بعد مرور ربع قرن.. أين هوية مصر التي بحث عنها "أرابيسك"؟

الفنان صلاح السعدنى مع عمرو محمد علي فى مشهد من مسلسل "ارابيسك"
الفنان صلاح السعدني مع الممثل عمرو محمد علي في مشهد من مسلسل "أرابيسك" (مواقع التواصل)

فاطمة نبيل-القاهرة

يصنف مسلسل "أرابيسك" الذي عرض التلفزيون المصري أولى حلقاته في 11 فبراير/شباط 1994 درة إنتاج مؤلفه أسامة أنور عكاشة (1941-2010)، وأن كل ما جاء بعده في مسيرة الرجل كان أقل جودة.

في تلك الفترة من النصف الأول من التسعينيات كان التلفزيون المصري لم يزل يحتفظ بتفرده، وكان المسلسل الذي يختاره التلفزيون للعرض -خاصة الرمضاني منه- يصبح هو محرك اتجاه الرأي العام في مصر.

من هنا تأتي أهمية "أرابيسك" إذا ما تم النظر له في سياق فترة عرضه، وفي سياق مسيرة المؤلف التلفزيوني الأشهر والأكثر شعبية، فمن خلال "أرابيسك" يناقش عكاشة مسألة هوية مصر الأصلية، وهو أمر طالما شغله منذ أعماله الأولى.

في عام 1978 قدم عكاشة ومعه مخرجه المفضل في تلك الفترة فخر الدين صلاح مسلسل "المشربية" الذي يناقش أزمة "عباس الحلو" الفنان الفطري الذي يعيش في درب السنجق، ويعاني من عدم التوافق مع المتغيرات الجديدة في المجتمع، بالتزامن مع مجموعة أتت إلى الدرب الفقير للبحث عن كنز أثري مفقود، وحتى تحصل عليه يجب هدم البيت الذي يسكنه هذا الفنان.

هذه الرؤية الأولية سوف تتبلور لاحقا إلى أخرى أكثر رسوخا في "أرابيسك"، حيث حسن فتح الله النعماني فنان الأرابيسك وبطل حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 الذي يعاني كساد صناعته وعدم رواج فنه وسط فساد الذوق العام مطلع التسعينيات، حيث تدور أحداث المسلسل.

خليط من الحضارات
يبدو حسن للآخرين مخرفا يحيا خارج التاريخ، فهو ما زال متمسكا بأفكار قديمة عن صنعة الجدود كما يدعي، في حين هو في الحقيقة يفقد عمره كل يوم في جلسات المخدرات، حتى يأتي خلاص حسن على يد عالم الطبيعة النووية "برهان صدقي" الذي فر بعلمه إلى مصر من مهجره بأميركا راغبا في أن يفيد أهل بلده بما تعلمه، وتجمعه الصدفة بحسن من أجل أن ينفذ له الأخير قاعة شرقية في بيته الذي يحلم وزوجته أن يصبح كل ركن فيه رمزا لجزء من حضارات مصر المختلفة سواء الفرعونية أو الإسلامية أو القبطية أو الرومانية.

لكن حسن يرفض أن يصبح البيت خليطا غير متجانس من حضارات مختلفة، ويقول "يجب أن يحدد المصريون أولا من هم حتى يستطيعوا التعامل مع العالم، هل مصر فرعونية أم عربية إسلامية أم أفريقية أم هي جزء البحر المتوسط؟".

وحسن النعماني عند أسامة أنور عكاشة هو نموذج البطل المصري، فهو ليس مثاليا، بل يحمل كل خطايا المرحلة، لكنه صاحب بذرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، انتصر في حرب 1973 وخرج من الحرب ليجد أن ثمار انتصاره يتمتع بها غيره، وصناعته القديمة لم تعد تلاقي رواجا وكذلك أفكاره.

الإجابة الأخيرة
هذا الفنان يرى أن الهدم هو أساس البناء، وأن الجمع بين الفرعوني والعربي والأفريقي والروماني في مكان واحد لا يجوز.

حسن وإن كان يرى أن الحياة عبارة عن قطعة أرابيسك تتداخل فيها الأشكال المختلفة معا لتشكل لحنا واحدا متناغما لكنه ينحاز دوما لما تربى عليه في حي خان دوادار من قيم العروبة والأخوة والجار الذي تجده قبل أن تحتاجه.

أما عكاشة فيورد رأيه الذاتي في تلك الإشكالية على لسان "وفائي" الفنان اليساري العجوز الذي يصف مصر بأنها "كانت معدة كبيرة لا تطرد أي ثقافة دخيلة، بل على العكس تأخذها وتفرز لها عصارة تهضمها وإنزيمات تحولها لجزء من نفس نسيجها".

إذا كان مسلسل "أرابيسك" قد حسم إجابة سؤال الهوية قبل 25 عاما عندما قرر حسن أن يهدم البيت ليبنيه كاملا على طراز الأرابيسك أي أن تكون مصر عربية إسلامية فإن هذا لم يمنع السؤال ذاته من التجدد مؤخرا في السنوات التي تلت ثورات الربيع العربي وخلع مبارك من حكم استمر ثلاثين عاما.

هذه السنوات شهدت أسئلة دامية عن الهوية المصرية لم تصل بالطبع إلى إجابة واضحة وربما لن تصل إلى شيء، لأن الخطأ ليس في الإجابة وإنما في السؤال الذي اعتبر الهوية شيئا ماديا يمكن دوما وزنه وقياسه.

المصدر : الجزيرة