قريبا من الأقصى.. "الديسي" مسجد صامت يندر رواده
مسجد الديسي الكائن في حارة الحيادرة، على الطريق الواصل بين حارتيْ الشرف والأرمن في البلدة القديمة بالقدس. الطريق إليه تعجُّ باليهود ودكاكينهم وملامحهم التي ألصقت إبان احتلال المدينة المقدسة عام 1967، بعد طرد أهلها وسرقة بيوتهم وتسمية حاراتهم "حارة اليهود".
يصعب على زائر المنطقة تمييز عروبتها وإسلاميتها، إلا بعد البحث مليّا عن مآذن أخفيت بأشجار حديثة، أو دكاكين عربية صغيرة ثبت أصحابها فيها. وبين كل تلك الصبغة اليهودية، يقف مسجد الديسي وسط بنايتين وكأنه حُشر بينهما، حتى لم تتركا له فناء أو مدخلا لائقا.
3 صلوات فقط
ظهرت قضية المسجد إلى الواجهة بعد ترميمه في الرابع من الشهر الجاري، حيث استبدلت دائرة الأوقاف الإسلامية سجاده المهترئ وطلت جدرانه التي أنهكتها الرطوبة، وجددت إنارته، لترغيب رواده والنهوض بحاله، فهو فارغ تماما بمساحة ستين مترا مربعا، لا يطرقه إلا بضعة تجار أو سائقي أجرة، وقد يمر يومه دون أن يصلي فيه أحد.
تقام صلوات الظهر والعصر والمغرب بالمسجد فقط، ويُغلق فيما بينها، وهو على هذه الحال منذ عام 1967، ويعلل مراقب مساجد القدس مازن أهرام ذلك للجزيرة نت باعتداءات المستوطنين على المسجد وقلة مرتاديه، فمعظم جيرانه من الأرمن واليهود، والأخيرون دأبوا على إزعاج رواده والتجمهر حوله منادين بإغلاقه وسط وابل من الشتائم والعبارات العنصرية.
تضييق وتهديد
ويؤكد أهرام أن اعتداءات المستوطنين وتهديداتهم تكررت أيضا أثناء ترميم المسجد وبعد ذلك دون أن يحرك الاحتلال ساكنا، بل زاد على فعلهم باعتقال أحد عمال الترميم بالمسجد، وتغريم العاملين بذرائع واهية، كما قام بإجبار الأوقاف على تقليص أنوار المئذنة الخضراء بحجة إزعاج المستوطنين.
ويضيف أن الاحتلال صادر مكبرات الصوت عام 1993 ومنع استخدامها حتى اليوم، وصادر الأرض الوقفيّة المقابلة للمسجد وحوّلها إلى موقف بالأجرة للسيارات، وأكد أنه لولا بناء المسجد لصودرت أرضه أيضا.
تكررت الحكاية
تشابه حكاية الديسي مصير العديد من المساجد في حارة الشرف مثل مسجد العمري اليعقوبي، وولي الله المحارب، والعمري الصغير. فهي مساجد صامتة لا يسمع الأذان منها ويندر روادها، وتتعرض باستمرار لانتهاكات الاحتلال ومستوطنيه، وبعضها انتفت شعائرها وهُجرت بالكامل.
يفصل بيت محمد أبو اسنينة (70عاما) ومسجد الديسي أمتار قليلة، وعائلته من أصل تسع عائلات صمدت في حارة الشرف. ورغم كثرة المساجد حول بيته فإنه يسمع الأذان من هاتفه الذكي أو يضبط ساعته وفقا لذلك. يقول للجزيرة نت إنه يحرص على الصلاة في مسجد الديسي، ويحاول التوفيق بإعمار المساجد المنتهكة حوله وأولها المسجد الأقصى "فالخطر كبير والعُمّار قليلون.
عهد قديم
ووفق الباحث روبين أبو شمسية فإن مسجد الديسي أيوبيّ البناء مملوكيّ الترميم، وتعود أصوله إلى عهد الملك المعظم عيسى بالقرن الـ 13 الميلاديّ.
ووصف للجزيرة نت موقع المسجد بأنه بين حارتي الحيادرة والريشة جوار حارة الشرف التي طمست جميعها إضافة إلى البشاشتة والعلمية والمغاربة، وحوّلت حديثا إلى حارة اليهود.
وأكد أبو شمسية أن حارة اليهود تسمية حديثة بعد احتلال القدس، حيث لم يكن قبل ذلك فيها إلا بضعة أماكن مستأجرة من العهد المملوكي،وقد تفرّق فيها اليهود وعُرفت بـ "سويقة اليهود".