة".

وأكدت اللجنة في فتواها أنه "لا يجوز تعميم تدريس الفلسفة والقوانين الوضعية في دور العلم ومعاهده، بل يكون لمن تأهل له من الخواص" بحسب الفتوى المنشورة على موقع الهيئة.

دراسة الفلسفة.. هل هي جديدة؟
يشار إلى أن دراسة الفلسفة بدأت تاريخيا في وقت مبكر من تاريخ الفكر الإسلامي، وبلغ علم الكلام ذروته في القرن التاسع الميلادي، وخاصة لدى الأشاعرة والمعتزلة.

وتبنى الفلاسفة المسلمون آراء متباينة من الفلسفة اليونانية، ونبغ في القرون الهجرية الأولى فلاسفة مثل الكندي والفارابي وتلامذته وابن سينا وصدر الدين الشيرازي وإخوان الصفا، وجاء بعدهم ابن رشد الأندلسي وغيره.

واشتهرت النقاشات الفلسفية بين المفكرين المسلمين وكان أشهرها السجال بين أبو حامد الغزالي الذي قبل المنطق واستخدمه في علم أصول الفقه الإسلامي لكنه بالمقابل شن هجوما على الفلاسفة المسلمين وكتب "تهافت الفلاسفة" الذي رد عليه ابن رشد بكتابه "تهافت التهافت".

المجتمع السعودي مختلف حول الخطوة

وبالعودة إلى النقاش المحتدم في المجتمع السعودي، فقد شارك مغردون على تويتر آراء مؤيدة ومعارضة للخطوة المرتقبة، تراوحت بين الترحيب بالخطوة وبين التحذير منها.

وأشاد محمد القحطاني في تغريدة له بالخطوة معتبرا أن هذه المهارة في التفكير ستنقلهم من مرحلة النقل والتقليد، إلى التحليل واتخاذ القرار بكل استقلالية.

 

وقال مغرد آخر إن وزير التعليم ترك مشاكل مباني المدارس ومشاكل المعلمات في المناطق النائية ليمهد لدراسة الإلحاد بعد ما قلل محتوى التوحيد والتفسير في المناهج.

وقال المغرد عبد المحسن العودة إن الطلاب لن يستفيدوا من دراسة الفلسفة، بينما يجب الاهتمام بجعل الطلاب علماء ومخترعين لخدمة وطنهم والبشرية.

وقال طلال العقيل -الذي يصف نفسه بالمعلم من داخل الميدان- إن مشكلات سوء الخط وضعف الإملاء أولى بالمعالجة من دراسة الفلسفة والقانون.

بينما رأى محمد آل حطاب أن الفلسفة والقانون يشجعان على حرية التفكير والتحليل والنقد دون وصاية.

واتفق معه مصعب البتيري الذي يتمنى ألا يكون تدريس الفلسفة شكليا.

واحتفت روان عبد العزيز بدراسة الفلسفة في المدارس السعودية، مع دراسة الموسيقى التي جرى إعلانها سابقا.

وقال أبو وليد إنه لا خوف على أبنائه الذين درسوا العقيدة في الابتدائية.

 

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي