تركيب الصوت والصورة.. كيف ساهم المونتاج في صناعة الأفلام؟

Video editing. Professional editor adding special sound effects. Back view of young man watching graphs on monitors. Copy space on gray wall
المونتاج هو الخطوة النهائية والمهمة للغاية في صنع الفيلم ووضعه في الشكل الذي سيعرض على المشاهد (غيتي إيمجز)

لمياء رأفت

المونتاج هو واحد من أهم خطوات صناعة الأفلام، والتي من دونها يظل العمل السينمائي أو التلفزيوني مجرد قطع أو لقطات مصورة غير مرتبة، ولا يربطها سوى ظهور الممثلين أنفسهم بها.

وتتم عملية المونتاج بعد انتهاء تصوير الأفلام، أو في مرحلة ما بعد الإنتاج، وفيها تجمع المشاهد واللقطات المصورة ويعاد ترتبيها وقص بعض المشاهد. وفي هذا التقرير نتحدث عن فن المونتاج، وكيف تطور؟ وكيف يساهم في تشكيل الأفلام وصناعتها؟

ليس مجرد عمل تقني
الفهم البسيط والمحدود للمونتاج هو أنه عملية ميكانيكية وتقنية بحتة، يجري عبرها جمع المشاهد مع بعضها بعضا، ولكن في الحقيقة المونتاج هو الخطوة النهائية والمهمة للغاية في صنع الفيلم ووضعه في الشكل الذي سيعرض على المشاهد، لأن المونتاج قادر على تغيير حبكة الفيلم وإعادة صياغته والتلاعب في الزمن، وإضفاء المعاني الضمنية، وكذلك التحكم في إيقاع الفيلم سواء كان سريعًا أم بطيئا.

يمكن تشبيه المونتاج بالحياكة التي تجمع قطع القماش الممزقة لتشكيلها في هيئة معينة، هكذا يفعل المونتاج مع لقطات الفيلم المصورة.

ولهذا السبب يقوم كثير من المخرجين بهذه العملية بأنفسهم، مثل المخرج الياباني الشهير أكيرا كيروساوا والأخوين كوين، وذلك لضمان تحكم المخرج الكامل في العمل وطريقة سرده.

كيف تطور المونتاج؟
في الماضي كان محرر الفليم (المونتير) يعمل على مادة واحدة فقط وهي الصورة، وذلك قبل ظهور تقنية الصوت، وكانت الأفلام لسنوات قريبة تصور على الفيلم الخام، وهو غالي الثمن نسبيًا. أما اليوم فقد صار المونتاج عملية رقمية، ودخل عليها بالإضافة إلى الصوت والصورة، مراحل أخرى مثل الموسيقى والمؤثرات البصرية. وفي الأفلام ضئيلة الميزانية يقوم محرر الفيلم بمسؤوليات التقنيين المختصين في هذه المجالات، وفي الأفلام الأخرى عالية الميزانية يشارك محرر الفيلم مع المنتج في وضع اللمسات بعد عمل مسؤولي الصوت والمؤثرات وغيرهم.

تطوير صناعة الأفلام
حتى نفهم أهمية المونتاج لصناعة السينما، يجب أن نعرف شكلها قبله، ففي بدايات السينما منذ العام 1895، كان يتم تصوير الفيلم كله دفعة واحدة، فقط توضع الكاميرا في المنتصف التي تصور الحدث، في ذلك الوقت لم تكن هناك قصة أو حبكة ولا مونتاج.

وكان الحدث يصور في الوقت ذاته الذي يحصل فيه، بمعنى لو كان هناك مشهد لكلب يجري وراء رجل حتى يصل الأخير إلى الباب، فقد كانت مدة اللقطة هي الوقت ذاته الذي يستغرقه جري الرجل حتى الباب، وليس كما يحدث الآن: لقطة للرجل يجري، ثم لقطة وهو يدلف للباب.

فهذه رفاهية لم تكن متاحة في ذلك الوقت، وبالتالي نستنتج أن من أهم مزايا المونتاج هي قدرته على التحكم في الفيلم، فهناك أحداث تأخذ في الحقيقة ساعات تظهر في دقائق على الشاشة، والعكس صحيح.

لكن بعد ثلاث سنوات فقط من بداية فن السينما، قام المخرج الإنجليزي روبرت دبليو بول بتقديم فيلم بعنوان "تعال.. افعل" (Come Along.. Do) الذي استخدم فيه المونتاج، ليفصل بين دخول بطل الفيلم حجرة والمشهد من داخل الحجرة، وساهم في ذلك تطور كاميرات التصوير.

وككرة الثلج التي يكبر حجمها في كل لحظة، بدأ المونتاج في التطور وتطوير السينما، فعلى يد المخرج الرائد جورج ميليه ظهرت المؤثرات البصرية لأول مرة بمساعدة المونتاج، مثل تصوير لقطة لسكين يهوى على رقبة رجل، ثم قطع التصوير، وتصوير مشهد لرأس مقطوع، مما يعطي انطباعا بحدوث القتل.

وساهم المونتاج كذلك في تطور آخر في صناعة الأفلام وهو أحجام اللقطات، ففي بداية السينما كانت الأفلام تصور بالكامل بلقطة واسعة، تستعرض كل ما يحدث أمامها، ولكن المونتاج سمح للكاميرا واللقطة بالانتقال ليس فقط من مكان لآخر، بل من زاوية لأخرى، وأقرب وأبعد، وهنا بدأت الكاميرا في المساهمة بسرد القصص وليس فقط نقلها.

على سبيل المثال، لو أراد صانع العمل أن يجذب انتباه المشاهد لأداة الجريمة في جيب الجاني، يمكن ذلك بتقريب الكاميرا إلى الجيب، بعد لقطة واسعة للمشهد ككل، وبذلك وبصورة غير واعية يعلم المشاهد أن ذلك يعني شيئًا بالقصة التي يشاهدها.

ساهم المونتاج أيضا في إطالة الأفلام، فبعدما كانت مدة الفيلم دقائق، لا تزيد عن 12 أو 15 دقيقة، وهي عمر بكرة الفيلم الخام الواحدة، أصبح من الممكن صنع أفلام من بكرات متعددة يتم وصلها عن طريق المونتاج.

مراحل مونتاج الأفلام
بالطبع في الوقت الحالي يتم المونتاج بصورة رقمية تمامًا، وسمح ذلك بعدد مرات لا نهائية لتعديل الأفلام، مع إمكانيات تقنية واسعة لمحرر الفيلم، ولكن يتم مونتاج الأفلام عامة عبر ثلاث مراحل أساسية، يمكن تلخيصها في "نسخة محرر الفيلم" (editor’s cut)، "نسخة المخرج" (the director’s cut)، "النسخة النهائية" ( the fina cut).

الأولى هي النسخة التي يعمل عليها محرر الفيلم بصورة يومية، وهي محاولة لتجميع الفيلم وترتيبه والتخلص من المشاهد التي لا يحتاج إليها المخرج، والمشاهد المعادة والمكررة، ليأخذ الفيلم في النهاية شكلا شبه نهائي، ولكن أطول بكثير من الفيلم النهائي بالتأكيد.

المرحلة التالية يضع خلالها المخرج لمسته الخاصة، حيث يزيل مشاهد إضافية أو يحتاج إلى تصوير مشاهد أخرى لتغطية مشاكل معينة شاهدها في غرفة المونتاج، أما النسخة النهائية ففيها يتدخل المنتجون أو أحد مسؤولي الأستوديو، ليخرج بعدها الفيلم إلى النور حيث تشاهده في المهرجانات الفنية أو صالات السينما. 

المصدر : الجزيرة