رواية جديدة للمغربي الطاهر بن جلون

رواية الطاهر بن جلون " السعادة الزوجية
undefined
أنطوان جوكي-باريس
 
بعد أشهر قليلة من صدور ديوانه الأخير "ليلتئم الجرح"، أطل علينا الكاتب المغربي الطاهر بن جلون برواية جديدة صدرت عن دار نشر "غاليمار" الباريسية تحت عنوان "السعادة الزوجية". وخلافا لما يوحي به العنوان، يلقي بن جلون في هذا النص نظرة قاتمة على موضوع الزواج، والحب عموما.
 
أحداث الرواية الجديدة تدور في مدينة الدار البيضاء عام٢٠٠٠، حيث  يجد رسّام في قمة مجده نفسه مقعدا في كرسي نقّال بسبب جلطة دماغية مفاجئة، وفي محاولة للخروج من حالة الاكتئاب التي يعاني منها، يقرر خط كتاب يروي فيه جحيم حياته الزوجية المسؤولة في نظره عن علته.

وبعد إنجاز مهمته -التي حرص أن تكون سرية- تكتشف زوجته المخطوط المخبّأ في خزانة داخل محترفه، وتقرر بدورها منحنا روايتها الشخصية لأحداث حياتهما، مفندة جميع الاتهامات التي يوجّهها زوجها إليها في كتابه.

‪الطاهر بن جلون استخدم تقنيات كتابية لافتة في روايته الجديدة
‪الطاهر بن جلون استخدم تقنيات كتابية لافتة في روايته الجديدة "السعادة الزوجية"‬ (الجزيرة)

نقاط خلل
ومن رواية الزوجَين يتبيّن لنا أنهما عاشا قصة حب حقيقية خلال العامَين الأولين من زواجهما، قبل أن تبدأ المشاكل بينهما.

يعزو الزوج أسباب هذه المشاكل إلى طبع زوجته الفجّ وسلوكها التملّكي وعدم ثقتها في نفسها، وبالتالي إلى عدم احترامها لهامش حرّيته، في حين تتوقف الزوجة عند مسلسل خيانات زوجها الطويل وانشغاله الدائم في محترفه وأسفاره ومعارضه وإهماله لواجباته الزوجية، مبرّرة سلوكها الانتقامي منه بالتحقير الذي تعرّضت له هي وعائلتها من قبل عائلته منذ حفلة زفافهما، ومن قبله هو في مناسبات رسمية عديدة لاحقة.

وكما في جميع رواياته السابقة، يضع الروائي الحائز على جائزة غونكور الأدبية المرموقة مهارات وتقنيات كتابية لافتة في خدمة هذه الرواية، دون أن يتمكّن هذه المرة من سد عطشنا على مستوى معالجته لموضوعه الرئيسي، إذ نستمتع بمهارته السردية الفريدة التي تجعلنا نقرأ هذا النص الطويل (٣٦٠ صفحة) بسهولة كبيرة، كما نتذوّق بإعجاب كبير براعته في حبك أحداث الرواية وفي خطّ بورتريهَين سيكولوجيين دقيقَين لشخصيّتيهما الرئيسيتين. لكن تستوقفنا نقاط خلل عديدة في عملية تشييدها كان يمكن تجنّبها.

فاختيار بن جلون علاقة زوجية غير نموذجية، يحول دون إمكانية تعميم تداعيات هذه العلاقة على سائر العلاقات الزوجية، إذ تبقى معادلة الفنان الشهير والغني الذي يتزوج بفتاة لا علاقة لها بالفن أو الثقافة، نادرة جدا، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الاختلاف الكبير بين الرسام وزوجته على مختلف الأصعدة، والذي يجعل من انهيار علاقتهما الزوجية مسألة حتمية، دون أن يكون لمؤسسة الزواج أي مسؤولية في ذلك.

فعلى الصعيد الاجتماعي، ينتمي الرسام إلى عائلة ميسورة من مدينة فاس، وتنتمي زوجته إلى عائلة بربرية فقيرة. وبينما يظهر الرسام كشخص متنوّر ذي ثقافة فنية وفلسفية وسينمائية واسعة، تظهر زوجته كامرأة غير عقلانية بثقافة محدودة لا تزال الممارسات السحرية التقليدية فاعلة فيها. وإذا أضفنا الظروف الصعبة لطفولتها وقيام والدها ببيعها وهي صغيرة إلى زوجَين فرنسيين، ومن جهةٍ أخرى، ضعف شخصية زوجها وهروبه من الخيارات المصيرية وعدم قدرته على حسم أمره لصالح البقاء معها أو الرحيل مع إحدى عشيقاته الكثيرات، لما تعجّبنا من مآل علاقتهما.

وبالتالي، كان من الأجدى -في نظرنا- اختيار شخصيتين لا يفرّقهما هذا الكم من الاختلافات، من أجل تركيز مضمون الرواية على النتائج السلبية المفترضة للزواج على مشاعرهما المتبادلة، وهو ما لم ينجح بن جلون في تحقيقه، علما بأنه الهدف المعلَن على غلاف الكتاب.

كما في جميع رواياته السابقة، يضع بن جلون مهارات وتقنيات كتابية لافتة في خدمة هذه الرواية، دون أن يتمكن هذه المرة من سد عطشنا على مستوى معالجته لموضوعه الرئيسي

صفحات مؤثرة
ومع ذلك، لا تخلو الرواية من صفحات مؤثرة وثاقبة حول المرض والشلل تحديدا، يتساءل بن جلون فيها عن قيمة وجدوى الحياة المرتهنة لأيدي الآخرين. ويصف المرض بالموت الحقيقي، "لأن الموت الآخر لا شيء، وما يسبقه أشنع بكثير".

وفي هذا السياق، تشدّنا خصوصا الصفحات التي يرصدها لوصف جهل الناس الذين يتمتعون بصحة جيدة لآلام المرضى وجروحهم البليغة، أو لفضح تحوّل علاقاتنا بالآخرين ما إن يمرضوا، كقوله على لسان الرسام "حين يضربكم المرض أو حادث ما، تتحوّل فجأة وجوه المحيطين بكم: ثمة من يغادر السفينة مثل الجرذان، وثمة من ينتظر تكملة الأحداث لتحديد موقفه، وثمة أخيرا من يبقى وفياً لمشاعره وسلوكه، وهذا النوع نادرٌ وثمين".

ولا تخلو الرواية أيضا من انتقادات لاذعة أو طريفة موجهة تارة لطائفة النساء اللواتي يبتلعن رجالهن منذ ليلة الزفاف، وزوجة الرسام خير مثال عليهن، وتارة للمجتمع الغربي الذي يهمل مواطنيه العرب وأبناءهم، ولا يراهم سوى مثيرين للاضطرابات والشغب، وتارة للمجتمع المغربي حيث "كل فرد يريد النجاح بسرعة وكسب الكثير من المال"، وحيث المظاهر أو القشور تتحلّى بقيمة أكبر من الجوهر.

تبقى نقطة مهمة أخيرة تشكّل مصدر غنى للرواية وهي المراجع السينمائية الغربية الغزيرة التي تحضر داخلها، إما على شكل تعليقات على أفلام سينمائيين كبار، مثل لويس بونيويل ودوغلاس سيرك وجان رونوار وجورج ستيفنس وأورسون ويلز وإيليا كازان وبيلي وايلدر، أو على شكل استشهادات مقتطعة من سيناريوهات أفلام إينغمار برغمان وفريتز لانغ في جميع فصول القسم الأول من الرواية. هذه المراجع تشكل مجموعة أنتولوجيا سينمائية مثيرة حول موضوع العلاقات الزوجية.

المصدر : الجزيرة