رواية "بورسلان" لأيمن عبوشي.. صراع الشر مع نفسه

رواية بورسلان للكاتب الأردني أيمن عبوشي

عبد الله الزبيدي-جدة

على عكس الصراع بين الخير والشر الذي تطرحه عادة القصص الكلاسيكية، تسوق رواية "بورسلان" للكاتب الأردني أيمن عبوشي مفارقة التنافس المحموم بين الشر مع نفسه، من خلال الشخصية المركزية للرواية المعروفة بالدكتور أو معالي الوزير والذي دأب على الوشاية بكل من التقى بهم، ووصل بها الأمر إلى أن أصبح كارها لنفسه إلى درجة الموت ويكيد المكائد لنفسه.

تُعد بورسلان نصا سرديا متخما بالشر والمؤامرات، ويرتكز في مجمله على شخصيات معتلة وفاسدة، بعيدا عن معايير الخير التي يمكن أن تحفظ توازن الرواية، أو تضع الحدود بين الخصوم المتناحرة.

وبذلك يرتبك القارئ وتأخذه الرواية في رحلة الأنفاس المقطوعة إلى الصفحة الأخيرة بحثا عن فرجة أمل لربما تضع حدا لهذا التمادي والفجور الذي يبديه البطل تجاه كل شيء في هذه الحياة، متشبثا حتى الرمق الأخير بانتهازيته وغروره.

وقد وضع الكاتب البطل في خضم مؤامرة تفتح فصولها في غرفة تحقيق يخضع لها معالي الوزير لمساءلة حول انتحاله لشخصية رجل مهم في الدولة، وتمهد جلسة التحقيق المذكورة للمزيد من الأقوال التي تشكل قوام الرواية وحبكتها.

تتبع الرواية خط حياة البطل الذي يخوض صراعا مع نفسه ويدخل في نكسات وعثرات قبل أن يستقر به الحال وزيرا للتعليم العالي، مستفيدا من انعطافات الثورة التي أتاحها هذا التحول لمتصيّدي الفرص والباحثين عن السلطة

انفصام الشخصية
وتمضي الحكاية مع إفشاء أسرار الشخصية الرئيسية والتي بدت هذيانا يهرطق به المتهم أمام المحققين، حين يكشف للنيابة العامة "انشقاق نفسه عنه" من خلال ظهور رجل يحمل ملامحه واسمه كما نقرأ في فصل حمل عنوان "رجل السردين" ويقول "إنه أنا يحمل ذاكرتي، وعاداتي وحركاتي وسكناتي. كأنها سيرتي، توقفت عند نقطة، وانشق شخص من جلدي، نسخة طبق الأصل عني، مستنسخ أصبح أنا، وقفت في لحظة سكون لا دور لي في الحياة سوى أن أقبع في بيتي.. والمقلق أنه لن يطيق وجود نسخة منه تهدده في كل لحظة. سيكون الوضع إما أنا أو أنا..!".

ويأخذ السرد مجراه من خلال الأسئلة والأجوبة بين المحقق والمتهم والتي شكلت بتفاصيلها فصول الرواية حول رجل سطحي يحاول الوصول إلى أعلى المراتب في الدولة بأي ثمن كان. ومن خلال التواطؤ مع الشر لتحقيق مآربه ينتهي به المطاف بولادة توأمه الأكثر شرا من العدم، والذي يستولي بدوره على هوية البطل ومكتسباته التي جمعها طوال عمله مخبرا أمنيا.

وتتبع الرواية خط حياة البطل الذي يخوض صراعا مع نفسه، ويدخل في نكسات وعثرات قبل أن يستقر به الحال وزيرا للتعليم العالي، مستفيدا من انعطافات الثورة التي أتاحها هذا التحول لمتصيّدي الفرص والباحثين عن السلطة.

وتكتسي هذه المفارقة الصارخة خطوطها الكاريكاتيرية المضحكة في رواية لا تخلو من الفكاهة، انطلاقا من باب تحقير الدكتور لكل شيء أحاط به يوما قبل أن تودعه السلطات في المعتقل، وقد كان محاطا بهالة من الغرور جعلت منه شخصية كريهة إلى أبعد الحدود.

"بورسلان" -التي صدرت عن دار الجندي للنشر والتوزيع بالقدس- تعد الثالثة لعبوشي بعد "إعدام ظل" و"الغارقون في العطر" بالإضافة إلى المجموعة القصصية "العلبة" الصادرة عن دار الرحاب للنشر والتوزيع في بيروت.

المصدر : الجزيرة