أضخم كهف أسفل القدس القديمة قيد التهويد

القدس-تبدأ مغارة القطن بمدخل طبيعي بدئ حفره وتوسيعه منذ فترات زمنية لم تحدد بعد-تصوير جمان أبوعرفة-الجزيرة نت -8-1-2017
مغارة القطن تمتد على مساحة تقدر بتسعة آلاف متر مربع أسفل البلدة القديمة من القدس (الجزيرة)

جمان أبوعرفة-القدس

يعود الفضل في متانة حجارة سور مدينة القدس وجودتها إلى كهف "مغارة القطن" والذي يقع في الجهة الشمالية من السور شرق باب العامود، حيث استخدمت حجارتها على مدار ثلاث سنوات لترميمه وبنائه في عهد السلطان العثماني سليمان القانوني، كما استخدمت أيضا في بناء برج الساعة في يافا نهاية القرن الـ 19.

استعملت "مغارة القطن" -ومن أسمائها أيضا: الكتان، صدكياهو، مقالع سليمان، الكهوف الملكية- مقلعا للحجارة في عدة عصور، وتقدر مساحتها بنحو تسعة آلاف متر مربع تمتد أسفل منازل البلدة القديمة من القدس، وساعد قربها من السور على اقتلاع الحجارة التي شيّدت بها المباني الفخمة داخل القدس.

رغم أهمية المغارة التاريخية والمكانية فإن ورودها شحيح بالمصادر العربية، فقد ذكرها محمد بن أحمد شمس الدين المقدسي بكتابه "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" بالقرن العاشر الميلادي، ومن ثم ذكرها بعده بخمسة قرون مجير الدين الحنبلي باسم "مغارة الكتان".

وذكرت المغارة في مراجع أجنبية مثل خرائط مسوحات فلسطين عام 1873 من قبل الكابتن "كلود كوندر" وسميّت باسميْ القطن والكتان نسبة إلى تخزين القطن والكتان بها في إحدى الفترات، وفق الباحث المقدسي فؤاد قطينة.

‪تقع مغارة القطن بالجهة الشمالية من سور القدس شرق باب العامود‬ تقع مغارة القطن بالجهة الشمالية من سور القدس شرق باب العامود (الجزيرة)
‪تقع مغارة القطن بالجهة الشمالية من سور القدس شرق باب العامود‬ تقع مغارة القطن بالجهة الشمالية من سور القدس شرق باب العامود (الجزيرة)

تهويد تاريخ
تبيّن اللافتات الموزعة داخل المغارة -والتي نصبتها بلدية الاحتلال باللغات العربية والإنجليزية والعبرية- أنها ظلت تستعمل كملجأ سري لأبناء الديانات السماوية الثلاث وكثير من الجمعيات حتى منتصف القرن الـ 19.

يقول مدير وحدة دراسات الآثار بجامعة القدس هاني نور الدين إن إعادة التعرف على مغارة القطن تم عام 1854ميلادية عن طريق الصدفة من قبل كاهن أميركي يدعى "جامس باركلي" أقحم المغارة في جدل كبير حول مسمى الموقع وماهيته التاريخية بين المهتمين بآثار وتاريخ القدس، وهو جدل استمر حتى وقتنا الحاضر، حيث ادعى باركلي في كتابه "مدينة الملك العظيم" وجود علاقة مباشرة بين المغارة ونصوص العهد القديم.

ويقال في أصل تسمية المغارة بكهف صدقياهو إنها نسبة إلى الملك صدقياهو الذي هرب إلى مدينة أريحا عبر المغارة خلال الحصار البابلي للقدس، وفقا للنص التوراتي وذلك عام 586 ق.م.

قطينة: الاحتلال لا يمّكن الباحثين الفلسطينيين من إجراء دراساتهم ويستحوذ لوحده على الحفريات الأثرية
قطينة: الاحتلال لا يمّكن الباحثين الفلسطينيين من إجراء دراساتهم ويستحوذ لوحده على الحفريات الأثرية

ونشر الاحتلال لافتات تعريفية داخل المغارة تسرد روايته للمكان زاعما أن النبي الملك سليمان (عليه السلام) استخدم حجارتها لبناء ما يسميه "جبل البيت" في عهد الهيكل الثاني -الذي يزعم اليهود وجوده مكان المسجد الأقصى– وتبعا لذلك أطلقوا على المغارة  اسم "مقالع الملك سليمان" و"الكهوف الملكية".

ويعقّب نور الدين على هذا الادعاء بقوله إن هذه التسميات نابعة من تأثر المستشرقين والدارسين بالرواية التوراتية، أمثال عالم الآثار الفرنسي "كليرمون جانو " الذي قام بأعمال تحر بالمغارة عام 1873 حاملا فكرة "باركلي" التوراتية وربطها بهيكل سليمان. ويؤكد الباحث المقدسي أن نسب المغارة إلى عهد الملك سليمان ليس دقيقا.

احتفالات ماسونية
يقول فؤاد قطينة، وهو باحث بوحدة دراسات الآثار بجامعة القدس، إن المعلومات التاريخية يجب أن تبنى على أسس علمية وموضوعية بعيدا عن الروايات الأيديولوجية، مبينا أن هذه الأسس تبنى وفقا للحفريات الأثرية والتي لم يمّكن الاحتلال الباحثين الفلسطينيين من إجرائها، لذلك لم يستطيعوا حتى الآن تحديد زمن حفر المغارة وبداية استخدامها.

تجاوز عبث الاحتلال بمغارة القطن إلى احتضان حفلات المحافل الماسونية فيها
تجاوز عبث الاحتلال بمغارة القطن إلى احتضان حفلات المحافل الماسونية فيها

لكنه يرجح استخدام حجارتها من قبل الملك "هيرود" بمدينة القدس نهاية القرن الأول قبل الميلاد ضمن مشروعه البنائي الضخم الذي شمل مواقع عديدة في فلسطين.

وافتتحت بلدية الاحتلال بالقدس مغارة القطن أمام السياحة بعد احتلال المدينة عام 1967، وجرى ترميمها عام 1989، كما يقوم المحفل "الماسوني" بإقامة احتفالاته داخل مغارة القطن منذ الثلث الأخير للقرن الـ 19 إيمانا منه بصلتها مع "الهيكل العظيم"-على حد تعبيرهم- وفقا للباحث نور الدين.

وعملت بلدية الاحتلال على إدراج المغارة ضمن لائحة مواقع التراث الثقافي، بالإضافة إلى وضعها ضمن صياغة توراتية بعيدة عن الصياغة التاريخية الموضوعية للمدينة المقدسة والتي تساهم في تهويدها وطمس هويتها.

المصدر : الجزيرة