تحولات في لوحة "جمل المحامل".. الفلسطيني يهزم تعبه

لوحة "جمل المحامل" تحولت إلى ما يشبه الأيقونة في قلوب كل الفلسطينيين والمقدسيين على وجه الخصوص.

جمل المحامل
التحولات في لوحة جمل المحامل من نسختها الأولى عام 1973 حتى معركة غزة الأخيرة (مواقع التواصل الاجتماعي)

لفتت نسخة جديدة من اللوحة الفلسطينية الشهيرة "جمل المحامل" تصدّرت خلفية المؤتمر الصحفي لرئيس حركة حماس في غزة يحيى السنوار قبل أيام، جمهور الفلسطينيين، بما حملته من تحوّل يعكس التغيير في أسلوب وأدوات المواجهة بين الفلسطينيين وإسرائيل بعد أحداث القدس والعدوان الأخير على غزة.

فاللوحة التي رسمها الفنان الفلسطيني سليمان منصور عام 1973 لمُسنّ فلسطيني يحمل القدس وحيدا على ظهر منحن ظهرت في غزة بحلة جديدة وقد تحول المسن إلى مقاوم فلسطيني مسلّح مستقيم الظهر ينظر إلى عدوه بصرامة.

وذكّر موقع "خزائن" المختص بحفظ الوثائق والأرشيف الفلسطيني بقصة لوحة "جمل المحامل"، وقال إنها ليست عملا فنيًّا رائعًا فحسب، بل تحولت إلى ما يشبه الأيقونة في قلوب كل الفلسطينيين والمقدسيين على وجه الخصوص، وُظّفت فيها شخصية العتّال (الحمّال) الذي يتحول إلى جائل دائم يحمل هموم القدس وقلق الوطن. حمّال يمشي في الفراغ هائمًا في أرض لا نهاية لها، دلالة على اغترابه، بقدمين حافيتين كبيرتين، وثياب رثة، وبذراعين قويتين، وهو يحمل القدس بصورتها المثالية الأبهى والأجمل على ظهره في مواجهة مرارة التجربة اليومية والخسارة المستمرة".

‎⁨مقاتل فلسطيني يحمل القدس: لوحة جمل المحامل الجديدة بخلفية مؤتمر رئيس حماس في غزة⁩ (مواقع التواصل الاجتماعي)

وكتب الباحث والمحلل عدنان أبو عامر على صفحته إن "جمل المحامل" التي كبر عليها الفلسطينيون عقودًا أصبحت اليوم لوحة "مقاوم هصور يافع يحمل القضية وبندقيته معًا.. تغير الزمان وأدواته، وجدارياته أيضًا".

قابلت الجزيرة نت صاحب اللوحة سليمان منصور الذي رسم نسختها الأولى عام 1973 وضاعت في ظروف غامضة، ثم رسم نسخة تالية عام 1976 اقتناها السفير الليبي في عمّان وأهداها إلى الرئيس الراحل معمر القذافي، وعُلم لاحقا أنها دُمرت في القصف الأميركي لقصر القذافي في طرابلس عام 1986.

‎⁨الفنان الفلسطيني سليمان منصور⁩ (الجزيرة)

وعام 2005 أعاد منصور رسم لوحة جمل المحامل مرة ثالثة، وهي معلقة اليوم بمتحف رمزي دلول بالعاصمة اللبنانية بيروت.

من المسن إلى المقاوم

قال منصور إن هذه اللوحة التي عُلقت في منازل الفلسطينيين وطُبعت في ذاكرة الجميع أصابها التحوير كثيرا من فلسطينيين وغير فلسطينيين، ولكنني "رأيت أنها حملت فكرة جديدة بالصورة التي ظهرت فيها بغزة".

ويضيف منصور "لم يضعوا وجه شخص سياسي وإنما وجه شاب مقاوم صار يُعدّ المستقبل في نظر الفلسطينيين، المقاوم الذي يحمل القدس على ظهره". وأما لصاحب اللوحة الأصلية "فلم يكن هذا مزعجا أبدا".

‎خالد حوراني يستعيد لوحته البطيخة للتحايل على حظر الرموز الفلسطينية⁩ (الجزيرة)

واستلهم منصور لوحته عند رسمها الأول من مشهد الشيخ الكبير "العتّال" الذي يعمل في أسواق القدس، ويحمل على ظهره بضائع تفوق حجمه وقدرته، ومثّل الرجل المنهك في اللوحة الشعب الفلسطيني الذي يحمل قضية القدس على أكتافه.

ويلفت منصور إلى أن كثيرا من الأيقونات العالمية تم تحويرها لأسباب سياسية واجتماعية، "فالموناليزا مثلا وضعوا لها شنبا".

ومنصور نفسه استخدم رسوم الفنان والنحات الإيطالي مايكل أنغلو في رسوم سياسية فنية حديثة على جدار الفصل العنصري.

وقال إن "استخدام الأيقونات في تعبيرات مختلفة أمر مشروع".

ويضيف منصور أن المسنّ في اللوحة يرمز للفلسطيني صاحب الجذور العميقة. وفي الحلة الجديدة، رأى منصور الشباب يحمل القضية وهم مستقبلها، " وهذا يعني أن الشباب يأخذون دورهم بقوة وبنجاعة أيضا" كما قال.

الفن في المواجهة

أما الفنان خالد حوراني، فقال إنه "من الظريف في أحداث سياسية ومعركة كبيرة كهذه حضور الفن بطريقة قوية ومنه  لوحة جمل المحامل وفي مؤتمر مركزي للاحتفاء بالانتصار".

وبرأي حوراني "هذا دليل لحضور الفن وعيشه بين الناس، فطبيعي جدا أن يوظّف لتعبيرات من هذا النوع".

ولكنه يقول "إن اللوحة تحتمل أن يحمل القضية المسنّ والعتال والمدني كما المقاتل، لأن المواجهة الأخيرة في فلسطين اشترك فيها كل من يحمل صاروخا أو من يرمي حجرا، ومن تعرض الأزياء ومن يغني الراب ومن يدافع عن بيته كمنى الكرد، الكل حمل القدس وفلسطين على عاتقه".

ويقول حوراني إن الفن لا يرافق الأحداث السياسة فحسب، بل يسبقها في التقاط الحقيقة والكشف عنها، والفن الفلسطيني لم يبدأ مع أحداث حي الشيخ جراح وباب العامود وفي المسجد الأقصى، بل جاء إلى الثورة الأخيرة من ذاكرة الناس واستُخدم بطريقة لافتة.

وأصدر حوراني عام 2019 كتابه الأول بعنوان "البحث عن جمل المحامل" الذي حاول خلاله تقصّي مصير اللوحة منذ نسختها الأولى وفقدانها حتى مقتل مقتنيها الزعيم معمر القذافي عام 2011، وفي أثناء ذلك كان حوراني يبحث عن تحولات فلسطين خلال سنوات "الربيع العربي".

وفي الأحداث الفلسطينية الأخيرة إذ قيّدت منصات التواصل الاجتماعي المحتوى الفلسطيني وبعض الرموز الفلسطينية، استعاد الفنان خالد حوراني لوحته "البطيخة" التي رسمها عام 2007، وعبرت بألوانها، الأحمر والأسود والأخضر والأبيض، عن العلم الفلسطيني حين منع الاحتلال رفعه.

ويذكر حوراني أيضا استخدام حركة حماس لمبادرته لوحة "المسافة إلى القدس" في صورة لرئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، ما زال يحتفظ بها، ويشير فيها هنية إلى المسافة بين غزة والقدس.

ويقول حوراني إن الفن موجود كي تتفاعل معه الجماهير، ولا يمكن تخزينه، والتصرف بلوحة جمل المحامل بهذا الشكل هو جزء من الاحتفاء بها. ويعتقد أن أي فنان يجب أن يكون فخورا باستخدام لوحاته في سياق إبراز رواية شعبه للعالم.

وبعد الحلة الجديدة لها في غزة أيضا، ظهرت أصوات فنية تحذّر من التغيير في أيقونة كجمل المحامل. فبرأي فنان الكاريكاتير الفلسطيني محمد سباعنة إن "الفلسطينيين يجابَهون بإرثهم الحضاري ويعانون السرقة الفنية والثقافية من المحتل دوما، لذلك فالحذر مطلوب في التعامل مع أيقوناتهم الفنية وتغييرها".

المصدر : الجزيرة