النكبة والقدس

النكبة والقدس

تحل ذكرى سنوية جديدة على النكبة التي أثرت على كافية نواحي الحياة، واقتلعت شعبا من أرضه وشتته في أقاصي الأرض.

تأتي ذكرى النكبة اليوم وما زال الفلسطيني يحلم بالعودة، وينقل ذكرياته وثقافته من جيل إلى جيل.

ما يحدث الآن في الذكرى 69 للنكبة من العودة إلى بقايا القرى والمدن التي تم تدميرها أو تهجير سكانها وتحويلها إلى غابات أو مناطق يمنع دخولها، إلا جزءا من عودة الروح إلى هؤلاء الفلسطينيين من الأجيال الجديدة التي عاشت ذكرى النكبة.

سمعت ما رواة الأجداد والآباء عن تلك الأحداث عن اقتلاع شعبنا من دياره وتشتته في أصقاع الأرض، فعاش في الخيام يلتحف السماء ويفترش الأرض، لكن روح البقاء والصمود والتحدي للعودة ورغم مرور الأعوام تزداد يوما بعد يوم.

ما يحدث الآن في الذكرى 69 للنكبة من العودة إلى بقايا القرى والمدن التي تم تدميرها أو تهجير سكانها وتحويلها إلى غابات أو مناطق يمنع دخولها، إلا جزءا من عودة الروح إلى هؤلاء الفلسطينيين من الأجيال الجديدة

لم تنطفئ جذوة أمل هؤلاء رغم مرور الأعوام بالعودة إلى أماكن سكناهم على الرغم من صور المجازر وجرائم التطهير العرقي التي رافقت النكبة.

انعكست النكبة على مدينة القدس؛ فبعد أن ازدهرت المدينة في نهاية القرن التاسع عشر وأنشئت الأحياء الجديدة بمعمار حديث وأنشأت المدارس والكليات في المدينة، وبعد أن ازدهر الاقتصاد والحياة الثقافية خّربت النكبة مدينة القدس، وأفشلت الحياة الثقافية والاجتماعية وتحولت إلى مدينة أشباح، وتحول أغنياؤها إلى فقراء لكن يحملون معهم روح التحدي في بلاد الشتات، فمنهم من نجح فيها وأعاد بناء نفسه، ومنهم من قضى نحبه دون أن يحظى بتحقيق حلم العودة.

وما أن نهضت مدينة القدس ووقفت على أرجلها من جديد في سنوات الخمسينات والستينات حتى حلت النكبة، فقد بدأت النهضة العمرانية والاقتصادية، وتم فتح العديد من الفنادق والمدارس، وشيدت العمائر الحكومية والأهلية، وأقيمت النوادي الثقافية وازدهرت الحياة الثقافية والفنية، وبدأ التخطيط لتوسيع حدود بلدية القدس وتحويلها إلى أمانة.

لقد توسع مطار القدس وأنشئت المرافق الخاصة به، حتى جاءت حرب عام 1967، لتُنكب المدينة مرة أخرى، فتوقفت الحياة تماما وبدأت الهجرة من المدينة ومنع مواطنوها من العودة.

بدأت سياسة مصادرة الأراضي وتهجير السكان وإحلال سكان إسرائيليين بدلا من السكان العرب، وكانت السياسة الإسرائيلية المبرمجة تجاه المدينة قد وضُعت ضمن سياسية الأقلية والأغلبية، فاتخذت القرارات التي أدت في نهاية الأمر إلى وجود أكثر من 220 ألف إسرائيلي يسكنون في 15 مستعمرة أقيمت على أراضي احتلت عام 1967.

أخذ اتجاه الحياة اليومية في التعقيد لدى المقدسيين، فمن منع البناء وسحب الهويات، وإقامة الجدار الذي عزل أكثر من 150 ألف فلسطيني خارج المدينة أصبحوا في مهب الريح، حتى إن أكثر من مسؤول سياسي إسرائيلي تكلم في هذا الموضوع، وعلى رأسهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي طرح قضية التخلص من الأحياء العربية، وأصبح اليمين الإسرائيلي ويساره يسعيان لتحقيق هذا البرنامج.

وضعت الخطط المستقبلية لإنهاء قضية القدس بشكل نهائي، فكان المشروع 2050 الذي يقضي بتوسيع حدود بلدية القدس وإقامة القدس الكبرى التي تعادل مساحتها 10% من الضفة الغربية، وإقامة أكبر مطار في الدولة العبرية في منطقة البحر الميت.

هناك مشاريع سياحية وصناعية ومستعمرات جديدة وتوسيع مستعمرات قديمة، وإقامة بنية تحتية كاملة من السكك الحديدية والشوارع والأنفاق والجسور للوصول إلى هدف رئيس وهو أن القدس يهودية

وهناك مشاريع سياحية وصناعية ومستعمرات جديدة وتوسيع مستعمرات قديمة، وإقامة بنية تحتية كاملة من السكك الحديدية والشوارع والأنفاق والجسور للوصول إلى هدف رئيس وهو أن القدس يهودية بأغلبية مطلقة وأقلية عربية.

وهكذا فإن نكبة القدس طالت جميع نواحي الحياة حتى إننا وصلنا الآن إلى خواتم الأمور. فبعد أن تمت السيطرة على 87% من مساحة القدس ولم يبقى للفلسطينيين سوى 13% بدأت سياسة جديدة قديمة بالضغط على السكان من أجل الحد من نموهم وفي نفس الوقت بدؤوا في رسم خريطة جديده للمدينة بضم الكتل الاستيطانية في شمال غرب المدينة وجنوبها الغربي وشرقها للوصول للهدف الذي وضع عام 1973: أقلية عربية بنسبة 12% وأغلبية يهودية بنسبة 88% وقدس في قلب الدولة العبرية وهي الرأس والقلب للشعب اليهودي.

في هذا العام يُحيي الفلسطينيون ذكرى النكبة وسط أسوأ ظروف يمر بها الشعب الفلسطيني تاريخيا، فهناك الانقسام الفلسطيني وحرب المخيمات، وسن القوانين العنصرية والتحريض على الفلسطينيين في كل مكان، وازدياد عنصرية وقادة الأحزاب الإسرائيلية تجاه العرب، حيث بدأ عرابو  المستوطنين بالتحدث علنا عن ضم الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية وإلغاء حل الدولتين.

أما القدس فإنها خارج إطار المفاوضات وهذه السياسات انعكست على ما يجري الآن بالضفة الغربية والأغوار بالتطهير العرقي للبدو وتطبيق القانون الإسرائيلي على الضفة الغربية، وتجاه مدينة القدس التي أصبحت حياة سكانها صعبة أشبه بالجحيم جراء القوانين الجائرة والإجراءات العقابية التي مست الحجر والبشر. 

المصدر : الجزيرة