قاوموا القهر واشتبكوا!

تصميم مناسب لمقال بعنوان "قاوموا القهر واشتبكوا!"
الكيّ آخر الدواء! فلملم نيرانك واحرق بكفّيك جرحك! واجمع بصرختك الأخيرة ما تفرّق من ريح العشيرة.. كفكفي الدمع وقومي من خباء الحزن يا جليلة! فالفجر لم يكن يوما لرجل واحد! والليل إن حُلت جديلته.. ليس غير جند الله يلملمون شعث الجديلة.

هم ينثرون شوكهم في عيوننا! يزرعونه في جلودنا! يروونه بالرصاص.. ويجعلون قيدهم نوافذ لنا على العجز كي ننكسر في داخلنا.. كي يشيخ الصبر في عروقنا.. وننحني!

ماذا يحمل لنا المحتل سوى الشوك ينبته فينا، ليثمر قهرا وألما وقنوطا! يقنعنا بأسْر أرواحنا بأيدينا! مثل فيَلَة ضخمة يحبسها عن حرّيتها وتد مغروس في أرض رخوة.. لا يملك أن يُمسكها! ولا تملك على قوّتها أن تحمل نفسها على المحاولة!

نقتل أنفسنا بأيدينا، ونصادر حقّنا في المقاومة! يكبر عدوّنا ويتوغّل فينا، وسط غفلتنا عن مصادر قوّتنا، وسط سذاجة أفعالنا، وفرقتنا! يكبر بآلة الموت في يديه.. يكبر بصمت العالم الظالم عن صراخ الضحايا

نقتل أنفسنا بأيدينا، ونصادر حقّنا في المقاومة! يكبر عدوّنا ويتوغّل فينا، وسط غفلتنا عن مصادر قوّتنا، وسط سذاجة أفعالنا، وفرقتنا! يكبر بآلة الموت في يديه.. يكبر بصمت العالم الظالم عن صراخ الضحايا.. يكبر بسطوته على خريطتنا وقد حملت اسمه في كل العواصم، وعلى كل الصفحات.. يكبر لدرجة أن يصدّق بأنّ قدسنا لقمة في فمه.. وبقليل من الحيلة يمكنه أن يبتلعها.. يكبر عدوّنا بالأيدي الغادرة من أبناء جلدتنا! وبغدرهم نصغر لولا رجال قايضوا بدمائهم الوطن!

هو عدوّك يريق بيد أخيك دمك! ينعم بظل زيتونة زرعتها بيدك! يحتسي خمراً من كرمة رويتها بعرقك! كي تسبّح اللهَ عناقيدها حبة حبة في سمع الكون! وعلى ضفاف صمتك ولهفتك!

هو عدوّك يدوس تراباً قبّل جبينك كل صلاة! هو عدوّك يفتّت بسكين الفرقة تراباً حمل خصب أجدادك! فهل تراه؟! هل تملك أن تعود جسدا لترابك الطهور، فتصبح ككل المتجذرين في هذه الأرض حبات من تراب! وتصبح خصبا! وتصبح وطنا طريّا لأبنائه! وتفاصيل ذاكرة وصلاة؟!

حين يفعل المحتل بك ما يفعل، لن تجد غير المقاومة طريقا للحياة! وثمنا يدفعه الأحرار بنبض هادئ وروح مستقرة.. لا تتأرجح بها طفولة التجربة! ولا يثنيها عن عزمها غلو الأثمان! فعدوّنا يحمل كل الملامح.. يتحرك في كل الطرقات.. يتحدّث لغات الأرض.. وسُمّه اللذيذ على كلّ الموائد.. وفي كل الأطباق!

وحدك في مواجهة الزيف والرصاص.. وحدك في مواجهة الموت محمّلا بصخب كلماتك.. الكل بصمت يراقبك! والكل في العتمة يطعنك! ينتظرون منك أن تموت.. فتضم بكفّك جرحك، وبكفّك الأخرى تقاوم سوط جلادك.. ومَن باع في التنسيق الأمني لعدوّك دمك!

أنت وحدك! لغير السماء من فوقك لا تلتفت!

أنت وحدك! وما يهمّك إن كنت وحدك! والقدس ملء عينك! وفجر تدفق في دمك!

القدس تصرخ! وفي سمعك صوتها.. تنزف شوقا لأناس حملوا ملامحك وخطوط كفّك، لكنهم لا يشبهونك! ضمادها في أيديهم.. تطلبه لتوقف نزيف مآذنها، فيمنعوه منها! بأشلائك تضمّدها.. وتمدّ طريقا للثائرين بدمك تعبّدها!

يا ابن الجرح الذي ينفر دما وحكايات.. يا ابن الفجر الذي يطلّ علينا بالبسالة من بين رفات الشهداء.. عذبوك بجبنهم.. قتلوك أكثر من مرة لكنك لم تمت

تصرخ حجارة الدور والشجر.. تصرخ الأرض من تحت أقصانا أَن اشتد الخطر.. وخدّام الهيكل المزعوم يحميهم رصاص رجال الأمن المدججين بالكراهية والسلاح وهم يرسمون بالصلف تفاصيل انهياره.. يقتحمون بالكِبر طهر ساحاته، ويقتاتون الزيف كطفيليات لا تعيش إلا على حساب غيرها.. بينما تستمطر أمتنا السماءَ بالفتح وهي مشغولة بأكل لحم بعضها!

يا أنت! يا ابن الجرح الذي ينفر دما وحكايات.. يا ابن الفجر الذي يطلّ علينا بالبسالة من بين رفات الشهداء.. عذبوك بجبنهم.. قتلوك أكثر من مرة لكنك لم تمت.. عصيّ دمك.. وقدرك أن تموت حرا.. رصاصك يعلو رصاصهم.. وحماس كلماتك يروي الرجال من بعدك بالحماس.. وحده عدوّك يعرف بميزان الرجولة كم تساوي، وكم في عروق الثورة يشتعل دمك..

بيد الغدر قُتل، وبدمه تحبّرت كلماته! لكنه ورغما عن الظالمين والصامتين والغادرين لم يمت! تلك كلماته على كل الصفحات والألسنة! وجرحه الطري ينزف في كل القلوب..

أنتم الموتى وهو الطليق في كل الدروب.. يحلّق فوق المآذن يحرّضها على التكبير ويرفض السكوت (أن اكتبوا واشتبكوا.. أن كبّروا واشتبكوا.. أن قاوموا القهر واشتبكوا.. لا معنى لكل ما قيل ويقال دون اشتباك) ولنا في القدس لقاء..

المصدر : الجزيرة