"الرحيل من بغداد".. توتر درامي وفني

الرحيل من بغداد

ملصق فيلم الرحيل من بغداد (الجزيرة نت)

جهاد هديب-الجزيرة نت

مع عرض الفيلم "الرحيل من بغداد" للمخرج العراقي قتيبة الجنابي، وتمثيل صادق العطّار وجاسم التميمي ورانغ عمر وأتيلا سوليموسي، ودعم إنتاجي من مهرجان الخليج السينمائي، تكون المنافسة على جوائز المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة لمهرجان الخليج، قد بدأت محتدمة بالفعل.

وكان قتيبة صاحب "حياة صامتة" و"مراسل بغدادي" و"ضد النو"، كأنما يمارس في أفلامه الروائية القصيرة والوثائقية نوعا من التمارين القاسية، ليتمكن من إخراج فيلمه الروائي الأول "الرحيل من بغداد".

وعلى نحو من السوية الفنية العالية التي تعبر عن رؤية واضحة ومتبلورة في مجملها في الفيلم، وعلى مستوى عملية الإنتاج بكافة عناصره، سعى الجنابي إلى قول الكثير مما يحتاج البوح به إلى كتب ومقالات وشروح وإضافات.

الاختزال والتكثيف

 المخرج العراقي قتيبة الجنابي (الجزيرة) 
 المخرج العراقي قتيبة الجنابي (الجزيرة) 

ويدرك الجنابي الدور الاستثنائي للفن السينمائي بوصفه أداة اتصال جماهيرية راقية عندما يميل إلى الاختزال والتكثيف في صياغة الرسالة فنيا بكافة مضامينها، وقد استجابت رؤيته لكافة متطلبات الفن السينمائي دون فائض في الثرثرة أو الصور، ووفقا لمنطق درامي محكم البناء وينعكس مباشرة على الأداء.

ولا يتناول الفيلم بشخصياته الدرامية التي لا تزيد عن أصابع اليد الواحدة حكاية الناس كلهم في عراق الثمانينيات، بل يقول ذلك كله عبر حكاية مؤثرة عن شخصية المصور الفوتوغرافي "صادق" الذي يبلغ مراتب في "البعث" العراقي الحاكم. 

وتمكن هذه المنزلة المصور من دخول بيت العائلة الحاكمة، والتقاط الصور الخاصة بها في مناسباتها الخاصة، غير أنه يُنقل في مهمة حزبية لتصوير حفلات التعذيب الخاصة أيضا بعد انقلاب صدام حسين على حلفائه الشيوعيين.

ولا يبدأ الفيلم من هنا، فكل شيء يأتي عبر التداعيات والتذكارات التي ترافق الرجل عند هربه من العراق باتجاه لندن، حاملا معه بعض الأشرطة التي سجّل عليها تلك الحفلات.

وبما إدراك أن ما يحمله صادق يمثل قنبلة موقوتة قد تنفجر في وجه "البعث" يتم تتبع خطواته وقتله قبل أن يصل ويستقر في مكان ما، فتتم تصفيته على الحدود بين بولندا وبلد أوروبي آخر برصاص قناص عراقي كان يتتبعه.

سرد متوتر

مشهد من فيلم الرحيل من بغداد (الجزيرة نت)
مشهد من فيلم الرحيل من بغداد (الجزيرة نت)

"الرحيل من بغداد" فيلم يثير التوتر ويجعل أحاسيس المتفرج متحفزة طيلة الساعة التي استغرقها تقريبا، فيعيش مع شخصية "صادق" تفاصيل هروبه وتعقبه لحظة بلحظة.

ولم يكن ذلك ليحدث لولا منطق السرد الدرامي المتوتر بانعطافات غير متوقعة وصور تتتالى وفقا للمنطق ذاته، سريعة ومتقشفة في الحوار، لكنها غنية بالحركة والتفاصيل التي تتراكم كلما تقدمت الحكاية في مستواها الدرامي، وكلما أبرز الحدث حجم المعاناة عبر الصورة.

وعلى مستوى الأداء، فإن الفيلم يحضر فيه على نحو أساسي الممثل الذي جسّد شخصية "صادق"، وكذلك الممثل الذي جسّد شخصية القناص، أما أداء بقية الممثلين، فكان عاديا تماما، بل إنه بدا باردا في بعض الأحيان.

يشهد المتفرج مع "صادق" حكايةً عنه يصدّقها ويعيش تفاصيلها، كما جرت حسب الفيلم، أو كما شاء لنا قتيبة الجنابي أن نراها، فإما أن نقبل بذلك أولا، لكن الجنابي في كل الأحوال كان مقتنعا بأدائه الفني في"الرحيل من بغداد"، هذا الرحيل الذي لم يكتمل نشيده السينمائي حتى بالموت المشهدي لصاحبه.

المصدر : الجزيرة