كوينتين تارانتينو.. سارق أم فنان حقيقي؟

كوينتين تارانتينو
أفلام تارانتينو تشعر الناس بالأصالة على الرغم من مصادر إلهامها الكثيرة (غيتي إيمجز)

بسمة خالد

ليس سرا أن المخرج الأميركي كوينتين تارانتينو يسرق من الأفلام الأخرى، هذه ليست إهانة حقا لتارانتينو كما قال في مقابلة مع مجلة "إمباير" (Empire) عام 1994 "أنا أسرق من كل فيلم، أنا أحب ذلك، أنا آخذ هذا من هذا وذاك وأخلطها معا، إذا كان الناس لا يحبون ذلك، فلا يذهبوا لرؤيته، حسنا؟ أنا أسرق من كل شيء، الفنانون العظماء يسرقون ولا يقلدون".

ويقتبس تارانتينو جملته الأخيرة من الفنان بابلو بيكاسو الذي قال "الفنان الجيد ينسخ من الأعمال الأخرى، لكن الفنانين العظماء يسرقون".

هذا جزء مما يجعل عمل تارانتينو ممتعا لمشاهديه، إنه يعرف كيف يأخذ ما نجح من الأفلام السابقة، ويمزج بينها وبين قصة جديدة كاملة، ولكن يبقى السؤال دائما، هل هذا يعني أن تارانتينو ليس بصانع أفلام؟

في هذا التقرير، سوف نستعرض بعضا من أفلام تارانتينو التي استلهم فيها أفلام مخرجين آخرين وكيف نظر الناس إلى تلك الأفلام، كما سننظر في النهاية لحقيقة ما يفعله هذا المخرج.

كلاب المستودع
تعرّض فيلم تارانتينو الأول كلاب المستودع، لتدقيق شديد بعد أن اتهمه ناقد بتهمة انتحال فيلم "مدينة تحترق" (City on Fire) عام 1987 في هونغ كونغ، بسبب تطابق الدقائق العشرين الأخيرة من الفيلمين، والتشابه بين الكثير من اللقطات والمشاهد، ولكن اكتشفوا فيما بعد أن "مدينة تحترق" سرقتها أيضا من فيلم "الطيب، والشرس، والقبيح" (good, bad, and the ugly).

خيال رخيص
يشير عنوان الفيلم إلى نوع من الروايات القديمة الشائعة في الخمسينيات، غالبا ما تجد هذه القصص تكرر نفسها في القصص والمؤامرات مرارا وتكرارا، يعاد سردها من قِبل مؤلفين مختلفين بطرق مختلفة، أما الفيلم نفسه فمأخوذ من العديد والعديد من المسلسلات التلفزيونية، والكتب، والأفلام مثل فيلم "كاري" 1976، وفيلم "فرقة الغرباء" Band of Outsiders) 1964)، وفيلم "باتمان" 1966، وغيرها.

لماذا يسرق تارانتينو؟
لم تبدأ مسيرة تارانتينو في دراسة السينما أو حتى بين مجموعة مهتمة بالأفلام، ولكن في محل بيع شرائط الفيديو الذي كان بمثابة "مدرسة أفلامه" والذي شكل فلسفاته السينمائية، مما يجعل من الطبيعي أن يصبح التقليد المصدر الرئيسي للإلهام. 

عمل تارانتينو مع المنتج لورانس بندر، وتمكن من الحصول على تمويل لأول ظهور له مخرجا وكاتب سيناريو في فيلم "كلاب المستودع"، وعلق الممثل هارفي كيتل عندما قرأ السيناريو، قائلا "لم أر شخصيات مثل هذه منذ سنوات".

ساعد الفيلم تارانتينو ليكون واحدا من أكثر الشخصيات التي نتحدث عنها اليوم في هوليود، وعلى الرغم من أنه لم يكن نجاحا كبيرا في الولايات المتحدة، فإنه أصبح عنوانا شهيرا وحقق أداء جيدا في الخارج. 

شكلت جميع أفلام تارانتينو نجاحا كبيرا على الصعيدين النقدي والتجاري، وحاز على العشرات من الجوائز، منها جائزتا أوسكار، وجائزتا غولدن غلوب، وجائزتا بافتا وجائزة السعفة الذهبية، وترشح أيضا لجائزتي غرامي وإيمي.

سرقة أم انتقاء؟
الطريقة التي يستخدمها تارانتينو في أفلامه تسمى "إعادة استخدام" أو "تقليد عمل آخر" (Visual homage)، كما يطلق على الأسلوب الذي يستخدمه في بعض أفلامه "المعارضة الأدبية" أو (Pastiche).

يعتبر تكنيك (تقنية) "تقليد عمل آخر" إشادة فعلية بالعمل المأخوذ منه وتكريما له، وتعد طريقة رائعة لاستخدام أسلوب ومحتوى صانعي الأفلام الآخرين باعتبارها وسيلة لبلورة صوت صانع أفلام فريد.

أما تقنية "المعارضة الأدبية" (Pastiche) فهي عمل من الفنون البصرية أو الأدب أو المسرح أو الموسيقى التي تحاكي أسلوب أو شخصية عمل فنان آخر أو أكثر، على عكس المحاكاة الساخرة، وهنا يحتفل الفنان بالعمل الذي يقلده على أنه مثال الانتقائية في الفن.

وليس تارانتينو فقط الذي يستخدم هذه الطرق أو كما يسميها هو يسرق من الأفلام الأخرى، بل هناك العديد من الأفلام المعروفة التي استخدمت هذه الطرق ولكن لم تتحدث عن ذلك بشفافية، مثل فيلم "لا لا لاند".

وإذا ألقيت نظرة على معظم سيناريوهات تارانتينو، التي تبدأ بقائمة من المخرجين الذين استلهم القصص منهم، فستجد أن السبب الذي يجعل تارانتينو فخورا للغاية بالاعتراف بأنه يسرق هو أنه أنجز شيئا ما لا يستطيع أي مخرج سينمائي آخر القيام به، إنه إنشاء شيء جديد.

وعلى الرغم من التناقض الذي قد يبدو عليه الأمر، فإن أفلام تارانتينو تشعر الناس بالأصالة، على الرغم من مصادر إلهامها الكثيرة، وهذا هو السبب في أن الكثير يرحب بتارانتينو باعتباره واحدا من صانعي الأفلام المثالية لما بعد الحداثة، حيث لا يوجد شيء جديد في الفن، فكل شيء يتم إعادة تدويره وإعادة استخدامه مرارا وتكرارا.

المصدر : الجزيرة