خرافة الشعب الآرامي تخريب تاريخ فلسطين القديم (1-4)

خرافة "الشعب الآرامي" وتخريب تاريخ فلسطين
قد تكون المزاعم التي أطلقها هنا، وبالنسبة لكثيرين ممنْ استولت السرديات التاريخية السائدة على عقولهم لوقت طويل، مزاعم جامحة يستحيل قبولها.
وبطبيعة الحال، فهناك دوما من هو على غير استعداد، ومهما كانت الظروف أو قوة الأفكار، للتخلي عن السرديات التي شكلت أساس معرفته بالتاريخ، وهو لن يتقبّل في النهاية وكما أتوقع، ومهما قدمت من أدّلة؛ إلا بالرواية المهيمنة بفضل التعليم المدرسي.
وهذا أمر يمكنني تفهمّه بكل تأكيد ودون حرج؛ إذ غالبا ما يصعب تقبّل أي فكرة جديدة، يمكن أن تزعزع بديهيات الثقافة الشعبية السائدة.

ومع ذلك، سأقدّم معالجة علمية هادئة عن إستراتيجيات تخريب تاريخ فلسطين القديمة وكيف جرى استبداله بتاريخ مزيف، بوصف ذلك، المقدمة الناعمة التي سبقت الاستيلاء العنيف على أرضها وطرد شعبها.

الهيمنة على السرد
إن الهيمنة على الأرض كما ارتأى إدوارد سعيد تتطلب الهيمنة على السرد، ويتعيّن عليّ أن أضيف: بل إن ذلك يتطلب وقبل كل شئ استبدال السردية الحقيقية بسردية مصنّعة.

لقد جرى تخريب مُمنهج لتاريخ فلسطين والمنطقة طوال مئتي عام من الآن، وتمّ بشكل مُمنهج أيضا تصنيع تاريخ بديل.

وفي قلب هذا التاريخ جرى اختراع عرق أو شعب يُدعى (الآراميون Armenia)، وجرى تخيّلهم كجماعة استثنائية كانت تستعبد الفلسطينيين.

ما من قارئ للنص العربي من التوراة، إلا وسيقول لنفسه وهو يقرأ النصوص المقدّسة وبشكل أخصّ النصوص الخاصة بـ (الآراميين)، حقاً هذا نص غير مفهوم

لكن، ما من قارئ للنص العربي من التوراة إلا وسيقول لنفسه وهو يقرأ النصوص المقدّسة وبشكل أخصّ النصوص الخاصة بالآراميين، حقاً هذا نص غير مفهوم، وعسير إلى النهاية، وفوق ذلك كله، فهو معقدّ وغير واضح، وقد يكون ثمة خطأ ما، ربما في الترجمة أو في الأصل.

مثلاً، عندما يقرأ القارئ النقدي لا القارئ الذي يتسلى، أسفار التوراة التي تتحدث عن الآراميين، فقد يجد نفسه وهو يتساءل: من هم الآراميون وأين عاشوا؟ هل هناك جماعة بشرية حقيقية تاريخية عُرفت بهذا الاسم، وهل ورد اسمها في نقوش وسجلات تاريخية كشعب أو حضارة أو عرق، أم ورد اسمها هكذا فقط آراميون؟ وإذا ما كانوا أصحاب حضارة قديمة، فأين نجد آثارهم وبقايا حضارتهم، وأين نجد نقودهم وبقايا أسوار قصورهم وأساطيرهم. 

وهل الجماعة الصغيرة في ضواحي دمشق والتي تتحدث لغة عبرية بلكنة آرامية وتكتب أناشيدها الدينية في الكنائس بحرف سرياني مربع، ويُزعم أنه حرف آرامي خاص فيما هو حرف عبري سبئي سرياني مربع، يتماثل مع الأبجدية السبئية بثمانية حروف أساسية على الأقل، هل هم بقايا الشعب الآرامي؟

لقد روّجت كتابات ومؤلفات استشراقية كثيرة استنسخها مؤلفون عرب دون أدنى حرج علمي، لخرافة وجود شعب آرامي فقط لأن هذه الكتابات الاستشراقية صادرة عن علماء آثار

لقد روّجت كتابات ومؤلفات استشراقية كثيرة استنسخها مؤلفون عرب دون أدنى حرج علمي لخرافة وجود (شعب آرامي Armenia)، فقط لأن هذه الكتابات الاستشراقية صادرة عن علماء آثار، ولكن دون أدنى مساءلة ما إذا كان هؤلاء العلماء من التيار التوراتي التقليدي أم لا؟

بيد أن هذه الكتابات التي يستسلم أمامها كثرة من كتاب التاريخ العرب، سعت كلها إلى خداعنا، بزعم أن هذا الشعب هو نفسه الشعب الذي يقيم اليوم في صيدنايا السورية لأنهم يتكلمون الآرامية.

 لكن: ما هي اللغة الآرامية بالضبط؟ ما علاقتها بالسبئية والعبرية؟ وإذا كان هؤلاء يمثلون شعبا قديما، فأين نجد أسوار مدنهم وممالكهم الآرامية وبقايا قصورهم ونقودهم ومدنهم وسجلاتهم التاريخية؟ هل من المنطقي تصوّر شعب له حضارة دون سجلات تاريخية؟

أين سجلات الآراميين؟ وهل حفر الأركيولوجيون، ونقبّ المنقبّون في مناطق محددّة في سوريا قبل وبعد احتلال فلسطين حقا ووجدوا آثارا تدل على وجود شعب آرامي؟ وأين بالضبط؟

إن مصطلح آرام (Aram) الذي ورد في سجلات الآشوريين، واستند إليه الاستشراقيون الذين تعاملوا مع التوراة كنص تاريخي يرد في هذه الصورة في أسفار مختلفة من التوراة (إرم ארם). لقد أخذوا المصطلح من التوراة، ثم قاموا بمطابقته مع الاسم نفسه الوارد في النقوش الآشورية، واستخلصوا الفكرة المزيفة القائلة إن شعبا أو عرقا قائما بذاته عاش في سوريا يدعى الآراميون وأنه استعبد الفلسطينيين، وكان شعب حضارة قديمة.

دعونا نعود إلى التوراة، لندقق في الوصف الذي تقدّمه لهذا الشعب. تقدّم لنا التوراة، تعريفا غريبا لهذا الشعب المزعوم، فهي تقول حرفيا:

سيبدو أمراً يدعو للعجب حقاً، أن تنُسج القصص الاستشراقية عن حضارة آرامية استناداً لقصص التوراة، بينما تصفهم التوراة (كغزاة يخطفون طفلة)

سفر الملوك الثاني 5: 2:

(وَكَانَ الأَرَامِيُّونَ قَدْ خَرَجُوا غُزَاةً فَسَبَوْا مِنْ أَرْضِ إِسْرَائِيلَ فَتَاةً صَغِيرَةً، فَكَانَتْ بَيْنَ يَدَيِ امْرَأَةِ نُعْمَانَ).

فهل هؤلاء حقا شعب عرق آخر لديه حضارة، بحيث يخرجون لخطف فتاة صغيرة من أرض إسرائيل لتخدم في معبد نعمان؟ وأين نجد معبد نعمان هذا؟ سيبدو أمرا يدعو للعجب حقا أن تنُسج القصص الاستشراقية عن حضارة آرامية استنادا لقصص التوراة، بينما تصفهم التوراة كغزاة يخطفون طفلة. 

وهاكم نصّا آخر من التوراة يعيد توصيف هؤلاء:

سفر الملوك الثاني 7: 12

(فَقَامَ الْمَلِكُ لَيْلاً وَقَالَ لِعَبِيدِهِ: «لأُخْبِرَنَّكُمْ مَا فَعَلَ لَنَا الأَرَامِيُّونَ. عَلِمُوا أَنَّنَا جِيَاعٌ فَخَرَجُوا مِنَ الْمَحَلَّةِ لِيَخْتَبِئُوا فِي حَقْل قَائِلِينَ: إِذَا خَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ قَبَضْنَا عَلَيْهِمْ أَحْيَاءً وَدَخَلْنَا الْمَدِينَةَ».

فهل هؤلاء الغزاة الذين خطفوا الفتاة الصغيرة، ثم اختبؤوا في حقل لإلقاء القبض على جماعة جائعة، هم الآراميون أنفسهم الذين قيل لنا إنهم أصحاب حضارة؟ لكن، ماذا لو علمنا أن نعمان هذا هو معبد من معابد الحضرميين -سكان حضرموت– وأعداء وخصوم الإسرائيليين، وأن تقاليد استعباد الأطفال والنساء وإرغامهم على خدمة المعابد، هي تقاليد دينية سجلتها نقوش المسند بالتفاصيل المملة؟ وأن خطف الفتاة الصغيرة الخادمة كان مجرد تفصيل لا معنى له في رواية عن حرب دينية تقليدية جرت بين قبائل اليمن.

هل من العقل في شي أن ننساق وراء ترهات اللاهوتيين، الذين زرعوا في عقولنا أسطورة (الشعب الآرامي) فنصدق أن هؤلاء كانوا (شعباً آخر وحضارة عظيمة)؟

وهل من العقل في شيء أن ننساق وراء ترهات اللاهوتيين، الذين زرعوا في عقولنا أسطورة الشعب الآرامي، فنصدق أن هؤلاء كانوا شعبا آخر وحضارة عظيمة؟ وهل من المنطقي تخيّل وجود شعب تاريخي يدعى آرامي يحطمه داود والسبئيون والآشوريون في الآن نفسه، ولا نعرف عنه أي شيء حقيقي. إن التوراة تعجّ بقصص كثيرة عن تحطيم داود لهذا الشعب المزعوم، يصعب إيرادها كلها، وسأكتفي ببعض النماذج.

كل ما لدينا عن الآراميين، اسم وجده اللاهوتيون في نصوص التوراة، فقاموا بمطابقته مع اسم ورد في السجلات الآشورية وقرئ في صورة الآراميين، ثم سرعان ما ظهرت أسطورة هذا الشعب الذي لا يعرف أي عالم آثار أو مؤرخ حصيف ونزيه، ويروي التاريخ بطريقة علمية، حدود الأرض التي عاش فيها، فتارة يتم وضعه في سوريا التاريخية، وتارة في الأناضول وأرمينيا، ومرات لا تحصى يوصفون كقبائل همجية تهاجم الثغور الآشورية.

الغريب أن المصطلح نفسه (Armenia) يترجم في السجلات الآشورية في صورة أرمينيا؟ فهل هو شعب أرميني؟ وما علاقته بالسبئيين والحميريين وبني إسرائيل؟

 

لا أحد تقريباً يمكنه الاعتراض على هذا التلاعب، دون أن يواجه بضجيج من الاستنكار، فقط لأنه يزعزع البديهيات الزائفة التي زرعها اللاهوتيون في عقولنا.

لكن، أين نجد هذا الشعب؟ أين حضارته؟ وكيف ولماذا اهتمت التوراة بتسجيل أخباره كقبيلة وليس شعبا أو عرقا قائما بذاته هزمه داود في سلسلة حروب؟

رواية توراتية
هل من المنطقي قبول رواية التوراة القائلة إن داود هزم الآراميين، والزعم في الوقت نفسه أن هؤلاء كانوا يشكلون قوة حضارية واجهت الآشوريين؟ وما علاقة السبئيين بهم، إذا ما كانوا شعبا سوريا قديما؟
  

سوف أبرهن في هذه الحلقات أن تلفيق شعب اسمه (الشعب الآرامي) كان الغرض منه التلاعب بالسجلات الآشورية وتخريب تاريخ فلسطين

سوف أبرهن -في هذه الحلقات- أن تلفيق شعب اسمه الشعب الآرامي كان الغرض منه التلاعب بالسجلات الآشورية وتخريب تاريخ فلسطين، وبحيث تبدو الوقائع متطابقة مع نصوص التوراة، ويصبح استعباد الفلسطينيين المعاصرين مجرد استطراد في استعباد قديم لهم.

إنهم شعب من العبيد الذين خدموا داود، كما خدمه الآراميون، هذه هي الفحوى الحقيقية لعملية تخريب تاريخ فلسطين القديمة وثقب ذاكرة شعبها.

كان الغرض من خلق أسطورة الشعب الآرامي هو تبرير استعباد الفلسطينيين المعاصرين، لأنهم كانوا أيضا مثل الآراميين عبيدا للإسرائيليين وحسب؛ بل وأكثر من ذلك، تبرير تصويرهم كجماعة طارئة لا أصل لها، تمتهن السرقة والسطو.

ما يثير الدهشة في نصوص التوراة أن الآراميين الذين استعبدوا الفلسطينيين -حسب الترجمة الزائفة لمصطلح فلشتيم הפלשתים- يصبحون هم أنفسهم عبيدا للإسرائيليين.

فهل يستقيم الأمر من منظور علمي نزيه، أن يكون الآراميون شعبا وحضارة وفي الآن ذاته عبيدا عند داود؟ كل ذلك، سأعيد النظر في القراءة الاستشراقية للسجلات الآشورية، وأعيد بناء تاريخ هذه الجماعة.

من بين الأسماء التي استدلّ من خلالها علماء الآثار التوراتيون أو اللاهوتيون على أن الآراميين شعب له حضارة وممالك، كان هناك اسم مملكة مزعومة تدعى آرام صوبة وردت في التوراة.

وبعض كتاب التاريخ من العرب يزعمون دون أي دليل من خارج الترهات الاستشراقية أنها في آرام صوبة في سوريا، مع أنهم يعجزون عن تقديم دليل مهما كان بسيطا عن وجود مكان أو موضع أو مدينة قديمة تدعى آرام صوبة في سوريا؟ كما يقال لنا في معظم المؤلفات التاريخية إنها كانت مملكة عظيمة من ممالكهم.

ثمة مزاعم أخرى تقول إن آرام صوبة و(آرام دمشق) سوية كانتا من أعظم ممالك سورية. في الواقع لا يوجد أي أثر تاريخي أو نقوش أو بقايا أسوار مدن وقصور ونقود تؤكد وجود هذه الممالك

وفي هذا النطاق ثمة مزاعم أخرى تقول إن آرام صوبة وآرام دمشق سوية كانتا من أعظم ممالك سوريا.

في الواقع لا يوجد أي أثر تاريخي أو نقوش أو بقايا أسوار مدن وقصور ونقود تؤكد وجود هذه الممالك.

وأنا أتحدى كل من يزعم وجودها أن ينظم رحلة لباحثين متخصصين إلى المواقع التي نشأت فيها هذه الممالك، أين نجد آرام دمشق؟ هل نجدها في دمشق؟ وأين بالضبط؟

لقد انساق الباحثون التقليديون في التاريخ القديم بعمى كامل وراء ترهات الروايات الاستشراقية، وراحوا يردّدون، بهوج علمي لا حدود له، أن الآراميين هم شعب سوري، وأنه استعبد الفلسطينيين، لكنه أصبح هو نفسه شعب عبيد عند الإسرائيليين، بينما تشتكي التوراة أنهم كانوا جياعاً تحت رحمة الآراميين؟

روايتي عن هذا التاريخ:
في عصر الحملات الآشورية (850- 727 ق.م) التي استهدفت اليمن القديم، للاستيلاء على خطوط التجارة الدولية، ووضع اليد على كنوز الذهب والبخور والأحجار الكريمة، اصطدم بنو إسرائيل، وهم قبيلة يمنية صغيرة عاشت ضمن تحالف سبئي عريض، بالآراميين ودخلوا في نزاع طويل معهم كما تقول أسفار التوراة (سفر الملوك الأول 20: 27، سفر الملوك الثاني 5: 2 كذلك، سفر الملوك الثاني 7: 12، أيضاً سفر الملوك الثاني 7:  15 سفر الملوك الثاني 8: 28 سفر الملوك الثاني 8: 29 سفر الملوك الثاني 9: 15 سفر الملوك الثاني 16: 6 سفر أخبار الأيام الأول 18: 6 سفر أخبار الأيام الثاني 22: 5).

إن جوهر هذه الصراعات بين الإسرائيليين والآراميين والسبئيين والحميريين هو احتكار تجارة البخور والتوسّع في ملكيات الأراضي، وفرض المعتقدات الدينية.

هذه هي المحركات الثلاثة الكبرى في صراعات قبائل اليمن كما صوّرتها التوراة: تجارة البخور، التوسع في الأراضي، الدين.

لا يوجد نص ديني قديم يعجّ بصور لا حصر لها عن البخور مثل النص التوراتي. إنه نص يضجّ بقصص وطقوس لا سبيل لحصرها عن البخور، وهذا وحده يكفي لوضع التوراة في بيئتها اليمنية.

ويتضّح من هذه الأسفار أن للآراميين معتقدات مناوئة لمعتقدات الإسرائيليين. وهذا يعني أن أحد أهم بواعث الصدام بين الطرفين كان الدين.

التوراة والسجلات الآشورية سجلتا بدقة مذهلة، بخلاف ما يعتقد بعض هواة قراءة التاريخ القديم، أخبار الحملات الآشورية والبابلية السابقة عليها

كما أن التوراة والسجلات الآشورية سجلتا بدقة مذهلة -بخلاف ما يعتقد بعض هواة قراءة التاريخ القديم- أخبار الحملات الآشورية والبابلية السابقة عليها، وقدّمتا توصيفا دقيقا لثروات اليمن من البخور والذهب والأحجار الكريمة وللأمكنة والوقائع والتواريخ كذلك.

لكن التوراة، من جانب آخر مواز وبسبب كونها كتابا دينيا لا كتاب تاريخ، عرضت علينا قصصا شعبية مكتوبة لأغراض التعليم الديني، وبعضها بطبيعة الحال غير قابلة للتصديق، وهذا أمر مفهوم، فتقاليد الكهنة تهتم بسرد التاريخ بأسلوب مثيولوجي، يمزج بين التاريخ والأسطورة. ولعل قصص صراع داود ضد الآراميين هي من بين أكثر هذه القصص إثارة، مثلا:

سفر صموئيل الثاني 8: 6:

وَجَعَلَ دَاوُدُ وكلاء فِي أَرَامِ دِمَشْقَ، وَصَارَ الآرَامِيونَ لِدَاوُدَ عَبِيدًا يُقَدِّمُونَ هَدَايَا. وَكَانَ الرَّبُّ يُخَلِّصُ دَاوُدَ حَيْثُمَا تَوَجَّهَ

וַיָּשֶׂם דָּוִד נְצִבִים, בַּאֲרַם דַּמֶּשֶׂק, וַתְּהִי אֲרָם לְדָוִד, לַעֲבָדִים נוֹשְׂאֵי מִנְחָה; וַיֹּשַׁע יְהוָה אֶת-דָּוִד, בְּכֹל אֲשֶׁר הָלָךְ

في هذا النص تستخدم التوراة مصطلح (إرم אֲרָם بالمفرد) الذي ترجمه الاستشراقيون إلى (الآراميون بالجمع). وسنرى معنى هذا المصطلح تالياً حين نقارنه بالمصطلح السبئي (إرم/الرم). كما يسجل سفر الملوك الأول 20: 20: الواقعة التالية:

(وَضَرَبَ كُلُّ رَجُل رَجُلَهُ، فَهَرَبَ الآرَامِيُّونَ، وَطَارَدَهُمْ إِسْرَائِيلُ، وَنَجَا بَنْ هَدَدُ مَلِكُ أَرَامَ عَلَى فَرَسٍ مَعَ الْفُرْسَانِ.

וַיַּכּוּ, אִישׁ אִישׁוֹ, וַיָּנֻסוּ אֲרָם, וַיִּרְדְּפֵם יִשְׂרָאֵל; וַיִּמָּלֵט, בֶּן-הֲדַד מֶלֶךְ אֲרָם, עַל-סוּס, וּפָרָשִׁים

والترجمة الصحيحة: وتقاتلوا رجلا لرجل، فهرب إرم فتعقبهم (أردفهم וַיִּרְדְּפֵם- يردفهم) إسرائيل، ونجا بن هدد ملك إرم على فرس مع الفرسان.

هل هذا "الشعب المخترع" الذي يهزم أمام داود بعد أن استعبده طويلا، ثم عيّن ولاة (وكلاء) موالين له يحكون باسمه، هو نفسه شعب الحضارة القديمة؟ لنلاحظ أن التوراة تستخدم الكلمة السبئية (ويردفهم:  וַיִּרְדְּפֵם) أي وتعقبّهم، ولاحقهم. ومن هذه الكلمة جاءت كلمة أردف، يردفه خلفه، الرديف (أي الآخر). ومنها أيضا جاء التعبير اليمني (أرداف الملوك) أي الأشخاص الآخرون الذين يحيطون بالملك.

والآن: هل هؤلاء الذين يطاردهم بنو إسرائيل هم عرق أو شعب آخر، أم هم قبيلة من القبائل المتورطة في الصراع القبلي؟

المصدر : الجزيرة