غريب الجولان المحتل يفتتح أيام فلسطين السينمائية

الفيلم يحاكي حالة الاغتراب والانتظار التي يفرضها الاحتلال

مخرج فيلم الغريب، أمير فخر الدين
مخرج فيلم الغريب أمير فخر الدين (الجزيرة)

رام الله- "كيف نهاب الموت إذا ونحن لم نحي بعد"، هذه بعض الكلمات التي ختم بها المخرج السوري من الجولان المحتل أمير فخر الدين فيلمه "الغريب" الذي عرض في افتتاح أيام فلسطين السينمائية في قصر الثقافة بمدينة رام الله، والتي لخصت الحكاية.

حكاية الفيلم وبطله وهضبة الجولان السوري التي تعيش غربتها تحت الاحتلال.

يتتبع الفيلم حكاية عدنان الذي يقوم بدوره الفنان أشرف برهوم، الشاب المثقل بعبء الجغرافيا المحاصرة وسطوة التقاليد، وحمل التوقعات من والده بأن يصبح طبيبا، وزوجته ليلى التي بات همها الهجرة للخلاص من برودة وطنها المحاصر، دون الالتفات له وهو يردد في كل مرة أن "شجرة التفاح يتغير طعمها إن نمت في غير تربتها".

من أفتتاح المهرجان 1
من افتتاح مهرجان أيام فلسطين السينمائية (الجزيرة)

يزدحم الفيلم برسائل عديدة. وظهر المخرج، وهو كاتب النص أيضا، غير قادر على تجاوز أي منها. فهي تكمل مشهد الغربة. ليس غربة عدنان فقط، ولا الشاب الجريح القادم من سوريا الأم بحثا عن بيت تركه خلفه جده النازح في حرب 1967، ولا الزوجة " ليلى" التي أحبت عدنان رغم كل ظروفه الصعبة، ولا أبو عدنان الغارق بغضبه على ابنه الذي لم يحقق حلمه ويصبح طبيبا، ولا الأم التي لا تجد سوى مناجاة الله لتغيير الحال، فالغريب الأكبر هي هضبة الجولان المعزولة بسياج الاحتلال عن سوريا الأم والعالم أجمع.

عامر خليل مدير مسرح الحكواتي في القدس
عامر خليل مدير مسرح الحكواتي في القدس (الجزيرة)

فيلم جولاني بامتياز

الفيلم، الغارق بتفاصيل جغرافيا المكان الساحرة والقاسية في آن، هو أول فيلم روائي طويل من هضبة الجولان وعنها، وهو ما ميزه ليكون فيلم الافتتاح. وأيضا لتختاره وزارة الثقافة فيما بعد ليمثل فلسطين في أوسكار 2022.

وعلى هامش العرض، تحدث فخر الدين للجزيرة نت بكل حماس وسعادة عن اختيار فيلمه ليكون فيلم الافتتاح. "نحن بواقعنا لا نستطيع الوصول إلى سوريا وبعيدون عن الوطن، ولكن احتضان فلسطين لنا يعني الكثير".

وقال أيضا إن "الفيلم يحاكي حالة الاغتراب والانتظار التي يفرضها الاحتلال، ونحن في الجولان وفلسطين نعيش هذا الواقع".

وبحسب فخر الدين، فإن إنتاج فيلمه في هذا الواقع لم يكن سهلا، فإنتاج الأفلام يحتاج لدعم مالي حكومي ومؤسساتي، وهو ما جعله يتجه بطلب الدعم من مؤسسات ثقافية عربية.

موهبة تستحق الدعم

تشابه الحال الفلسطيني مع ما يعرضه الفيلم لم يكن السبب الوحيد لاختياره ليكون في عرض الافتتاح، كما تقول المديرة الفنية للمهرجان، المخرجة ليلى عباس، أيضا الجماليات البصرية العالية في الفيلم، والتي لمسها جميع الحضور، فالمخرج موهبة "تستحق الدعم".

وإلى جانب هذا الفيلم الذي يعرض لأول مرة في مهرجان سينمائي عربي، بعد عرضه في مهرجانات دولية وفوزه بجائزة بمهرجان فينيسيا الدولي، تعرض 10 أفلام أخرى في المنطقة العربية لأول مرة. هذه الأفلام من أصل 65 فيلما اختارتها لجنة المهرجان لعرضها على مدار أيام المهرجان الخمسة.

وبحسب عباس، خلال الاختيار تم مراعاة معايير تتعلق بجودة الإنتاج فنيا، والتنوع الجغرافي بأن تكون من مناطق مختلفة، إلى جانب محتوى الأفلام.

واعتبرت عباس أن هذا المهرجان، رغم صعوبة تنظيمه لوجستيا ببلد تحت الاحتلال وميزانية محدودة، فإنه استطاع للعام الثامن على التوالي خلق حركة فنية كبيرة في فلسطين. وشكل فرصة لصناع الأفلام والسينمائيين الفلسطينيين للاطلاع على أفلام دولية، وأيضا التشبيك لإنتاجات مشتركة عربية ودولية.

وتعتبر ليلى عباس أن أهم فعاليات المهرجان هي جوائز طائر الشمس التي أطلقت في العام 2016، الخاصة بالسينما الفلسطينية، والتي تقدم فرصة لصناع الأفلام الفلسطينيين والناشئين لعرض أفلامهم، إلى جانب جائزة الإنتاج المالية لمساعدة المخرجين على إنتاج أفلام.

ليلى عباس، المديرة الفنية للمهرجان 2
ليلى عباس المديرة الفنية للمهرجان (الجزيرة)

اليوم الثاني في القدس

ويفتتح المهرجان أولى عروض اليوم الثاني في القدس بفيلم "أميرة" على المسرح الوطني الفلسطيني "الحكواتي"، الذي يعتبر مديره عامر خليل أن اختياره لعرض الفيلم الأول في القدس يشكل دعما معنويا للمسرح المهدد بالإغلاق، نتيجة الظروف المادية والاحتلالية الصعبة.

وتتوزع عروض الأفلام على مدار أيام المهرجان ما بين رام الله والقدس وبيت لحم وغزة ومدينتي حيفا والناصرة بالداخل الفلسطيني المحتل، وسيذهب ريع تذاكر المهرجان بالكامل إلى جوائز طائر الشمس بفئاتها المختلفة، باستثناء تذاكر عروض الأفلام في مدينة القدس التي ستذهب لدعم مسرح الحكواتي الذي يعاني من أزمة مالية.

وقال خليل للجزيرة نت "إن هذه الشراكات مع المؤسسات الثقافية في القدس تعيد التحام الجمهور والفنانين بالمدينة المحتلة ومؤسساتها الثقافية التي تعاني من أزمات تهدد استمرار عملها".

واعتبر خليل أن أهمية الدعم ليس ماديا فقط، وإنما معنويا بإعادة الحركة إلى المسرح وحضور الجمهور.

أعاد الحركة السينمائية لفلسطين

الناقد السينمائي الصحفي المختص بالثقافة يوسف الشايب في حديثه للجزيرة نت اعتبر أن استمرار المهرجان 8 سنوات في ظل الظروف الصعبة لفلسطين الخاضعة تحت الاحتلال هو الإنجاز الكبير.

وقال "أن نستطيع استقطاب هذا العدد من الأفلام رغم محدودية الميزانيات والوضع السياسي غير المستقر، والمنافسة الكبيرة من مهرجانات عربية ودولية بميزانيات ضخمة، فهي إذا قصة نجاح حقيقية".

واعتبر الشايب أن هذا المهرجان أعاد للحركة الثقافية الفلسطينية وفلسطين مكانتها في الحركة السينمائية العربية والعالمية، واستنهض دورها محطة ثقافية وحضارية، وهي التي شهدت تصوير ثاني فيلم في التاريخ عام 1896.

وقال الشايب إن ما يحزن في هذه الأجواء هو غياب أبرز الإنتاجات السينمائية الفلسطينية لانشغالها في المشاركة بمهرجانات كبرى في العالم، والتي كانت ستضيف لهذا المهرجان الكثير.

المصدر : الجزيرة