"فلسطيني ابن الداخل".. كيف توحد أنشودةٌ أبناء الشعب الواحد؟

تعمّد الاحتلال بث رواية أن فلسطينيي الداخل كانوا وراء اعتقال الأسرى، لدب الفتنة والشقاق بين الفلسطينيين، مستهدفا حالة التضامن الواسعة مع الأسرى.

الأنشودة أنتجت سابقا في قطاع غزة المحاصر، لكن تأنى أصحابها في إطلاقها للجمهور منتظرين الوقت المناسب (مواقع التواصل الاجتماعي)

القدس المحتلة- "فلسطيني ابن الداخل، أنا بصمودي أناضل، أنا سندك فاشدد أو قاتل، دمي دمك". على وقع لحن سريع حماسي تتلاحق فيه كلمة "دمي" 6 مرات في لازمة الأنشودة، بنحو يطبع كلماتها في ذهن سامعها؛ أطلق فريق الوفاء للفن الإسلامي -قبل أيام- أغنية "فلسطيني ابن الداخل" وسط تفاعل فلسطيني واسع.

حيث أنتج الفريق في قطاع غزة المحاصر جنوبي فلسطين هذه الأنشودة سابقا، لكنه تأنى في إطلاقها للجمهور منتظرا الوقت المناسب، وجاء فعلا بعد بث الإعلام الإسرائيلي روايات حول قضية هرب الأسرى الفلسطينيين الستة من سجن جلبوع، تفيد أن فلسطينيين من الداخل -وتحديدا من الناصرة- وَشَوا لشرطة الاحتلال حول مكان بعض الأسرى، وأنهم أبوا أن يطعموهم حين استطعموا.

وتعمّد الاحتلال بث هذه الرواية في صفوف الفلسطينيين، لدب الفتنة والشقاق بينهم، مستغلا حالة التضامن الواسعة مع الأسرى والنقمة على أي سبب أعاد اعتقال 4 منهم، وهم محمد ومحمود العارضة، ويعقوب القادري، وزكريا زبيدي. لكن نقل محامو الأسرى للإعلام على لسانهم أن أحدا لم يشِ بهم، وأنهم لم يطلبوا المساعدة من القرى العربية "خوفا عليهم لا منهم".

ويطلق مصطلح "فلسطينيو الداخل" على الفلسطينيين الذين احتُلت قراهم عام 1948، وباتوا داخل ما يسمى "الخط الأخضر" الذي يفصل أراضيهم عن التي احتُلت عام 1967، وأُجبروا على نيل الجنسية الإسرائيلية وتعرضوا -وما زالوا- لسياسية كي الوعي وسلخهم عن محيطهم العربي والفلسطيني وتسميتهم "عرب إسرائيل".

عمق في الكلمات والمشاهد

"صفد الطيرة الناعورة من رهط إلى الناقورة، سيأتي زمان نمزق وهم التعايش فيه ولا نشتريه سلام الغزاة". في نحو 5 دقائق تقدم الأغنية أسماء عشرات القرى والبلدات في الداخل الفلسطيني متبوعة بكلمات تحدٍ وتحفيز يحكيها المنشد دفعة على نَفَس واحد، مثل" فلن يقهرونا بمقت البعاد وإن لنا موعدا للسداد فما زلنا فوق الجبال رماة".

وقد أنتج فريق الوفاء مع الأغنية مقطعا مرئيا "فيديو كليب" يظهر فيه المنشدان حمودة صلاح ومصعب الهشلمون بزي رجال "مافيا" في غرفة معتمة، يوجهان السلاح في وجه بعضهما (في إشارة إلى انتشار عمليات القتل في الداخل الفلسطيني)، ثم يجلسان بجانب شاشة تعرض مشاهد من النضال الفلسطيني الذي خاضه فلسطينيو الداخل منذ النكبة حتى اليوم، وتظهر لقطات وهما يحرقان المال من فئة (200 شيكل) ويضعانها في زجاجة حارقة "مولوتوف"، ولقطات أخرى وهما ينظران إلى مجسم شفاف لخارطة فلسطين ويكتبان أسماء أبرز المدن والبلدات.

ويبدأ المقطع بلقطة ينفض فيها صلاح والهشلمون الغبار عن مذياع قديم يُذيع خبرا عن ثورة يافا والبراق اللتين حدثتا في عهد الاحتلال البريطاني بجهود ومشاركة الفلسطينيين المتحدين الذي لم تفرق بينهم آنذاك حدود.

شكر من أسرى محررين

مؤديا ومخرجا الأنشودة هما أسيران محرران في صفقة وفاء الأحرار (صفقة شاليط) عام 2011، وهما حمودة صلاح من مدينة نابلس ومصعب الهشلمون من مدينة الخليل وكلاهما مبعدان إلى غزة. هدفا من خلال ما قدماه إلى وأد الفتنة والتذكير بماضي وحاضر فلسطينيي الداخل، "وأن من قاد ثورة البراق عام 1921 لن يستطيع الاحتلال شراءه في يوم من الأيام".

وفي حديث للجزيرة نت مع كاتب الأنشودة وأحد منشديها المُحرر حمودة صلاح قال إنهم حاولوا من خلال المشاهد التأكيد على أصالة فلسطينيي الداخل وأن السحر سينقلب على الساحر حتما، فتحوّل المال في نهاية المقطع إلى زجاجة حارقة تستخدم في مواجهة الاحتلال، وتبدل زي المافيا إلى زي فلاح أصيل مقاوم، واتجهت فوهة السلاح نحو جندي إسرائيلي بعد أن كانت موجهة نحو الفلسطيني.

ويضيف صلاح أن الأنشودة قُدمت شكرا من أعضاء فريق الوفاء -وهم أسرى محررون- إلى أهل الداخل، وتأكيدا على أن الدماء واحدة "دمي دمك". مبيّنا أنهم تعمدوا استخدام لحن وإيقاع عصري صاخب محبب إلى جيل الشباب الذي راهن الاحتلال على سقوطه.

01 فادي العصا/ صور لقوات الاحتلال تقوم بعمليات تمشيط وبحث عن الأسرى الستة الذين استطاعوا الهرب من سجن جلبوع شديد التحصين/ قرب بيسان/ شمال فلسطين المحتلة/المصدر: الإعلام العبري
قوات الاحتلال أثناء عمليات تمشيط وبحث عن الأسرى الفلسطينيين بعد الهرب من سجن جلبوع قبل أن يتم القبض على 4 منهم (الإعلام الإسرائيلي)

أسرى من الداخل في سجون الاحتلال

وفي سياق الحديث عن روايات الاحتلال حول الوشاية، لا يستبعد الكاتب الصحفي ساهر غزاوي -من مدينة الناصرة في الداخل الفلسطيني- وجود بعض "المرضى الذين تربت نفوسهم الضعيفة على الذلة والتملق والعمالة من بلدات ومدن الداخل الفلسطيني، وخاصة بعد أكثر من 70 سنة تحت السيطرة الإسرائيلية على وعيهم".

ويضيف غزاوي -للجزيرة نت- أن "الأمر الأهم الذي يجب أن ننظر إليه بفخر -بصرف النظر عن صحة رواية الوشاية من عدمها- أن الأغلبية الساحقة من أهالي مدينة الناصرة بمسلميها ومسيحييها حزنوا على القبض على اثنين من الأسرى في مدينتهم، بنفس درجة فرحهم على نجاحهم بالتحرر من قبل، واستنكروا بشدة الوشاية التي قام بها شاذون لا يمثلون إلا أنفسهم".

وختم غزاوي قائلا "أهل الداخل الفلسطيني لهم تاريخ نضالي وليسوا بمعزل عن قضية الأسرى، هناك عشرات العوائل من مختلف البلدات لهم أبناء في السجون الإسرائيلية ومنهم ذوو محكوميات عالية، لذلك نلمس حرارة تفاعلهم مع قضية الأسرى من خلال التفاعل الميداني والجلسات العائلية ومنصات التواصل الاجتماعي، وهذا يعطينا الصورة الحقيقية لأهل الداخل الفلسطيني".

المصدر : الجزيرة