الشهيد العباسي.. حبس منزلي فاعتقال فشهادة

1-الشهيد أيمن العباسي بجانب شقيقته الوحيدة أنوار بعد مناقشتها لمشروع التخرج في الجامعة (2)
الشهيد أيمن العباسي وشقيقته الوحيدة أنوار بعد مناقشتها مشروع التخرج في الجامعة (الجزيرة)

أسيل جندي-القدس المحتلة

"لكل الذين كتبوا علی صفحاتهم (يا أم الشهيد نيالك ليت أمي بدالك) أقول لكم: أنا لا أشبهكم بتاتا، أنا أقل وطنية منكم فمجرد التفكير بهذه العبارة يخنقني، أنا أنانية أحب إخوتي كثيرا وأخاف عليهم، أريد أن أكبر بينهم وأموت قبلهم، أريد أن أشاركهم أفراحهم وتفاصيل حياتهم، لا أريد لقلب أمي أن ينفطر ولا لعكاز أبي أن ينكسر، للآن، أتشبث بقمصان الذين أحبهم وأحضنهم كلما سمعت أن شهيدا ارتقی".

لم تكن تعلم أنوار الشقيقة الوحيدة للشهيد المقدسي أيمن العباسي (17 عاما) عندما كتبت هذه الخاطرة قبل شهر ونصف الشهر على موقع فيسبوك أن أيمن سيرتقي شهيدا، ولن يشاركها فرحة زفافها المقرر بعد أشهر.

وضعت عائلة الشهيد أيمن عصفورا على سريره حتى لا يبقى فارغا (الجزيرة)
وضعت عائلة الشهيد أيمن عصفورا على سريره حتى لا يبقى فارغا (الجزيرة)

ملاحقة عائلة
وبينما كانت أنوار العباسي (عشرون عاما) تقلب عشرات الصور التي جمعتها مع أيمن على هاتفها الذكي، قالت إنه كان الشقيق الأقرب لها، ولم تتوقع يوما أن تتلقى نبأ استشهاده، وحسب رأيها فإن العائلة تألمت بما يكفي من استهداف الاحتلال أفرادها وملاحقتهم بالاعتقال، الذي لم تسلم هي منه أيضا، حيث خضعت للتحقيق 15 يوما في مركز تحقيق المسكوبية بالقدس قبل ثلاث سنوات، عندما اعتقل شقيقاها أيمن ومحمد بتهمة طعن مستوطن بحي رأس العامود في مدينة القدس.

وتابعت في حديثها للجزيرة نت أن شقيقها الأكبر اعتقل مرتين وتحرر، أما محمد فما زال يقبع في سجون الاحتلال، ويقضي حكما بالسجن سبع سنوات، بينما خضع شقيقها الشهيد للحبس المنزلي 11 شهرا، وأُعيد اعتقاله بعدها ليقضي حكما بالسجن الفعلي عاما ونصف العام، وتحرر من السجون قبل تسعة شهور فقط، ليرتقي شهيدا قبل يومين.

وتستذكر أنوار لحظة دخول أيمن القاعة التي ناقشت فيها مشروع تخرجها في الجامعة قائلة، "عندما رأيت أيمن يدخل القاعة وفي يده باقة ورود اختارها بنفسه ليقدمها لي، شعرت بأنني أسعد إنسانة في العالم، التقطنا الكثير من الصور في ذلك اليوم، ولم أعلم أنها ستصبح مجرد ذكريات، فأنا عاجزة عن تقبل فكرة رحيله نهائيا".

وخلال فترة الحبس المنزلي أُبعد الشهيد عن منزله في حي رأس العامود إلى بلدة سلوان ليمكث في منزل عمّته أم جمعة التي عايشته عن قرب واستطاعت أن تلمس الحس الوطني العالي لديه. وقالت "عاش أيمن متأثرا بالأحداث من حوله وبالوضع السياسي بشكل كبير، فرغم خضوعه للحبس المنزلي كان يصر على الخروج من المنزل كلما اندلعت المواجهات في سلوان، وكنت أمنعه بالقوة بصفتي المسؤولة عن مرافقته على مدار الساعة".

أم جمعة عمّة الشهيد: أيمن نال الشهادة كما تمناها(الجزيرة)
أم جمعة عمّة الشهيد: أيمن نال الشهادة كما تمناها(الجزيرة)

السجن أو الشهادة
وأشارت إلى أن أيمن كان يلتقي شقيقه محمد خلال جلسات محاكمتهما، لكن بعد تحرره لم تسمح له سلطات الاحتلال بزيارة محمد بتاتا بسبب ملفه الأمني، فجاءها يوما وهمس لها بأن أمامه خيارين: إما أن يقوم بعمل ما حتى تعتقله قوات الاحتلال، ليتمكن من رؤية أخيه بالسجن مجددا، وإما أن يستشهد، "ها هو نال الشهادة كما تمناها".

وحسب العمّة، فإن الحماس الذي سيطر على شخصية الشهيد أيمن خلال السنوات الست الأخيرة من حياته، سببه همجية الاحتلال التي شاهدها بأم عينه لأول مرة عندما كان طفلا في العاشرة من عمره، حين اقتحمت قوات الاحتلال المنزل وحطّمت محتوياته لاعتقال شقيقه الأكبر أنور، حينئذ بدأت فكرة مقاومة الاحتلال تتعزز لديه.

كما أن حرمان سلطات الاحتلال للشهيد من حقه في التعليم خلال فترة الحبس المنزلي ولّدت لديه حالة من الحقد على المحتل، إذ استهجن جميع من حوله الجرأة التي تحلّى بها أيمن والثقة العالية بالنفس التي كان يظهر بها أثناء اقتياده لجلسات المحاكمة، مما كان يثير غضب جنود وشرطة الاحتلال.

وترجّح العائلة أن يكون استهداف أيمن دون غيره من الشبان بقنصه مباشرة في الصدر أثناء المواجهات التي اندلعت في رأس العامود، كان مقصودا في محاولة للانتقام والتخلص منه بشكل نهائي.

المصدر : الجزيرة