المقدسيات في طليعة معارضة وعد بلفور

فلسطينيات خلال احتجاج على زيارة بلفور للقدس عام 1925-
المرأة الفلسطينية تبوأت قيادة معارضة وعد بلفور (الجزيرة)
محمود الفطافطة-رام الله

 
أدركت الحركة النسائية في فلسطين منذ مطلع القرن العشرين خطورة ما يحاك ضد الشعب الفلسطيني من مؤامرات لطرده من أرضه، وجلب اليهود من كافة أنحاء العالم لتوطينهم فيه.
 
وأظهرت دراسة حديثة -أعدتها الباحثة نور صالحية ونشرت مؤخرا في مجلة شؤون فلسطينية- أن هذه الحركة اعتبرت "وعد بلفور" حجر الزاوية في هذه المؤامرة، ورأت فيه خطرا كبيرا على وجودها ووجود عائلتها فعمدت إلى محاربته ومقاومته بأشكال ووسائل متنوعة.
 
وتوضح الباحثة في دراستها أن الحركة النسائية الفلسطينية اتخذت من العمل النضالي والمقاوم طابعا وهدفا رئيسا لها، لذلك فإن الفعاليات التي قامت وأشرفت عليها النساء لم تنشأ ولم تتوسع إلا ضمن التحرك الوطني والنضالي بدافع المطالبة بإلغاء وعد بلفور ووقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين.
 
أشكال النضال
وبينت صالحية أن هذه المقاومة تمثلت بالانخراط في النضال الوطني والثوري جنبا إلى جنب مع الرجل تارة، وتارة أخرى كحركة نسوية مستقلة، فشاركت النساء في المظاهرات والإضرابات وإرسال رسائل احتجاج واعتراض إلى الحكومة المنتدبة وإلى الأصوات الحرة في العالم.
 
كما شاركت النساء في الكفاح في الميادين من خلال تزويد الرجال بالعتاد والسلاح، والدعم بمهمات استطلاعية، وغير ذلك من الأشكال.

وعملت المرأة الفلسطينية على تثبيت الهوية الوطنية من خلال التاريخ الشفوي الذي روته ودورها في حفظ الذاكرة، والتدقيق في تفاصيلها، وحمايتها من الطمس والضياع.

وإلى جانب ذلك، تذكر الدراسة أنه كان لحرص المرأة الفلسطينية على الإنجاب أهمية قصوى في مثل هذه المقاومة، فهي "من ستنجب المناضلين والمناضلات الذي سيعملون على محاربة المحتل ومقاومته" وكانت هناك إشادات بالنساء اللواتي ينجبن أكبر عدد من الأطفال.

القدس.. بدء الشرارة
وترى الدراسة أن المظاهرات تُعتبر أحد أبرز أشكال العمل النسوي المقاوم الذي انخرطت النساء فيه، منوهة إلى أن المرأة شاركت في أول ثورة ضد الانتداب البريطاني عندما طافت في مظاهرة شارك فيها عشرات الآلاف من المواطنين بشوارع القدس في فبراير/شباط 1920.

وفي هذا الإطار، توضح الدراسة أن التدشين الرسمي للحركة النسائية تقرر عندما عقد المؤتمر النسائي الأول في منزل طرب عبد الهادي بمدينة القدس يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول 1929، وذلك في أعقاب "ثورة البراق" التي وقعت عام 1929.

وقد اعتبر المؤتمر وعد بلفور ضارا بحقوق ووضع الفلسطينيين، وعملا غير مسبوق في التاريخ، وانتهاكا متعمدا لكل العهود التي أعطيت للعرب قبل الهدنة، وأنه في نصه وروحه تدمير للقومية العربية في فلسطين "بهدف إحياء القومية اليهودية" واعتبر أن كل عربي يقبل بوعد بلفور "خائنا لوطنه وأمته".

وفي السياق ذاته، برز شكل آخر للعمل المقاوم النسوي، وذلك عبر قيام الفلسطينية في المدينة بإرسال عرائض احتجاج لحكومة الانتداب والمندوب السامي للمطالبة بإلغاء وعد بلفور ووقف هجرة اليهود إلى فلسطين.

ففي عام 1920 قامت 29 سيدة من شمال فلسطين بتوجيه رسالة إلى الحاكم الإداري في المنطقة يعربن فيها عن انزعاجهن من تداعيات وعد بلفور.

الحركة النسائية بالقدس اعتبرت أن وعد بلفور ضار بمصالح الفلسطينيين 
الحركة النسائية بالقدس اعتبرت أن وعد بلفور ضار بمصالح الفلسطينيين 

الذهب رخيص
كذلك، تتطرق الدراسة إلى النشاط النسوي في تأسيس الجمعيات والمنظمات النسائية، والتي نشأت في المدن الرئيسة بأيدي مجموعة من النساء اللواتي حظين بقدر كاف من التعليم، وخصوصا في مدينة القدس، فقد عاشت الكثير من نساء المدينة حياة نشيطة، وكان بإمكانهن الانخراط في الحياة العامة.

من ناحية أخرى، تستعرض الدراسة دور المرأة الريفية في المقاومة، وإن اختلفت طريقة مشاركتها عن المرأة في المدن، إذ تركزت على دعم الثورة والثوار إما عن طريق تزويدهم بالسلاح، أو تأمين الغذاء والمعدات للثورة، أو مداواة الجرحى، وإخفاء الثوار، أو القيام بمهمات استطلاعية للثوار، ورصد عمليات بيع الأراضي لليهود.

وإضافة إلى كل تلك الأدوار، أشارت الدراسة التي أعدتها الباحثة نور صالحية إلى أنه كان من الأمور العادية أن تقوم النساء ببيع مصاغهن من الذهب لشراء قطع سلاح لأزواجهن وإخوانهن وأبنائهن للمشاركة في الثورة.

المصدر : الجزيرة