"أبو ضحكة جنان".. إسماعيل يس الذي أضحكنا جميعا ومات وحيدا

إسماعيل يس
يمر هذا الشهر 107 أعوام على ميلاد الفنان المصري إسماعيل يس (مواقع التواصل)

حسام فهمي 

"اضحك يضحك العالم معك، ابك وستبكي وحيداً"، هذه الكلمات من قصيدة "وحدة" للشاعرة الأميركية إيلا ويلر ويلكوكس، وهي أفضل ما يمكننا أن نصف به حياة الممثل الكوميدي والمونولوجست المصري الكبير إسماعيل يس. 

يمر هذا الشهر 107 أعوام على ميلاد إسماعيل يس، ولكنه يمر في صمت شبه تام من الجميع، كأن هذا الرجل الذي صنع ما يزيد على 166 فيلماً، والذي يمثل أحد أعمدة السينما المصرية في الخمسينيات؛ لم يكن موجوداً. 

حياة متقلبة؛ بدأت بمعاناة، ثم مرت بمرحلة نجاح ساحق، ثم انتهت عقب ذلك بشكل حزين ووحيد للغاية، هذا ما نحاول كشف الستار عنه اليوم، في حكاية حلوة ومرة في آن واحد، هي حكاية الممثل الذي اعتاد المصريون على تسميته "أبو ضحكة جنان". 

المونولوجست صاحب السعادة
إسماعيل يس هو أحد أبناء مدينة السويس، المدينة الباسلة كما يسميها المصريون، وهي تسمية يشهد بها تاريخ المدينة التي دافعت عن مصر في حروبها، ثم ثارت ضد مستبديها. 

سافر الشاب إسماعيل يس من السويس للبحث ككل أبناء الأقاليم عن فرصة في القاهرة، حاول احتراف الغناء كما يعرف الجميع، لكنه لم يحظ بالفرصة، فاتجه للعمل "مونولوجست" في الفترة بين عامي 1935 و1945، وقدّم خلالها عددا كبيرا من المونولوجات التي تبدو كوميدية إذا نظرنا لها من على السطح، لكنها في العمق تحمل العديد من الأسئلة عن الحياة، والكثير من الشجن أيضا.

سينما إسماعيل يس
عقب ذلك، وبمساعدة الممثل والمنتج أنور وجدي؛ وجد إسماعيل يس طريقه إلى السينما، ليبدأ في أدوار هامشية صغيرة، وليصل في سنوات معدودة للبطولة المطلقة. 

جاءت البطولة المطلقة بشكلها الأبرز نتيجة اجتماع ثلاثي الكوميديا في الخمسينيات، ونقصد هنا بالطبع -وإلى جانب إسماعيل يس- كلا من أبو السعود الإبياري وفطين عبد الوهاب. 

صنع هذا الثلاثي ما يمكننا وصفه بسينما إسماعيل يس، السينما التي خلقت شخصية إسماعيل يس السينمائية التي اجتذبت الجمهور في أفلام متلاحقة، حملت جميعها اسم إسماعيل يس، بمعدل وصل في بعض السنوات لـ16 فيلما في السنة، وهو معدل لم يكرره أي بطل أو بطلة مصرية، ويبدو من الأمن أيضا أن نراهن بأنه من الصعب جدا تحقيقه عالميا. 

إذا تأملنا قليلا هذه الأفلام؛ سنجد أنها شبيهة بمغامرات "متصلة منفصلة"، يقوم ببطولتها جميعا رجل طيب القلب، يملك حس الفكاهة، يملك من الشجاعة ما يدفعه لمواجهة الشر دائما، حتى ولو لم يملك في مواجهته قوة جسدية أو مادية. 

هذا الرجل العادي جدا يحارب في الكثير من هذه الأفلام في سبيل الفتاة التي يحبها، أو في سبيل إنقاذ حياته وحياة من معه، وربما لهذا السبب بالذات ظلت أفلام إسماعيل يس محبوبة حتى اليوم، هي تشبه قصص الأطفال المصورة، الذي ينتصر فيها الخير على الشر دائما. 

على جانب آخر، لا يفوتنا نقد عدم مبادرة أي من كتاب هذا الجيل لتقديم قصة تستفز قدرات إسماعيل يس التمثيلية خارج هذا الإطار الذي تم حصره فيه، اللهم إلا فيلم "الآنسة حنفي" مع فطين عبد الوهاب أيضا، وهو الفيلم الذي شاهدنا فيه معالجة حداثية سبقت عصرها وبشكل كوميدي في مناقشة قضية تغيير الجنس وأثرها على العلاقة المجتمعية بين الرجال والنساء.

الدولة والضرائب والهموم
في منتصف الستينيات، تغير الوضع بالكامل بالنسبة لإسماعيل يس، شيئا فشيئا بدأ الجمهور والمنتجون الإنصراف عنه، وقلت أفلامه تدريجيا حتى توقفت تماما، يختلف السبب وراء ذلك طبقاً لمصادر عديدة؛ فالبعض يرجع ذلك إلى صعود جيل جديد من المضحكين في مقدمتهم فؤاد المهندس وعبد المنعم مدبولي. 

أما آخرون فيرجعون هذا إلى تحكم الدولة في إنتاج الأعمال الفنية، ورغبتها في فرض أجندتها الاشتراكية في فترة عبد الناصر، ويستند هذا السبب بشكل كبير إلى عدة شكاوى تقدم بها إسماعيل يس للمسؤولين في ذلك الوقت نتيجة استبعاده من إنتاجات القطاع العام، في الوقت الذي سيطرت فيه الدولة على الأستديوهات والمسارح الخاصة.

ومن ضمن هذه الشكاوى ما تحدث عنه الناقد طارق الشناوي في مقاله على موقع "المصري اليوم" في أغسطس/آب 2018، حيث أكد فيه وجود خطاب مكتوب بخط يد إسماعيل يس، موجه منه إلى وزير الثقافة في منتصف الستينيات بدر الدين أبو غازي، يشكو فيه إسماعيل يس من تجاهل القطاع العام له على مستوى السينما والمسرح، رغم تاريخه الكبير وكل ما قدمه للفن المصري.

في كل الأحوال اجتمع كل هذا مع همّ الضرائب التي لم يصل لها أي تنبيه من السلطة في مصر بتقدير قيمة يس، أو حتى التساهل معه، مثلما كان وما زال يحدث مع كافة فناني ومشاهير مصر. هاجمت الضرائب يس وبشراسة حتى حجزت على معظم أملاكه، ولم تترك له سوى شقة واحدة جيدة المستوى يعيش فيها هو وأسرته.

نهاية بطعم المثلجات
وفي إحدى ليالي مايو/أيار 1972 الحارة، وبينما إسماعيل يس في جولة مسائية مع أسرته التي ظلت بجانبه بعد أن انصرف عنه الكل، شعر الرجل بغصة في قلبه، غصة يعرفها كل مرضى القلب، ثقل كأنه حجر جاثم على الصدر، تفشل معه كل المحاولات لالتقاط الأنفاس. 

ذهبت الغصة بعد دقائق، لكن إسماعيل يس علم أنها ستأتي مرة أخرى، وهكذا طلب من أسرته أن يصطحبهم لأكل المثلجات، ربما للمرة الأخيرة، ليجتمعوا على ضحكة وبهجة، حتى في أصعب اللحظات، وليرحل إسماعيل يس في بيته ووسط أسرته، محاطاً بالحب حتى لو تخلى عنه المجتمع الفني المصري في آخر أيامه، حب ما زال يكنه الملايين من الجماهير له حتى اليوم.

المصدر : الجزيرة