السرطان.. ابتلاء و"نعمة" لآلاف الفلسطينيين

5-أسيل جندي، الطفلة أفنان وأمها زينب التي ترافقها في رحلتها العلاجية (الجزيرة نت)
أفنان وأمها التي ترافقها في رحلتها العلاجية بالقدس المحتلة (الجزيرة نت)

أسيل جندي-القدس المحتلة

"يكفيني أن مرض السرطان هو الهدية التي منحني إياها الله لأتمكن من رؤية القدس وزيارة المسجد الأقصى الذي لطالما حلمت بزيارته".

هكذا عبرت الشابة الغزية فداء السحيلي (28 عاما) عن فرحتها بالوصول لمدينة القدس للمرة الأولى في حياتها، وإن كان ضمن رحلة علاجية من مرض السرطان.

وتم تشخيص مرض فداء به خلال أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، وحُولت لمستشفى المطلع شرقي القدس لتلقي العلاج الإشعاعي على أن تخضع للعلاج الكيميائي لاحقا.

فداء التي تركت طفليها مع زوجها في غزة واتجهت للمدينة المحتلة لتلقي العلاج، قالت إنها لم تغادر القطاع منذ ولادتها، وإن الوصول لحاجز إيريز العسكري ورؤية ما خلفه معجزة تحققت بعد إصابتها بالسرطان، إذ يمنع الاحتلال سكان الضفة الغربية والقطاع من الدخول للقدس إلا في حال أصيبوا بأمراض لا يتوفر علاجها سوى بالمستشفيات الفلسطينية والإسرائيلية بالمدينة المقدسة.

‪فداء من غزة تمكث في مستشفى المطلع بالقدس لتلقي العلاج‬ فداء من غزة تمكث في مستشفى المطلع بالقدس لتلقي العلاج (الجزيرة)
‪فداء من غزة تمكث في مستشفى المطلع بالقدس لتلقي العلاج‬ فداء من غزة تمكث في مستشفى المطلع بالقدس لتلقي العلاج (الجزيرة)

استجمعت فداء قواها وتغلبت على أوجاعها الجسدية والنفسية الناجمة عن ترك طفلتها التي لم تكمل عامها الأول وتوجهت للحاجز العسكري قبل 45 يوما باتجاه المستشفى المقدسي، ووصفت اجتيازها لإيريز بساعات من العذاب إذ فتشها جنود الاحتلال أربع مرات رغم علمهم بحالتها المرضية التي تطلبت تحويلة طبية عاجلة للعلاج.

أجهشت فداء بالبكاء بمجرد تخطي الحاجز وهي تنظر من حولها لوطن يتمتع الأغراب بطبيعته الخلابة بينما تعيش هي في سجن غزة وفق وصفها، "فلسطين جنة لا يمل الناظر من التحديق بطبيعتها.. والقدس والمسجد الأقصى لا يمكن وصف زيارتهما، زرت المكان الذي عرج منه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم إلى السماء، وشعرت بروحانيات لم أشعر بها قط".

وتضيف الشابة الغزية "لو قُدر لي يوما أن أختار مكان سكني لن أختار سوى القدس ولن أقبل أن يعيش طفلاي إلا بجوار الأقصى.. هنا وجدت راحتي رغم مشقة المرض والعلاج".

تفاؤل وحيوية
تجلس فداء وأمها فاطمة التي ترافقها في رحلتها العلاجية بقسم العلاج الإشعاعي تنتظر دورها، وبدت أكثر المرضى تفاؤلا وحيوية رغم سردها رحلة مؤلمة استمرت عامين حتى تم تشخيصها بمرض السرطان في غزة.

‪.. ومع أمها التي ترافقها برحلتها العلاجية‬ .. ومع أمها التي ترافقها برحلتها العلاجية (الجزيرة)
‪.. ومع أمها التي ترافقها برحلتها العلاجية‬ .. ومع أمها التي ترافقها برحلتها العلاجية (الجزيرة)

بجوارها وأمها يجلس المسن لطفي جابر (67 عاما) القادم من قرية حبلة في محافظة قلقيلية شمال الضفة ينتظر هو الآخر جلسة العلاج بالإشعاع ضمن خطة علاجية بدأت منذ 18 شهرا بعد إصابته بسرطان البلعوم.

تحدث المسن عن طفولته التي تخللتها زيارات أسبوعية للقدس والمسجد الأقصى، والتي حرم منها بعد احتلال المدينة عام 1967 وبدء سلطات الاحتلال تدريجيا بعزل المدينة عن محيطها.

تمكن جابر من زيارة القدس مجددا بعد إصابته بالسرطان، لكن ليس قبل قضاء ساعات في كل زيارة للمستشفى على حاجز قلنديا العسكري، حيث تتراوح فترة مكوثه عليه بين ساعتين وأربع ساعات في حال أقبل الجنود على إغلاقه أمام المارة لسبب ما.

‪جابر من محافظة قلقيلية في مستشفى المطلع للعلاج من السرطان‬  جابر من محافظة قلقيلية في مستشفى المطلع للعلاج من السرطان (الجزيرة)
‪جابر من محافظة قلقيلية في مستشفى المطلع للعلاج من السرطان‬  جابر من محافظة قلقيلية في مستشفى المطلع للعلاج من السرطان (الجزيرة)

"يحملني أولادي أحيانا، وعندما أقوى على المشي أتكئ عليهم يمينا ويسارا.. كنت أتمنى أن أعود للقدس وأنا قوي البنية لأتمكن من السير في أزقتها والصلاة بشكل مستمر في الأقصى الذي ما زلت أكابر على أوجاعي لأصله وأصلي في رحابه.. لن نفرط يوما في هذا المكان".

حكاية أفنان
غادرنا قسم العلاج الإشعاعي تاركين خلفنا كل قاصديه من الضفة والقطاع، واتجهنا لقسم الأطفال في المستشفى وهناك التقينا بالطفلة الغزية أفنان حماد (14 عاما) المصابة بسرطان الغدد الليمفاوية.

وصلت أفنان مستشفيات القدس بسيارة الإسعاف، وقالت للجزيرة نت إنها لم تمتع نظرها بفلسطين التاريخية لأن خرجت من منزلها ليلا، لكنها تمكنت بعد أسابيع من العلاج من زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه.

تقول "أكثر ما أعجبني في طريقي للقدس عراقة البلدة القديمة.. وأكثر المصليات التي انبهرت بها مصلى قبة الصخرة المشرفة.. أما أكثر ما أثار استغرابي وغضبي انتشار جنود وشرطة الاحتلال في كل مكان بالقدس وهو المشهد الذي لا نراه بتاتا في غزة".

يقطع حديثنا مع الطفلة جولة الأطباء على المرضى أو دخول ممرضة لوضع محلول جديد لأفنان التي تستفسر عن كل شيء: ما هذا المحلول؟ كم من الوقت سيحتاج لتنتهي الكمية؟ وتنصت هي ووالدتها زينب التي تجلس بجوارها لكل كلمة تقال عن حالتها الصحية.

زينب حماد (43 عاما) ترافق طفلتها بعد معركة طويلة للحصول على تصريح للحاق بها إلى مستشفى المطلع، ومن اللحظة الأولى للحديث معها بكت بحرقة وهي تسرد حالة ابنتها المرضية وتشخيصها بالسرطان قبل أقل من شهرين.

‪أفنان القادمة من غزة لمستشفى المطلع لتلقي العلاج الكيميائي‬ أفنان القادمة من غزة لمستشفى المطلع لتلقي العلاج الكيميائي (الجزيرة)
‪أفنان القادمة من غزة لمستشفى المطلع لتلقي العلاج الكيميائي‬ أفنان القادمة من غزة لمستشفى المطلع لتلقي العلاج الكيميائي (الجزيرة)

"تعذبتُ كثيرا حتى تمكنت من الوصول للقدس والمكوث بجانب ابنتي المريضة.. لم يؤلمني تشخيصها بالمرض بقدر ما آلمني بعدها عني.. شعرت أن غزة سجن كبير أكثر من أي وقت مضى".

بين إجابة وأخرى تصمت للحظات وتمسح دموعها وكأنها تحاول أن تستجمع قواها وتخفي ضعفها أمام طفلتها المريضة، إلا أن عمق ألمها لم يخب للحظة.

"كأني ذاهبة للحج"
زينب التي طال الحديث معها لم تنتعش إلا عندما تطرقت لزيارتها وابنتها للمسجد الأقصى، وقالت "شعرت أنني ذاهبة للحج.. لا يمكن وصف مشاعر شخص وصل لمكان يحلم بزيارته طوال حياته، ولا يمكنني قبول عذر كل من تآمر على القدس ومقدساتها، كل من يزور هذا المكان يجب أن يكون مستعدا ليفديه بروحه".

إلى جانب أفنان وفداء والمسن لطفي يخضع آلاف المرضى للعلاج في مستشفيات القدس وغيرها من المستشفيات الإسرائيلية خارج المدينة المحتلة، ووفقا لبيانات وزارة الصحة الفلسطينية ففي عام 2017 تم تحويل أكثر من عشرين ألف مريض للعلاج بأقسام الأورام قادمين من الضفة والقطاع للعلاج.

يُذكر أن الرابع من فبراير/شباط هو اليوم العالمي للسرطان، وتخصصه كل من منظمة الصحة العالمية والاتحاد الدولي لمكافحة السرطان للترويج لسبل التخفيف من العبء العالمي الناجم عن هذا المرض.

وبينما تسعى المؤسستان لتحقيق ذلك، يمعن الاحتلال في تعذيب أجساد مرضى السرطان التي أنهكها المرض بطول فترة انتظار اجتياز الحواجز العسكرية.

المصدر : الجزيرة