أكشاك بيع الصحف بالقدس تحتضر

باب العمود القدس المحتلة شباط 2016، يحيى شبانة في كشك الصحف الخاص به
الحاج يحيى شبانة كان يبيع أربعين صحيفة محلية وعربية ودولية (الجزيرة نت)

 

 

أسيل جندي-القدس المحتلة

حدد الحاج السبعيني يحيى شبانة صلاة الفجر من كل يوم موعدا لانطلاقه من منزله في بلدة الطور بالقدس المحتلة، باتجاه المسجد الأقصى ليصلي الفجر، ومن ثم يقصد كشك بيع الصحف الخاص به في منطقة باب العمود، أحد أبوب القدس القديمة.

بدأ شبانة مشواره في بيع الصحف متجولا في أزقة البلدة القديمة من القدس عندما كان في الثانية عشرة من عمره، وما زال يمارس ذات المهنة منذ 57 عاما.

الجزيرة نت التقت المسن المقدسي في كشكه على مدرجات باب العمود، فتحدث عن الفارق بين حرص الفلسطينيين قديما على شراء الصحف وتراجع هذه الهمة اليوم، نظرا لأنها لم تعد الوسيلة الأسرع  للاطلاع عما يدور بفلسطين والمناطق المجاورة من أحداث.

كان يحيى شبانة يبيع قبل خمسة عقود ونصف العقد نحو أربعين صحيفة فلسطينية وعربية وأجنبية، لكن أكثرها رواجا كانت صحيفة القدس المقدسية.

‪باعة الصحف اضطروا إلى بيع أشياء أخرى في أكشاكهم‬  (الجزيرة)
‪باعة الصحف اضطروا إلى بيع أشياء أخرى في أكشاكهم‬ (الجزيرة)

تلاشي القراءة
كما كان شبانة يبيع ثلاثة آلاف نسخة من صحيفة القدس المحلية يوميا، أما في الوقت الحاضر فلا يبيع سوى 150 نسخة. وعزا ذلك للتطور التكنولوجي وظهور وسائل الإعلام الحديثة، بالإضافة لتطبيقات الأخبار على الهواتف الذكية.

ويقول أيضا إن الفلسطينيين واظبوا على قراءة الصحف بشكل يومي منذ احتلال القدس عام 1967، إلا أن إقبالهم على شرائها بدأ يتلاشى منذ اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987. ونتيجة لذلك اضطر معظم أصحاب أكشاك الصحف لإدخال بضائع أخرى لتوفير مصاريف عائلاتهم "لأن بيع الصحف لم يعد كافيا لإعالة الأسر".

لا جدوى مادية من بيع الصحف، يؤكد شبانة. ومع ذلك يقول إنه مصمم على المضي في مهنته حتى انتهاء الأجل، مرجحا أن تُغلق الصحف مقراتها عاجلا أم آجلا "لأنها لم تعد تؤدي الدور الأساسي لها في نقل الأخبار وتثقيف القارئ، بقدر ما أصبحت تجارية تعتمد على الإعلانات وتفرد لها مساحات واسعة في صفحاتها".

شبانة واحد من ثلاثة مقدسيين صمدوا في أكشاكهم وحافظوا على بيع الصحف في مدينة القدس، بعد أن كانت الأكشاك واحدا من المظاهر الحضارية التي تميز المدينة على مر السنين، حيث وصل عددها لأربعين كشكا في سنوات خلت.

في الشهر الثاني من عام 2015، غيّب الموت واحدا من أشهر باعة الصحف بالقدس عن شارع نابلس بمنطقة باب العمود، وهو عمير دعنا، وبغيابه سعى الاحتلال لطمس أثره بهدم الكشك الذي كان يملكه.

فقد أقدمت بلدية الاحتلال على اقتلاع كشك دعنا من مكانه، وهي خطوة قوبلت برفض إعلامي واسع، ساهمت فيه صحيفة هآرتس اليسارية الإسرائيلية وكتبت أنه تمت إزالة معلم من معالم الحركة الوطنية المقدسية.

الراحل عمير دعنا أمام كشك الصحف الخاص به إبان الانتداب البريطاني (الجزيرة)
الراحل عمير دعنا أمام كشك الصحف الخاص به إبان الانتداب البريطاني (الجزيرة)

كشك السياسة
كان بدأ عمير دعنا مشواره مع الصحف في السادسة من عمره، وقرر عام 1947 فتح الكشك الخاص به، فباع صحيفة فلسطين والدفاع، ثم طور عمله بعدها ليبيع المجلات والصحف الصادرة في مصر والكويت ولبنان.

يقول ابنه نادر، الذي يعمل بعيدا عن الصحف في مجال المختبرات الطبية، إن والده تعلق مبكرا بمهنة بيع الصحف رغم أنه كان أميّا، موضحا أن العديد من القيادات الوطنية والشخصيات السياسية والفكرية مرت به واشترت منه الصحف، ودار بينه وبينها نقاشات مختلفة حتى أصبح مرجعية للعديد من المقدسيين في قضايا حياتهم الاجتماعية والسياسية.

لم يرث أبناء المقدسي الراحل المهنة عن والدهم، بل اجتهد قبل وفاته لتعليمهم في الجامعات، فأنهى أربعة منهم دراسة الطب، ليكسر بذلك قاعدة أن الوالد غير المتعلم لا يكترث لتعليم أبنائه، كما يقول نادر. ويضيف "والدي كافح في سبيل حصولنا على شهاداتنا الجامعية لأنه حُرم من ذلك واضطر للعمل منذ طفولته دون أن يجلس على مقاعد الدراسة بتاتا".

المصدر : الجزيرة