خديجة وفوزي شاهدان على نكبة لفتا
ميرفت صادق-البيرة
وهجّرت خديجة مع والديها وأشقائها الستة إلى رام الله، ومنها رحلت العائلة إلى الأردن بحثا عن العمل، لكنها عادت إلى البيرة وتزوجت فيها عام 1959.
لكنها تبتسم وتتذكر جمال قريتها، "بلدنا جنة، وأحلى ما فيها عين الشفا.. يشفى بمائها كل مريض"، وهي العين التي كانت تسقي تلال القرية وأشجارها وما زالت قائمة.
تهجير مبكر
وفي معرضه بمدينة البيرة أيضا، يشتغل ابن لفتا فوزي ذياب معلا منذ الخمسينيات في صناعة خشبية نادرة، وإلى جانبه عبارة معلقة "لا تنازل لا توطين".
قال معلا (أبو عصام): "خرج الناس من الخوف، لكن المقاومة كانت حاضرة في لفتا، والكثيرون عادوا إلى القرية بعد تهجيرها لاستعادة أسلحتهم".
هُجّر معلا مع والده وشقيقه من لفتا إلى بيارتهم في مدينة اللد غربا، ومكثوا هناك حتى سقطت المدينة كاملة بعد معارك ومجزرة شهيرة في مسجدها.
قال أبو عصام: "هجّرنا مرة أخرى من اللد، ورغم صغرنا أذكر كيف مشينا على الأقدام ثلاثة أيام حتى وصلنا قرى رام الله شرقا".
ويتذكر: "رأينا الموت بأعيننا في خروجنا من لفتا أو اللد، كان يمكن أن نموت عطشا بسبب صعوبة الطريق وفقدان المأكل والمشرب.. كان أبي ينقط الماء في حلوقنا لشُحه".
عاد أبو عصام إلى لفتا مرات عديدة بعد سقوط البلاد كاملة في أيدي الاحتلال عام 1967، وإلى بيته في حي الشيخ بدر تحديدا، حيث أقام الاحتلال مبنى البرلمان الإسرائيلي "الكنيست" في أرض لعائلة العاصي، إحدى عائلات لفتا.
ذكريات مريرة
ويوثق ضياء نجل فوزي معلا -وهو رئيس جمعية لفتا بمدينة البيرة- تاريخ نكبة بلدته، قائلا إن تهجير لفتا بدأ في مرحلة مبكرة عن باقي المدن والبلدات، ويحدده بتاريخ 28 ديسمبر/كانون الأول 1947، بعد قيام ابن البلدة المناضل أحمد العبيدي بتفجير عبوة ناسفة بحافلة تقل مجموعة من عصابات الهاغاناه واشتيرن والأرغون الصهيونية على طريق القدس يافا، وأسقط بينهم قتلى وجرحى.
بعد الحادثة بساعات، هاجمت عصابات الهاغاناه مقهى في لفتا يقع قريبا من شارع القدس يافا، وقتلت سبعة من أبناء القرية بينهم أربعة من وجوه عائلاتها ومنهم المختار صقر شنّك، وأصابت 12 آخرين.
في أعقاب ذلك بدأ تهجير لفتا بسبب هجمات العصابات الصهيونية المتكررة، وكان الأهالي ينتقلون من حارة إلى أخرى ولم يكن خيارهم الأول مغادرة القرية، حتى قتل ابن لفتا "عبد الله جابر" بعد عودته لتفقد بيته، مما عزز الرعب في صفوف الناس، وشهدت القرية آخر تهجير لأبنائها في التاسع من مارس/آذار 1948.
وتعتبر لفتا بوابة القدس الشمالية والغربية، وتمتد أراضيها على مساحة 12 ألف دونم، وكانت تصنف في العهد العثماني "ناحية"، ووصلت أراضيها حتى باب العامود وشارع صلاح الدين، وعليها أقيم الكنيست وجزء من الجامعة العبرية ومحطة الحافلات المركزية ومركز قيادة شرطة الاحتلال ومستشفى هداسا.
دفاع عن هويتها
وبعد النكبة، توزع أهالي لفتا على مناطق الشيخ جراح ووادي الجوز وأرض السمار وسلوان وبيت حنينا في القدس، بينما هجّر عدد كبير من أهاليها إلى رام الله والبيرة والأردن ودول الخليج العربي وأوروبا والولايات المتحدة.
ويذكر ضياء معلا زيارته مع أشقائه ووالده للقرية في وقت مبكر من طفولته، لكن الحادثة التي لم ينسها هي المرة التي تحدث بها والده مع العائلة اليهودية من أصل يمني التي احتلت منزله في أرض الشيخ بدر.
قالت العائلة اليهودية لفوزي معلا باللغة العربية إنها ما زالت تتلقى فواتير الماء والكهرباء باسم والده وعمه "ذياب وذيب صالح معلا".
ورغم فقدانها في النكبة، لا زال أهالي لفتا يقاومون تهويدها، وخاضوا معارك قضائية منذ عام 1995 لوقف تسجيلها كمحميات طبيعية أو أرض "تلمودية"، كما سعى الاحتلال لتسجيلها في اليونسكو.
وتقدم أهالي لفتا المهجّرين في القدس باعتراضات قضائية لمنع مخطط سمي بمخطط 60/36 عام 2012، واستهدف تحويل منازلها وما تبقى من أراضيها إلى منتجعات سياحية للأثرياء الإسرائيليين، وكسبوا القضية بعد تثبيتها كقرية عربية إسلامية لا يزال مسجدها ومقبرتها ومدرستها الأميرية قائمة حتى اليوم.