الاحتلال يغذي الجريمة بمخيم شعفاط في القدس

أحد أزقة مخيم شعفاط بالقدس حيث تغيب خدمات البنية التحتية
فقد مخيم شعفاط ثلاثة شبان في العام الجاري لأسباب وصفت بالتافهة (الجزيرة نت)

هبة أصلان-القدس

يطالب المقدسي موسى الشرحة بإيقاع عقوبة الإعدام على قتلة ابنه "يحيى"، وهم ثلاثة شبان ترصدوا له بعد إفطار يوم السابع والعشرين من شهر رمضان، فأردوه قتيلا بثلاث طعنات في القلب والرقبة، وهكذا حرمت الجريمة الشاب يحيى الاحتفال بذكرى ميلاده التاسعة عشرة التي وافقت يوم مقتله.

بمقتل يحيى، ارتفع عدد القتلى داخل مخيم شعفاط، خارج جدار العزل شمال شرق القدس، منذ بداية 2016 إلى ثلاثة، لأسباب توصف محليا بـ"التافهة"، فخلاف يحيى مع قاتليه كان سببه مبلغا من المال لا يعدل نصف دولار، مما عزز القول بأن الكثافة السكانية تولد ضغطا نفسيا لدى السكان خاصة فئة الشباب.

ووفقا لمركز أبحاث منظمة التحرير الفلسطينية يبلغ عدد سكان مدينة القدس 370 ألف نسمة، أكثر من 100 ألف منهم يعيشون داخل مخيم شعفاط على بقعة جغرافية لا تزيد مساحتها عن 203 دونمات.

تنوع معزول
ينتمي سكان مخيم اللاجئين الوحيد داخل حدود بلدية القدس التي وضعها الاحتلال إلى عدد من قرى القدس واللد والرملة، التي هجروا منها عام 1948، وانتقلوا إلى حارة الشرف داخل البلدة القديمة، ثم إلى المخيم عام 1965. ووفقاً لسجلات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين يقدر عددهم اليوم بما بين 20 ألفا و25 ألف لاجئ في 550 وحدة سكنية.

صكوك العطوة العشائرية تلزم المتخاصمين رغم الإخلال بها أحيانا (الجزيرة نت)
صكوك العطوة العشائرية تلزم المتخاصمين رغم الإخلال بها أحيانا (الجزيرة نت)

أما بقية سكان المخيم فهم من الفلسطينيين الذين انتقلوا للعيش بداخله نتيحة بناء الاحتلال لجدار العزل المحيط بالقدس، وذلك حفاظا على حقوقهم كمواطنين مقدسيين طال ما أقاموا في حدود القدس كما وضعها الاحتلال.

ومع ذلك فإن الاحتلال ماض في خطته لسلخ سكان المخيم عن المدينة المحتلة، فأقام حاجزا عسكريا يتحكم في تنقلاتهم اليومية ومستوطنات تتوسع على حسابهم، ناهيك عن تغذية الاحتلال للآفات الاجتماعية بالسماح بها وعدم وضع حد لها.

يرجع وجهاء في المخيم ارتفاع منسوب الجريمة وانتشار السلاح والمخدرات وجرائم على خلفية ما يعرف بشرف العائلة والسطو المسلح والسرقة إلى الكثافة السكانية العالية وغياب سلطة القانون سواء الاحتلال أو السلطة الفلسطينية، مما جعل الحلول العشائرية الوسيلة المتاحة للتغلب على هذه الظواهر ومعالجة تبعاتها.

يقول الحاج نافذ أبو عصب، وهو عضو في لجنة الإصلاح داخل المخيم المكونة من ثمانية رجال، إنهم باتوا غير قادرين على ضبط إيقاع الحياة داخل المخيم، مؤكدا ازدياد الجريمة.

ومع ذلك قال إن العطوة العشائرية، التي تقوم على تدخل رجالات العشائر لوقف تداعيات أي مشكلة وإنهائها، هي الإمكانية المتاحة لوقف سفك مزيد من الدماء، وإنهاء الخلافات.

أبو عصب يؤكد الخروج أحيانا على الحكم العشائري والإخلال بشروطه (الجزيرة نت)
أبو عصب يؤكد الخروج أحيانا على الحكم العشائري والإخلال بشروطه (الجزيرة نت)

ويضيف أن الاحتلال سعيد بالنتائج التي تحققها سياساته الممنهجة لتدمير المخيم وسلخه عن القدس، في حين أن السلطة الفلسطينية غير قادرة على التدخل بسبب منع الاحتلال لها "وهكذا نبقى في صراع مع الأهالي الذين يخلون أحيانا بشروط الحكم العشائري".

بلا خصوصية
من جهته يرى المحاضر في دائرة علم النفس بجامعة القدس، سمير شقير، أن الكثافة السكانية وتلاصق الجدران حرم أهالي المخيم حياة الخصوصية، فضلا عن غياب الحرية، مما ولد الشعور بالتوتر والضغط والاضطراب النفسي والسلوكي.

وتابع في حديثه للجزيرة نت أن الاحتكاك المتولد عن الاكتظاظ يساعد في نشوب الخلافات ويحدث شرخا في العلاقات الاجتماعية الطبيعية. واصفا حياة المخيم بأنها أقرب إلى السجن منها إلى الحياة الطبيعية "مما يساعد في نمذجة السلوكات السلبية والانحرافية، التي تلاحظها جميع فئات المجتمع وتحاول تقليدها وصولا إلى جعلها جزءا من الشخصية".

المصدر : الجزيرة