عقوبات وإجراءات تعسفية متراكمة.. لماذا يستهدف الاحتلال المقدسي ناصر الهدمي؟

ناصر الهدمي يجلس بجوار مجموعة من الأوامر التعسفية التي صدرت بحقه خلال الـ25 عاما الماضية (الجزيرة)

القدس المحتلة- في منزله بحي الصوانة في القدس تتكدس أوامر العقوبات التعسفية التي بدأ رئيس "الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد" ناصر الهدمي، بتسلمها قسرا منذ عام 1997 حتى يومنا هذا.

باكورة الملاحقات كانت بانتهاك الاحتلال حقه في العيش بحرية فاعتقله عام 1993، وفور تحرره سلمه أول أمر بمنعه من السفر، ثم توالت العقوبات وتشعبت، فتارة يُبعد الهدمي عن مكان عمله أو عن المسجد الأقصى والبلدة القديمة، وتارة يسلّم أمرا جديدا بمنعه من السفر أو من التواصل مع شخصيات معينة.

العقوبة الأقسى التي يخضع لها منذ عامين ويتم تجديدها كل ستة شهور، وللمرة الخامسة مؤخرا هي تقييد الحركة ومنعه من الوصول لأي حي داخل شرقي القدس بما فيها البلدة القديمة والمسجد الأقصى، باستثناء حي الصوانة الذي يقطنه، بادعاء أنه ناشط كبير في القدس "ويشكّل خطرا على أمن المدينة والمنطقة"، حسب ما ورد في قرارات تقييد حركته.

ويرد الهدمي رد على القرار الأخير بتقديم اعتراض، ويقول للجزيرة نت إن هذه الادعاءات باطلة وخالية من الأدلة.

قرار عسكري بتقييد حركة رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر الهدمي (الجزيرة)

ثمن الرباط باهظ

ولد ناصر الهدمي في القدس عام 1969 وترعرع فيها وحمل همها مبكرا، إذ كان يبلغ من العمر 13 عاما عندما شُنّ اعتداء مسلح داخل المسجد الأقصى في ما عرفت بـ"مجزرة الأحد" عام 1982 والتي أدت إلى استشهاد فلسطينيين اثنين وإصابة 60 آخرين.

وشكل هذا الاعتداء بالإضافة إلى اندلاع الانتفاضة الأولى لاحقا العنصرين الأساسيين في تكوين وترسيخ الاهتمام بالقضية والهوية الوطنية لدى الهدمي. وكان يعلم أنه سيدفع ثمن المواقف الثابتة تجاه القدس والمسجد الأقصى باهظا، فلم تكن مسيرته الجامعية سهلة، بل متعثرة ومتقطعة نتيجة الملاحقات والاستدعاءات والاعتقالات، لكنه تمكن من التخرج من جامعة بيرزيت عام 1997 بتخصص إدارة الأعمال.

وبعد سنوات، حاز الهدمي على شهادة الماجستير بتخصص "دراسات مقدسية" من جامعة القدس. لكن حلمه بالحصول على شهادة الدكتوراه يتبدد مع استمرار فرض عقوبة المنع من السفر عليه للعام الخامس على التوالي.

يقول "قد تراوغ سلطات الاحتلال وتسمح لي بالسفر بهدف التعليم، لكنني أخشى من منعي من دخول القدس بعد إنهاء الدراسة، وهذا ما لا يمكنني تحمله رغم قسوة الرضوخ للعقوبات المختلفة هنا".

يصر الهدمي على الرباط في القدس، ويذكر أنه عندما توجه إلى مركز التحقيق في إحدى المرات لاستلام قرار جديد بمنع السفر برفقة شاب مقدسي تسلم القرار ذاته، قال لهذا الشاب أمام ضابط المخابرات "خلينا نظل مرابطين في الديار المقدسة"، فرد عليه الضابط حاقدا "لكن الهواء الذي قد تستنشقه في المطار له نكهة مختلفة، خاصة عندما تصل المدرج وتشاهد إقلاع وهبوط الطائرات".

لم يكترث الهدمي بما قاله الضابط، ورد عليه قائلا "ما دام السفر جميلا إلى هذا الحد فلماذا لا تسافرون وتغادرون هذه البلاد؟ نحن سعيدون بالبقاء هنا".

لا يفوّت الاحتلال أية فرصة للتنغيص على ناصر الهدمي وأسرته، خاصة منذ تأسيسه الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد عام 2009 والتي اعتقل على إثر تأسيسها بادعاء تلقيها دعما من جهة "غير قانونية". وبعد تحرره أصر الهدمي على إكمال طريقه رغم انسحاب كافة أعضاء الهيئة وبقائه وحيدا فيها حتى الآن.

يعمل بشكل تطوعي في إطار مراقبة السياسات الإسرائيلية في القدس ودراسة تأثيرها على مستقبل المدينة وسكانها من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والديمغرافية.

الهدمي ينظر إلى خريطة إسرائيلية تقيد حركته وتحدد له مسار الخروج من منزله بحي الصوانة (الجزيرة)

سجن كبير

لا يروق هذا العمل التطوعي للاحتلال الذي يستهدف هذا المقدسي بسلسلة من الملاحقات اليومية حتى حوّل الحي الذي يقطنه إلى سجن كبير لا يمكنه الخروج منه إلا باتباع خريطة حددت مسارها مخابرات الاحتلال.

وبشأن تأثير تقييد الحركة وتفاصيلها، يقول الهدمي "انقلبت حياتي رأسا على عقب منذ منعي من دخول كافة أحياء شرقي القدس، فلم يعد بإمكاني التبضع من البقالة التي اعتدت التسوق منها ولا الوصول إلى البريد والبنك والطبيب والمسجد الأقصى ومحلي التجاري قرب باب الساهرة، وهذا عقّد حياتي بشكل كبير".

وسبق أن أبلغت المخابرات الإسرائيلية الهدمي بأن تجديد قرار تقييد حركته يأتي باعتباره "شخصية قيادية في حركة حماس"، بالإضافة إلى تمديد قرار منعه من التواصل مع شخصيات معينة.

"تم منعي سابقا من التواصل مع 7 شخصيات، والمضحك في الأمر أن بعض الأسماء لا أعرفها ولا يوجد بيني وبينها أي تواصل، كل هذه التضييقات تدل على إفلاس الاحتلال واستنفاده كافة الأدوات التي استخدمها ولا يزال، في محاولة لدفعي لمغادرة مدينة القدس طوعا، وهذا ما لا يمكن أن يتحقق يوما".

غادرنا منزل هذا الرجل، لكن ليس قبل أن يفصح للجزيرة نت عن تفاصيل الملاحقة المالية التي تعرض لها منذ ما يزيد عن 15 عاما ودفع مقابلها مليون شيكل ضرائب ومخالفات (نحو 310 آلاف دولار)، لكنه رغم ذلك يصر على إكمال مسيرة الرباط في العاصمة المحتلة.

المصدر : الجزيرة