قوانين إسرائيلية جديدة للسيطرة على القدس

قوانين إسرائيلية جديدة للسيطرة على القدس

طالعتنا وسائل الإعلام المختلفة الأيام الأخيرة بأخبار وتقارير حول خطط لحكومة الاحتلال الإسرائيلي لتعديل بعض القوانين المتعلقة بمدينة القدس من أجل تغيير حدود بلديتها، وإخراج بعض الأحياء المقدسية الواقعة خلف الجدار العازل وتحويلها إلى مجالس محلية منفصلة، والهدف من ذلك تقليل عدد العرب الفلسطينيين في القدس.

لطالما كان الهاجس الديمغرافي لـ إسرائيل في القدس أحد أهم الدوافع لإقرار سياسات وقوانين مختلفة، فإسرائيل تفهم جيدا أن وجود أغلبية عربية فلسطينية بالقدس يعني دائما شيئا واحدا، وهو أن القدس لن تكون إسرائيلية، لذلك فهي تجهد دائما لتغيير الواقع الديمغرافي على الأرض.

بين عام 1948 وحتى يونيو/حزيران 1967 كانت مدينة القدس مقسمة الى جزئين، المدينة الغربية التي غطت قرابة 38 ألف دونم وكانت تحت السيطرة الإسرائيلية، والمدينة الشرقية التي غطت مساحة ستة آلاف دونم وكانت تحت السيطرة الأردنية. بعد حرب الأيام الستة في العام 1967، احتلت إسرائيل الضفة الغربية كاملة، بعدها استولت على قرابة 70 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية وضمتها لحدود بلدية القدس وفرضت القانون الإسرائيلي عليها.

ولم تشمل الأراضي التي ضمت المدينة الشرقية بحدودها التي كانت تحت السيطرة الأردنية فقط، وإنما شملت أيضا قرابة 64 ألف دونم إضافية كانت تتبع للقرى والمدن الفلسطينية المحيطة.

وجراء هذا الضم كبرت مساحة مدينة القدس ثلاث اضعاف مما كانت عليه قبل الاحتلال، وأصبحت القدس أكبر مدينة في البلاد، والواقع أنه لغاية عام 1967، معظم المساحة البلدية للقدس بحدودها الحالية لم تكن جزءا من المدينة، وإنما كانت جزءا من الضفة الغربية التي احتلت في الحرب.

تعزيز سيطرة إسرائيل
عند وضع حدود بلدية القدس عام 1967 كانت الجهات واللجان الإسرائيلية تهدف إلى تعزيز السيطرة في المدينة عن طريق خلق أغلبية يهودية فيها. ولهذا نجد أن وضع الحدود تم بالأساس حسب اعتبارات ديمغرافية.

عام 2002 وبعد اندلاع انتفاضة الأقصى، قررت الحكومة الإسرائيلية برئاسة أرييل شارون إقامة الجدار الفاصل، لكن لم يتم بناؤه حسب حدود الـ 1967 والخط الأخضر، وتم اقتطاع مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية التابعة لقرى الضفة

والاعتبار الرئيسي كان الامتناع عن ضم المناطق المكتظة بالسكان الفلسطينيين إلى حدود القدس، وذلك من أجل ضمان الغالبية اليهودية في المدينة.

ووفقا لذلك، وضعت عدة قرى خارج الحدود البلدية للمدينة، بينما ضمت بعض أراضيها لهذه الحدود، كما حدث، مثلاً، في بيت اكسا والبيرة في الشمال، وفي المناطق قليلة السكان في الحدود البلدية لبيت لحم وبيت ساحور في الجنوب. ونتيجة لذلك قسمت قرى وأحياء بحيث بقي جزء منها في الضفة الغربية والجزء الآخر ضمته إسرائيل.

في العام 2002 وبعد اندلاع انتفاضة الأقصى، قررت الحكومة الإسرائيلية برئاسة أرييل شارون إقامة الجدار الفاصل، لكن هذا الجدار لم يتم بناؤه حسب حدود الـ 1967 والخط الأخضر، ولكن تم اقتطاع مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية التابعة لقرى الضفة الغربية.

وفي المقابل، تم بناء الجدار داخل القدس الشرقية، حيث تم إخراج أحياء كفر عقب، سميراميس، مخيم شعفاط، إلى خارج الجدار.

معاناة الأحياء خلف الجدار كانت قد بدأت فقط عندما بني الجدار وفصلوا عن القدس، إذ تركت الأحياء المقدسية بلا رقيب، وبدأ البناء العشوائي في كل مكان، وبدأ مقاولون هدفهم الربح المادي فقط بناء بنايات عملاقة بدون فحوصات هندسية أو غيرها.

في المقابل، غضت السلطات الإسرائيلية -التي لا تسمح بأصغر بناء في القدس أن يتم بدون ترخيص- النظر بالكامل عن هذا البناء، لا بل وشجعته بطريقة أو بأخرى.

ودفعت الأزمة السكنية الخانقة بالقدس السكان أن يروا بالبنايات الضخمة في أحياء خلف الجدار حلا مرحليا لمشكلتهم، فمن جهة هم سيحصلون على شقة سكنية بسعر مناسب، وأيضا هم سيتمكنون من استمرار العيش ضمن حدود بلدية القدس ما سيسمح لهم بالحفاظ على بطاقة هويتهم المقدسية والحفاظ على تأمينهم الصحي، وهذا ما كان.

وانتقل عشرات الآلاف من سكان أحياء مقدسية أخرى إلى أحياء خلف الجدار، حيث وصل عدد المقدسيين في أحياء خلف الجدار ما يقارب 140 ألفا، وهو أكثر من ثلث سكان القدس العرب وقرابة 16% من إجمالي سكان القدس، التي يبلغ مجموع السكان فيها 900 ألف، 37% منهم فلسطينيون.

الزيادة الكبيرة في أعداد سكان أحياء خلف الجدار رافقها إهمال كامل من كافة السلطات الإسرائيلية وبالأخص من بلدية القدس، التي تجاهلت بشكل شبه كامل تحسين البنى التحتية في تلك الأحياء، وشيئا فشيئا ومع ازدياد أعداد السكان وانعدام الخدمات تحولت أحياء خلف الجدار إلى منطقة منكوبة، فلا خدمات ولا أمن ولا بنى تحتية. في المقابل، السكان لم يملكوا حلا إلا استمرار العيش في تلك الأحياء.

يكفي لكل متابع أن يفحص ميزانية بلدية القدس لأحياء خلف الجدار ليعرف مستوى الإهمال فيها، فالبلدية تستثمر في أحياء خلف الجدار تقريبا 1% من مجمل ميزانية النظافة، وتقريبا 0.01% فقط من ميزانية البنى التحتية.

التخلي عن هذه الأحياء
منذ فترة، كان واضحا وجود نوايا حكومية إسرائيلية للتخلي عن أحياء خلف الجدار. وفي أكثر من مناسبة، أكد رئيس بلدية القدس الإسرائيلي نير بركات أن حدود بلديته هي الجدار وأنه غير مسؤول عن الأحياء المقدسية الواقعة خلفه.

كان واضحا وجود نوايا حكومية إسرائيلية للتخلي عن أحياء خلف الجدار، وفي أكثر من مناسبة أكد رئيس بلدية القدس الإسرائيلي نير بركات أن حدود بلديته هي الجدار وأنه غير مسؤول عن الأحياء المقدسية الواقعة خلفه

كل تلك التصريحات كانت مقدمة لما سيحدث لاحقا، فبعد أن منعت إسرائيل المقدسيين من البناء داخل القدس الشرقية وسمحت به بدون رقيب في أحياء خلف الجدار، سهلت انتقال عشرات الآلاف إلى تلك الأحياء وتجاهلت احتياجاتهم وهددت بسحب إقامات كل سكان أحياء خلف الجدار.

كل هذا كان علامات تمهيدية لما يعرضه وزير شؤون القدس في الحكومة الإسرائيلية زئيف إلكين من نية إخراج أحياء خلف الجدار إلى خارج حدود بلدية القدس.

وستتطلَّب هذه الخطوة الحصول على موافقة رئيس الوزراء الإسرائيلي وإقرار عدة تعديلاتٍ تشريعية، وقد وافق الكنيست على أوَّل مرحلة منها بالفعل في شهر يوليو/تموز 2017، حسب تقرير لصحيفة هآرتس الإسرائيلية.

وقال إلكين إنَّه يؤمن بأنَّ خطته لن تلقى معارضة ذات شأن سواء من اليمين أو اليسار الإسرائيلي، وهذه هي المحاولة الأولى لتقليل مساحة بلدية القدس منذ أن توسَّعت بعد حرب الأيام الستة عام 1967.

وهي أيضاً المحاولة الأولى لتأسيس مجلس محليّ إسرائيلي استثنائي لن يكون سكَّانه من المواطنين الإسرائيليين، بل من فلسطينيين حاملين درجة الإقامة الدائمة.

وهناك مقترح آخر تقدم به أعضاء من حزب الليكود ينص على ضم عدد من الكتل الاستيطانية الكبرى إلى القدس، بحيث يتم اعتبار المجالس المحلية لتلك الكتل الاستيطانية كمجالس فرعية لبلدية القدس، هذا الاقتراح إن مر سيزيد عدد سكان القدس "الجديدة" اليهود بحوالي 150 إلى 200 ألف ساكن جديد.

الخلاصة
يبدو أن إسرائيل أدركت أنها خاسرة لا محالة في الصراع الديمغرافي في القدس، وهي لم تدرك ذلك من الآن، فالمتمعن جيدا بالأحداث في مدينة القدس يدرك أن لإسرائيل خططا طويلة الأمد بدأت بتنفيذها منذ سنوات طويلة وبدأت نتائجها تظهر حاليا. وأحياء خلف الجدار والقوانين والخطط الأخيرة هي أكبر دليل على جزء من هذه الخطة.

فلسطينيا وعربيا للأسف، لم يكن هناك أي خطط حقيقية لدعم صمود المقدسيين وبقائهم، واليوم ينتظر الجميع ما تقرره حكومة نتنياهو بالنسبة لأحياء خلف الجدار.

المصدر : الجزيرة