نص فتوى تحرم تسهيل تمليك القدس وأرض فلسطين للأعداء

مفتي القدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين

في ظل الاعتراف الأميركي الباطل بالقدس عاصمة للاحتلال
المفتي العام يحرم تسهيل تمليك القدس وأرض فلسطين للأعداء

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد الأمين صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد؛

     فإن فلسطين وعاصمتها القدس الشريف، وفيها المسجد الأقصى الذي بارك الله فيه وبارك حوله مسرى رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، مصداقاً لقوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الإسراء: 1]، أولى القبلتين، وثاني المسجدين، وثالث المساجد التي تشد إليها الرحال، لقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هَذَا، وَمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى» [صحيح مسلم، كتاب الحج، باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد]، ويتضاعف ثواب الصلاة فيه أكثر من غيره سوى المسجد الحرام والمسجد النبوي.

    وفلسطين التي تحتضن القدس أرض خراجية وقفية، يحرم شرعا التنازل عنها، أو تسهيل تمليكها للأعداء، فهي من الأملاك الإسلامية العامة، وتمليك الأعداء لدار الإسلام، أو لجزء منها باطل، ويعد خيانة لله تعالى، ولرسوله وللمؤمنين ولأمانة الإسلام، والله تعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: 27]، فآثم من يبيع أرضه لأعدائه، أو يأْخذ تعويضاً عنها؛ لأنه يعد بذلك مظاهراً على إخراج المسلمين من ديارهم، وقد قرن الله تبارك وتعالى الذين يخرجون المسلمين من ديارهم، والذين يظاهرون على إخراجهم بالذين يقاتلون المسلمين في دينهم، حيث قال تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ* إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الممتحنة: 8-9]، وهذا ما أفتى به مجلس الإفتاء الأعلى، في قراره رقم: 2/7 بتاريخ 31/10/1996م.

      إن القدس والمسجد الأقصى المبارك وقفان إسلاميان، إلى يوم القيامة، لا يباعان ولا يوهبان ولا يورثان، ولا يملك أحد أن يتنازل عنهما، والتنازل عن القدس أو جزء منها أو عن جزء من المسجد الأقصى المبارك للغاصبين كالتنازل عن مكة والمسجد الحرام أو المدينة المنورة والمسجد النبوي الشريف، وهو مفسدة كبرى، لا يدانيها إلا مفسدة تسليم بيت الله الحرام، أو مسجد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم للكفار، وهذا هو أشد العدوان على المسلمين وإهدار لعزتهم وهيبتهم، وقد نهى الله تعالى عن سِلْم الهوان، فقال: ﴿فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد: 35]، وقال تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 139]، والنهي يقتضي التحريم.

     وإسرائيل اغتصبت فلسطين، وأخرجت أهلها من ديارهم، وشردتهم، وسلبت أموالهم، واقترفت أفظع الجرائم بأماكن العبادة، كل ذلك بالتعاون مع دول الاستعمار التي ناصرتها وتناصرها في هذا العدوان الآثم، وأمدتها بالعون السياسي والمادي لإقامة دولة احتلالية في هذا الوطن الغالي.

    فيحرم على أي أحد أو جهة من العرب والمسلمين مساعدة الاحتلال وتمكينه من توسيع رقعة اغتصاب أرض المسلمين، فلا ريب أن مظاهرة الأعداء وموادّتهم يستوي فيها إمدادهم بما يقوي جانبهم، ويثبت أقدامهم بالرأي والفكرة وبالسلاح والقوة -سرًّا وعلانية- مباشرة وغير مباشرة، بل يجب على العرب والمسلمين أن يتعاونوا جميعًا على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وأقطارهم لعودة أهل هذه الديار إليها، وحماية المسجد الأقصى مهبط الوحي، ومصلى الأنبياء وسائر المقدسات، وصيانة حقوق الفلسطينيين، ومن قصر في ذلك، أو فرط فيه، أو خذل المسلمين عنه، أو دعا إلى ما من شأنه تفريق الكلمة، وتشتيت الشمل، والتمكين للكيانات المستعمرة من تنفيذ خططهم ضد العرب والمسلمين، وضد بيت المقدس، من دول أو حكومات أو أحزاب أو جماعات أو أفراد، فهو في حكم الإسلام مفارق للجماعة، خارج عن الملة، ومقترف أعظم الآثام.

     والله تعالى يقول: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [المجادلة: 22].

    مؤكدين أن القدس هي عاصمة دولة فلسطين الأبدية، وأن القرار الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، واعتبارها عاصمة الاحتلال هو قرار باطل ولا شرعية له، لأنه تصرف من لا يملك في حق غيره.

      وعليه؛ فإن فلسطين والقدس أرض إسلامية، وستبقى كذلك، وسيحررها أبطال العرب والمسلمين من دنس غاصبيها كما حررها الناصر صلاح الدين الأيوبي من دنس الفرنجة المعتدين، ولتعلمن نبأه بعد حين، {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}(يوسف: 21)

وصلى الله على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

والله يقضي بالحق وهو الهادي إلى سواء السبيل

الشيخ محمد أحمد حسين 

المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية

حرر في: 12 نيسان 2018

وفق: 25 رجب 1439هـ

المصدر : الجزيرة