الإبداع الشبابي بالمغرب وإشكاليات النشر

جانب من فعاليات معرض الدار البيضاء للكتاب
undefined
 
تستضيف مدينة الدار البيضاء بالمغرب فعاليات الدورة العشرين للمعرض الدولي للنشر والكتاب تحت شعار "لنعش المغرب الثقافي". ويضم البرنامج الثقافي فقرات تحتفي بتجارب جديدة في الكتابة، حيث تستقبل وتقدم لجمهور الأدب بأجناسه المختلفة من يراهنون على تسطير أسمائهم في مدونة الكتابة الضامنة للاستمرارية والبقاء.

ويشهد المغرب في السنوات الماضية طفرة على مستوى الإنتاج الأدبي بمختلف أجناسه، ووصل ثلاثة روائيين مغاربة للقائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر) وحاز آخرون على جوائز في مجالات النقد والقصة والشعر، لكن النشر يبقى معضلة بالنسبة للكثير من الأدباء الشباب الذين يؤثرون ينشرون إبداعاتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وعبر الإنترنت ووسائط النشر الجديدة التي تلقى إقبالا لدى الشباب المغربي، أكدت الأصوات الإبداعية المغربية حضورها في المشهد الأدبي العربي من خلال منجزه المتنوع بين النقد الروائي والكتابة القصصية، علاوة على القصص "القصيرة جدا".

الوسائط تمكن المبدع المغربي من إيصال صوته إلى شريحة كبيرة من القراء، ومن ثم تحرره من عقدة النشر الورقي التي ظلت بمثابة حاجز منيع يقف في وجه نصوصه ويؤجل ولادتها

الإبداع أولا
يقول القاص والباحث المغربي الشاب عماد الورداني "الكاتب حينما يكتب لا يحدد فئة اجتماعية معينة، هو يكتب فقط ما يختمر في ذهنه، وما يستفزه، يكتب ما يختمر في ذاكرته، ويقدمه " هو إذن يكتب للجميع دون تمييز مسبق حول القارئ ما دام يتفاعل مع النص، وبغض النظر عن سنه أو جنسه أو عقيدته أو عرقه، إنه قارئ وكفى.
 
والكتابة بالنسبة للقاص والروائي لحسن باكور "غدت مطلبا وجوديا ملحا وتجعلني إنسانا سعيدا".

يقول باكور -وهو مفتش شرطة وقاص وروائي فاز بعدة جوائز هامة منها "جائزة دبي الثقافية" و"جائزة الشارقة للإبداع" (مرتين)- "لا أعتبر نفسي رجل أمن يكتب، بل أعتبر نفسي كاتبا يشتغل في مجال الشرطة، لأن الكتابة كانت سابقة بسنوات على المهنة". وصدرت لرجل الأمن الأديب عدة مجموعات قصصية، منها "المصعد" و "رجل الكراسي" إضافة إلى روايات مثل "شريط منعرج من الضوء " و"البرزخ".

ورغم أنه بدأ مساره بالنشر في مجلات وجرائد ورقية، فإن الورداني يقول "كلما نشرت نصا ورقيا، أضعه على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتم تدويله بين قراء قد لا يصلهم النص الورقي".

فمثل هذه الوسائط تمكن المبدع المغربي من إيصال صوته إلى شريحة كبيرة من القراء، ومن ثم تحرره من "عقدة النشر الورقي التي ظلت بمثابة حاجز منيع يقف في وجه نصوصه، ويؤجل ولادتها "فالنص لا يكتمل إلا حينما يتلقفه قارئ ما.. " يضيف القاص الشاب.
 
وللشاعر منجد النور كوراني رأي آخر، فموقع فيسبوك يقتل الإبداع في نظره "حينما تصير الكلمات أو الأشعار تتداول بين الذي يستحق والذي لا يستحق، وبين الذي يستهزئ ويمكر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فإننا نقتل الإبداع والكتاب" كما يقول.

أما بالنسبة لباكور، فإنه يقر بوجود تغيير على مستوى آليات النشر لتداول المنتج الثقافي، ويقول "تنشر بسرعة تنسى بسرعة، لهذا أفضل الابتعاد عن إغراء السهولة والاشتغال على نصوصي بدأب وبتمهل حتى تنشر ورقيا".

التجارب الإبداعية الشابة استطاعت أن تبصم أسماءها بإصرار داخل المشهد الثقافي المغربي بإرادة قوية ووصلت إلى القراء والجوائز بأدوات العصر الحديثة

غياب الدعم
تختلف الآراء إذن بين من يقول "عن طريق المداد والقلم وعن طريق الأوراق نمنح روحا للحروف والكلمات" (الشاعر كوراني) ومن يفضل أن يواجه "قراء مفترضين يتفاعلون مع النص بشكل ما ويعلقون عليه بنقدهم وآرائهم التي حتما تنير جزءا كبيرا من عتمتي" (عماد الورداني).

بين الشعر والنثر يتألقون عبر الكلمة الصادقة والخيال الجامح الذي ينفذ إلى عمق الوجدان. يقول الناقد والروائي عبد الرحيم جيران "فعلا هي أصوات تتميز بكونها تقوم على التجريب وعلى عدم تكرار نماذج جاهزة".
 
وفي الجهة المقابلة لهذا الثناء على منتج الأقلام الشابة، يشير الناقد المغربي جيران "لغياب وزارة الثقافة واتحاد كتاب المغرب والمثقفين الذين يعتبرون أنفسهم كبارا" -على حد قوله- للحضور في ندوات حملت عنوان "أصوات جديدة في الكتابة".

وأضاف أن المعرض الدولي للنشر والكتاب والتظاهرات الثقافية تنبني على المحسوبية والزبونية و"المتجارة" في الكلمة بعيدا عن الثقافة من حيث هي موقف وارتباط بالمجتمع.

ويقول الشاعر منجد النور كوراني "نعاني من غياب الدعم المادي الذي لا نحظى به من قبل الجهات المسؤولة رغم طرق الأبواب عدة مرات، وهذا شيء مؤسف للغاية بحكم أن الشباب يجب دعمهم وتشجيع إبداعهم".

وبالرغم من الصعوبات العديدة، وأهمها مسألة النشر وغياب الدعم، فإن التجارب الإبداعية الشابة استطاعت أن تبصم أسماءها بإصرار داخل المشهد الثقافي المغربي بإرادة قوية ووصلت إلى القراء والجوائز بأدوات العصر الحديثة.

المصدر : دويتشه فيله