عطاشى تونس.. وثائقي يفضح زيف العدالة الاجتماعية

مجدي السعيدي - مشهد من تصوير الفيلم في منطقة جومين بمحافظة بنزرت (شمال) لعائلة محرومة من الماء (صورة وفرها لي فريق الإنتاج - "عطاشى تونس": فيلم ينفض الغبار عن حرمان تونسيين من كرامة الحياة
"عطاشى تونس" هو صورة مصغرة من معاناة السعي وراء الماء (الجزيرة)

مجدي السعيدي-تونس 

تضع الخالة حبيبة وعاء بلاستيكيا كبيرا على ظهرها، ثم تتوجه نحو عين بعيدة عن مسكنها لتملأه بـالماء، لا تلبث أن ترد العين حتى تلتحق بها عشرات النسوة يتدافعن لنيل نصيبهن من الماء في قرية "توجان" النائية بمحافظة قابس التونسية (جنوب شرق).

تبدو رحلة البحث عن الماء صراعا يوميا لا حد له بالنسبة إلى حبيبة وسائر نساء القرية، ويبدو ذلك المشهد الأول من الفيلم الوثائقي "عطاشى تونس" للمخرج رضا التليلي صورة مصغرة من معاناة السعي الدؤوب والشاق لملايين التونسيين وراء الماء. 

نفض الغبار
لم يكن الفيلم الذي انطلقت أولى عروضه في العاصمة تونس منتصف شهر يناير/كانون الثاني الماضي، فقط محاولة لكشف معاناة فئة من المواطنين في اللهث وراء الحصول على الماء، بل شكل أيضا عملا فنيا نفض الغبار عن سعي متواصل نحو الحق في الحياة الكريمة.

يقول التليلي "أنجزت هذا الفيلم في محاولة لتحريك المياه الراكدة، إنه يسعى لإيقاظ ضمير المجتمع والدولة التي أخلت بنقطة هامة من الدستور التونسي وهي حق التونسيين في الماء، هناك اختلال واضح في توزيع الثروة". 

ويضيف "فكرة الفيلم انطلقت من بحث حول الماء، الثروة الحياتية التي يشقى عدد من التونسيين من أجل الحصول عليها، توصلت خلال البحث إلى أن أكثر من 150 مظاهرة احتجاجية في البلاد خلال العام 2018 كان موضوعها المطالبة بالحق في الماء، هناك مناطق محرومة تماما من هذه الثروة رغم وجودها قرب السدود". 

‪مخرج فيلم
‪مخرج فيلم "عطاشى تونس"‬ (الجزيرة)

الهوة العميقة
أراد التليلي من خلال جدلية انعدام الماء ومشقة الحياة أن يعرّي جوانب مسكوتا عنها بشأن قضية الاختلال الشديد في توزيع الثروات بين الجهات في البلاد، حيث تبلغ نسبة الربط بشبكة التطهير الصحي في العاصمة تونس وضواحيها 90% من السكان، في حين لا تتجاوز النسبة في مدينة "سيدي علي بن عون" بمحافظة سيدي بوزيد 19%، وهو مؤشر على الهوة العميقة في العدالة الاجتماعية، بحسب المخرج.

وزار فريق الإنتاج 15 قرية في ربوع تونس، من بينها توجان في الجنوب، ونفطة وسيدي بوزيد والرديف وتطاوين والقيروان وسوسة والقصرين ونابل وبنزت وزغوان ومناطق من العاصمة تونس مثل "الجديدة".

ويسلط "عطاشى تونس" الضوء أيضا على الأمراض والأوبئة التي تسبب فيها تلوث المياه مثل التهاب الكبد الفيروسي وأمراض الكلى وغيرها. 

ويقول التليلي "من المفروض أن توفر الدولة حق الماء للمواطن مثلما عليها أن تعدل اجتماعيا بين الجهات، ولكننا اكتشفنا عبر مختلف مراحل التصوير زيف العدالة وكرامة العيش في عديد الجهات، إذ يعيش نحو 52 ألف تونسي العطش الدائم، في حين يضطر مئات الآلاف إلى التزود بالمياه من أودية تمر بها الدواب لترتوي منها، مما يسبب أمراضا للسكان".

ويعد "عطاشى تونس" الفيلم الوثائقي الخامس للمخرج رضا التليلي بعد "ثورة غير درج" في 2011 و"جهة" 2011 و"المراقبة والعقاب" 2014 و"تنسى كأنك لم تكن" 2017، وهي أفلام قال عنها صاحبها إنها تجتمع حول تصوير معاناة الشباب وكشف الهوة العميقة في توزيع الثروة وتسلط الضوء على ظواهر مسكوت عنها.

المصدر : الجزيرة