رسومات شمة تعيد الحياة إلى الضحايا بسوريا

محمد أمين-لندن

"كل خسارة تعوّض إلا الحياة.. هؤلاء الذين فقدوا حياتهم في بلدي عديدون، مائتا ألف أريد إحضارهم إلى لندن وأوروبا لكي تروهم، أن تنظروا في عيونهم، أريد إعادتهم للحياة ليدافعوا عن اختلافهم، ويصفوا قصصهم، ويقنعونكم بأنهم كانوا يستحقون الحياة".

بهذه الكلمات المؤثرة تختصر الفنانة السورية سارة شمة حكاية لوحاتها التي جسدت فيها التراجيديا السورية، وقدمت في معرضها "لوحات حرب أهلية عالمية" في لندن وجوها وأجسادا ورموزا تحكي معاناة بلدها مما تسميها الحرب الأهلية الطاحنة منذ أربع سنوات، والتي يتقاتل فيها الجميع ضد الجميع ويحصدون أرواحا سورية بريئة، حرب نزعت الإنسانية من الإنسان فتحوّل لوحش يقتل أخاه الإنسان، بحسب الفنانة.

‪زوار يتأملون لوحات الفنانة سارة شمة في معرض بلندن‬ (الجزيرة)
‪زوار يتأملون لوحات الفنانة سارة شمة في معرض بلندن‬ (الجزيرة)

"حرب أهلية عالمية"، تصر شمة على وصف الوضع في سوريا بهذا الشكل، وتروي في لوحاتها حكايات ضحايا هذه الحرب التي بدأت في بلدها، لكنها ستنتشر في العالم العربي والأوروبي، بحسب رأيها، وتصر على أنها "حرب أهلية" لأن من يتقاتلون فيها هم أفراد من البلد ذاته، وتتابع أنها تريد بألوانها وريشتها إحياء ضحايا هذه الحرب الأبرياء لينظر الجميع في عيونهم.

رسالة للعالم
شمة قالت للجزيرة نت في مقابلة خاصة على هامش معرضها إنها تخاطب بهذه اللوحات العالم كله لأن الفن لغة عالمية، آملة أن يخترق الفن اللاوعي عن طريق ملامسة الإحساس، وأن يحفر أثره في اللاوعي العالمي.

‪سارة شمة: اللوحات تعيد الحياة إلى الموتى كي يسمع الناس قصتهم‬ (الجزيرة)
‪سارة شمة: اللوحات تعيد الحياة إلى الموتى كي يسمع الناس قصتهم‬ (الجزيرة)

وعن تقنياتها الفنية، قالت شمة إن لوحاتها مشغولة بألوان زيتية في الغالب إضافة إلى ألوان الأكريلك، وأوضحت أنها تحب تكوين طبقات مختلفة فوق بعضها بعضا لإعطاء شعور بالحركة والوهم، كما تعطي هذه الطبقات الإحساس بالعمق.

وتوافد الزوار على المعرض وسط لندن في شارع خصص للمعارض الفنية، ويبدو أن الفنانة نجحت في استعمال لغة فنية عالمية تخترق الحس الإنساني وتخاطب الإنسانية بغض النظر عن لغته أو جنسيته، فقد استوقفت لوحاتها زوارا أجانب وعربا أثارهم عنوان المعرض ولوحاته.

وفي هذا السياق، قال محمود الحمصي -وهو أحد زوار المعرض- للجزيرة نت إنه يموت يوميا مئات المرات وهو يتابع القتل اليومي في بلاده، وإنه جاء لمشاهدة هذه اللوحات والرسم بعد أن عجز الكلام عن وصف ما يعانيه بلده. أما سايمون فقال للجزيرة نت إنه شعر أن هذه اللوحات تخص كل إنسان وكأنها تختزل الحروب الأهلية العالمية وضحاياها من المدنيين.

غياب الضمير
وإضافة للوجوه والأفواه المكممة والرموز الأخرى التي اختارت شمة التعبير بها عن فكرة الحرب الأهلية، تبدو حكاية ما خلف لوحة لسيدة تجلس حزينة في ملحمة وتنظر للحوم وتبكي.

‪لوحة
‪لوحة "المرأة الجزارة" للفنانة السورية سارة شمة‬ (الجزيرة)

وتشرح شمة قصة هذه اللوحة بالقول إنها تجسد قصة حقيقية لامرأة كانت تعمل "جزّارة" في ملحمة، وكانت الفنانة تتردد عليها لشراء اللحوم، لكن اللافت أن هذه "الجزارة" كانت امرأة لطيفة وحساسة رغم صعوبة مهنتها، فعقب قيامها بذبح العجول كانت تفقد الوعي وتحزن وتبكي رغم أنها تعمل في هذه المهنة منذ 35 عاما، ولذا رسمت شمة لوحة من وحي قصة هذه السيدة، لتبرز التناقض الكبير مع من يقضي على الحياة اليوم بلا ضمير أو إحساس وأصبح قتل الأشخاص وظيفته.

يذكر أن الفنانة سارة شمة أجبرت على مغادرة سوريا منذ عامين بعد انفجار سيارة مفخخة قرب منزلها، وتقول إنها عاشت تجربة الحرب ومآسيها واختبرت الخوف، لكنها تأمل بالعودة لبلدها الذي هو قطعة منها.

وسارة شمة فنانة سورية من أب سوري وأم لبنانية، وتعتبر من أشهر الفنانين الذين كانوا يعيشون بدمشق قبل الحرب، وقدّمت العديد من المعارض الفردية وحصدت جوائز عديدة، واختيرت في العام 2010 من قبل برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة شريكة بالبرنامج.

المصدر : الجزيرة