في اليوم العالمي للقضاء على التمييز العنصري.. لذلك لا يزال المقدسيون بعيدين عن الاحتفال به

في الوقت الذي يحتفل فيه العالم بالقضاء على التمييز العنصري لا يزال المقدسيون يعانون بشكل يومي من سياسات التمييز التي يمارسها الاحتلال بحقهم في مختلف أوجه الحياة

أم كامل الكرد بعد هدم ومصادرة الخيمة التي نصبتها أمام منزلها في حي الشيخ جراح (الجزيرة)

رغم مرور 13 عاما على واحدة من أكثر قصص العنصرية في القدس إيلاما فإن بطلتها ما زالت ترفض ما آلت إليه حياتها بعد إخلائها من منزلها بالقوة وإحلال المستوطنين مكانها في حي الشيخ جراح بالقدس.

فوزية المعروفة باسم "أم كامل الكرد" لا تمل من سرد حكايتها لكل طارق لبابها، وعندما علمت أن المقابلة ستنشر بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على التمييز العنصري عرضت للجزيرة نت أرشيفا ضخما حرصت على تجميعه خلال رحلة ألمها التي كان ترحيلها من منزلها أقسى فصولها.

طلبت أم كامل أن يكون اللقاء في رحاب المسجد الأقصى المبارك، واستهلته بقولها إن المرأة المقدسية تتعرض لممارسات عنصرية يومية في المدينة، وإن "الاحتلال يقمع النساء ويسعى لتجهيلهن وتطويعهن بكافة الوسائل لأنهن يقفن في صف الدفاع الأول عن القدس والمقدسات".

أما عن مشوارها الشائك مع المستوطنين والمحاكم فقالت إنه بدأ عام 1999 عندما توجهت إلى البلدية لتطلب إضافة بناء لمنزلها وسُمح لها بذلك، لتتفاجأ بعد أشهر بتسليمها ورقة لحضور محكمة انتهت بقول القاضي لزوجها وأبنائها "تفاهموا مع المستوطنين".

كان وقع هذه الجملة على العائلة كالصاعقة، ولم تكن أم كامل تعلم أن استقرارها في منزلها سيتزعزع فورا إذ أغلق البناء المضاف حديثا لمدة 4 أعوام متتالية، وخلال غيابها عن منزلها لزيارة الطبيب دخل المستوطنون واحتلوه وبات الغرباء جيرانها.

أم كامل الكرد أمام خيمتها التي نصبتها مقابل منزلها في حي الشيخ جراح بعد إخلائها (الجزيرة)

نفيتُ وسكن الغرباء مملكتي

وتقول "هل هناك أبشع من هذا الإجراء العنصري؟ أُبعد أبنائي عن حي الشيخ جراح بقرار احتلالي، وشاركني المستوطنون نصف منزلي بادعاء أنهم يملكون الأرض".

قارعت أم كامل وزوجها المسن المستوطنين لمدة 5 أعوام، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2008 طوقت قوة كبيرة من الجنود والقوات الخاصة والمخابرات الحي بأكمله، وكبلت أم كامل وألقتها في الشارع.

وعن ذلك اليوم تقول "كنت أعيش هادئة مطمئنة في مملكتي، ولا يمكنني وصف الألم والرعب الذي عشته في ذلك اليوم الذي أنزلوني به عن عرش مملكتي بالقوة".

رفضت أم كامل هذا الإجراء العنصري، وعاشت بجوار منزلها في خيمة لمدة عام، وما زالت تواظب على زيارة منزلها 3 مرات أسبوعيا، وترفض فكرة تخليها عن المكان الذي احتضنها وأسرتها على مدار 4 عقود.

المقدسي أحمد حجازي خلال هدم منزله في حي عين اللوزة ببلدة سلوان (الجزيرة)

رحلة الألم ذاتها

يتشارك المقدسي أحمد حجازي مع أم كامل في رحلة الألم وإن اختلفت تفاصيلها، فهو أحدث من عصف بهم الإجراء العنصري المتمثل بالهدم الذاتي لمنزله في بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى.

وقبل أيام، وقف حجازي متفرجا على الجرافة التي دمرت منزله، وأُجبر على دفع تكاليف عملها تجنبا لهدم المنزل بآليات البلدية التي تكلفه ثمنا باهظا.

ويقول حجازي للجزيرة نت "حاولت كل ما بوسعي لحماية منزلي من الهدم، وسعيت لاستصدار التراخيص، ودفعت لتأجيل الهدم مبالغ طائلة للبلدية كمخالفات، لكن لمن أشكو إذا كان غريمي القاضي؟".

دمر المنزل الذي كان يؤوي 14 فردا من أسرته، وما زال تائها لا يعرف كيف سيكون مصيرهم في المستقبل القريب، لكن حجازي يقول "أفتخر أنني تحملت كل هذه الأعباء المادية والنفسية في سبيل البقاء في القدس والرباط بها، ولن أرحل منها مهما كلفني ذلك".

ويختم حجازي حديثه بالقول إن "العقارات التي استولى عليها المستوطنون في سلوان -سواء المسربة أو تلك التي أخليت بالقوة بحجج مختلفة- جميعها غير مرخصة، وها هم يعيشون فيها وتدعمهم الحكومة الإسرائيلية ولا تخليهم منها، بل تجري الترميمات والتوسيعات لها، ونحن أصحاب الحق والأرض نجبر على هدم منازلنا بأيدينا، هذا هو التمييز العنصري بعينه".

المحامي زبارقة: الاحتلال يمارس التمييز العنصري ضد المقدسيين باسم القانون (الجزيرة)

التمييز العنصري بالقانون

بدوره، يقول المحامي المختص في قضايا القدس خالد زبارقة إن "السلطات الإسرائيلية تمارس التمييز العنصري والتطهير العرقي ضد المقدسيين باسم القانون، وإن الصلاحيات الموكلة للجهات القضائية والأمنية -التي يفترض أن تطبقها بشكل نزيه ومحايد وموضوعي- يتم استخدامها على أساس قومي".

ويتطرق زبارقة إلى بعض أوجه التمييز العنصري في المدينة كقانون "التخطيط والبناء" الذي يطبق بمعايير مختلفة بين اليهود والمقدسيين، إذ تستعمل السلطات الإسرائيلية البنود التي تتعلق بالهدم في شرقي المدينة، فيما تتيح البناء وتصدر التراخيص بكل سهولة في الشطر الغربي منها.

وليس بعيدا عن ذلك، يشير زبارقة إلى أن إسرائيل سيطرت بموجب قانون "الحدائق الوطنية" على كل الأراضي الفارغة التي تحيط بالبلدة القديمة، وأصبحت بموجب هذا القانون حارات عربية وبيوت كثيرة خاضعة للهدم لأنها تتعارض معه.

وفي إطار القانون الجنائي، يوضح زبارقة أنه عندما يقع اعتداء من اليهود على المقدسيين ويدافعون عن أنفسهم من الاعتداء يتم اعتقال المقدسيين وعدم محاسبة اليهود، ورغم توفر الأدلة في معظم الحالات من توثيق لكاميرات مراقبة وغيرها فإن السلطات الإسرائيلية لا تلاحق المجرمين ولا تحاسبهم، ولو كان الأمر بالعكس لتم اعتقال المقدسي وتقديم لائحة اتهام ضده في أفضل الأحوال إن لم يكن الرد فوريا بقتله بدم بارد.

قانون "العودة" قانون آخر يكرس العنصرية وفقا لزبارقة، ويحق بموجبه لكل يهودي في أي مكان بالعالم العودة لإسرائيل والحصول على الجنسية الإسرائيلية وكافة الامتيازات، فيما يحرم الفلسطيني -الذي ولد في هذه الأرض وهجر منها بالقوة في النكبة والنكسة أو غادر القدس بهدف الدراسة في الخارج- من هويته الزرقاء، وبالتالي من حق إقامته في مدينة القدس.

ويختم زبارقة حديثه للجزيرة نت بالتطرق إلى الإجراءات التعسفية المتبعة في المسجد الأقصى وخلق بيئة طاردة للمسلمين في المسجد بالوجود المكثف للشرطة الإسرائيلية على الأبواب وداخل الأروقة والساحات، وفرض اقتحام يهودي ديني بقوة السلاح.

ارتفاع وتيرة هدم منازل الفلسطينيين في القدس المحتلة
ارتفعت وتيرة هدم منازل المقدسيين في السنوات الأخيرة ضمن سياسة تعزيز الاستيطان في القدس (الجزيرة)

التمييز العنصري بالأرقام

ووفقا لبيانات صدرت عن عدة مؤسسات حقوقية في القدس عام 2017، فإن 78.4% من مخالفات البناء حدثت في غربي القدس، خضع 27% منها لأوامر هدم، فيما 21.5% من مخالفات البناء حدثت في شرقي المدينة، وخضع 84% منها لأوامر هدم.

وتمنح البلدية 93% من رخص البناء لليهود و7% فقط للفلسطينيين في المدينة، وبينما يعيش 210 آلاف مستوطن في 15 مستوطنة غير شرعية في القدس يعاني المقدسيون من نقص في الوحدات السكنية بنحو 43 ألف وحدة، وهناك 60 ألفا منهم معرضون لخطر هدم منازلهم.

وتأتي هذه المعطيات بعد مرور 5 عقود ونصف على بدء احتفال العالم بتاريخ 21 آذار/مارس من كل عام باليوم العالمي للقضاء على التمييز العنصري الذي أعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1966.

المصدر : الجزيرة