الجنبية اليمنية.. روعة الفن وأصالة التراث

الجنبية اليمنية
undefined

عبد الغني المقرمي-صنعاء

 

للجنبية اليمنية أن تكون كنزا تراثيا أصيلا يتباهى بجذوره الضاربة في أعماق التاريخ اليمني، ولها أن تكون تحفة فنية يجتمع في صياغتها زخم واسع من التجليات الشكلية واللونية، وتلتقي فيها أشكال هندسية يحيلها الفن إلى قطعة فنية في غاية من التناسق والجمال.
ولهذا الخنجر العربي الذي يربطه اليمني بحزام حول الخاصرة أن يكون تقليدا اجتماعيا يحضر الأفراح، ويمثل في قائمة العرف الاجتماعي سلطانا قاهرا، يملي إرادته على المتنازعين فيحل الخصومات ويصنع الأمن والسلام.
ورغم انتشار تجارة الجنبية في كل المدن اليمنية إلا أن مدينة صنعاء القديمة في الوقت الراهن هي المركز الأول في صناعة وتجارة الجنبية، إذ تقطنها أسر عديدة توارثت حرفة صناعة الجنبية وتجارتها منذ ما يزيد على سبعة قرون.
ومن هذه الأسر "بيت الصيفاني" التي تُنسب إليها أجود أنواع الجنبية، و"بيت الأسعدي"، و"بيت العزيري"، وهذه الأخيرة تعد حاليا الاسم الأكبر في هذا الشأن.
‪بعض وجهاء اليمن يمتلكون جنابي تعود إلى مرحلة ما قبل الإسلام‬  بعض وجهاء اليمن يمتلكون جنابي تعود إلى مرحلة ما قبل الإسلام (الجزيرة)
‪بعض وجهاء اليمن يمتلكون جنابي تعود إلى مرحلة ما قبل الإسلام‬  بعض وجهاء اليمن يمتلكون جنابي تعود إلى مرحلة ما قبل الإسلام (الجزيرة)

فن له تاريخ
يفيد الحاج يحيى سريع أن قيمة الجنبية تتوقف على أمرين اثنين: عمرها التاريخي، وشكلها الفني، فكلّما كانت قديمة، وشكلها الفني متقنا زاد ثمنها، مشيرا إلى أن سعر الجنبية وفق هذين المعيارين قد يصل إلى أكثر من مليون دولار (215 مليون ريال يمني).

ويؤكد سريع الذي يعمل مديرا عاما لشركة العزيري –للجزيرة نت- أنَّ عددا من الوجاهات الاجتماعية وشيوخ القبائل يمتلكون جنابيَ (جمع جنبية) يعود تاريخها إلى ما قبل الإسلام، وهم بذلك يمتلكون كنوزا تاريخية أقل ما يمكن أن توصف به أنّها ثمينة.

وعن الشكل الفني للجنبية يقول سريع: يصنع رأس الجنبية (المقبض) من خامات كثيرة، يأتي في مقدّمتها قرن وحيد القرن الذي يُأتى به من أفريقيا، ثم قرون الماعز والأبقار، وذلك بنحته بحرفية عالية على شكل مثلثين ملتصقي الرأسين.

ويتم وضع دائرتين صغيرتين من الذهب أو الفضة أو النحاس في وسطي المثلثين، منقوش عليهما أشكال تختلف من جنبية إلى أخرى، ثم تُرسم في بقية المثلثين نقوش فضية وذلك بعمل ثقوب صغيرة في المثلثين، تملأ بأسلاك من الفضة أو الحديد الهندوان، أو النحاس، بشكل متناسق، يصل رأس المثلث العلوي برأس المثلث السفلي.

ثم يوضع في قاعدة المثلث الأسفل مستطيل رفيع من الذهب أو الفضة أو النحاس يسمى (المبْسم) وترسم عليه نقوش حِمْيَرية، أو حروف من الخط المسند أو زخرفات إسلامية، وهذا الجزء من الجنبية هو الخط الفاصل بين المقبض والنصل الذي يرسم في وسطه خط أو خطان، يقل سمكهما كلما اتجها نحو أسفل النصل.

‪الحاج يحيى سريع: للجنبية دور كبير في حل المنازعات عبر الوجاهات‬ (الجزيرة)
‪الحاج يحيى سريع: للجنبية دور كبير في حل المنازعات عبر الوجاهات‬ (الجزيرة)

وجه الجنبية والوجاهة
وُيعد العَسيب (الغمد والحزام الذي يحمله) وجه الجنبية –وفق إبراهيم الراعي- الذي ورث صناعته أبا عن جد، ذلك أن اللون والتشكيل يحضران فيه بقوة، ويشترك في زخرفتهما عدد من الحرفين ذكورا وإناثا، فالغمد الذي يتولى فريق من الرجال إنجازه يُنحت من الخشب، ثم يتم تلبيسه بالجلد أو القماش، ثم يُزخرف بإضافة الخيوط الجلدية والقطنية الملونة، وقد يُصنع من الفضة، فيتم نحت النقوش والزخارف المختلفة عليه.

أما الحزام الذي يلتصق به الغمد، ويتم ربطه حول الخصر، فيتولى صناعته فريق من النساء، يبدأن بقص قطعة طويلة من القماش أو الجلد، ثم يرسمن عليه الزخارف المناسبة، ثم يقمنَ بوضع الخيوط الملونة عليه، وتتعدد الأشكال والزخارف في الحزام أكثر من غيره من مكونات الجنبية، وتحضر الأشكال النباتية فيه بشكل طاغ وكذا الزخارف الإسلامية، وهو مجال مفتوحٌ للإضافات الفنية.

ويؤكد الراعي في ختام حديثه للجزيرة نت أنّ صناعة (العسيب) توفر فرص عمل عديدة، وخاصة للمرأة اليمنية، تعتاش منها من جهة وتمارس الفن من جهة أخرى، لكن هذا الفن كثيرا ما يُنسب لمجهول.

ويختتم الحاج سريع حديثه بالتأكيد على أن الجنبية مفردة جميلة من مفردات الزي اليمني، وهي لازمة للرقصات الرجالية في مختلف مناطق اليمن، مشيرا أن أي شخص يستعملها كخنجر يعتدي به على الآخرين فإنه يدخل بمقتضى العُرف اليمني في خانة العيب الأسود (نوع من العقاب الاجتماعي القاسي).

ويؤكد أن الجنبية لها أدوار كبيرة في حل المنازعات والخلافات بين الناس عن طريق الوجاهات الاجتماعية بوضع جنبية لديها من كل طرف من أطراف النزاع، مما يعني تحكيم هذه الوجاهات في حل النزاع، والتسليم المطلق بالأحكام الصادرة.

المصدر : الجزيرة