مجزرة المعمداني.. القصة الكاملة كما يرويها للجزيرة نت دكتور فضل نعيم أحد أطباء المستشفى
قصف مستشفى المعمداني في حي الزيتون (جنوبي قطاع غزة) لم يبدأ الثلاثاء الماضي، فما سبق القصف من أحداث لا يقل أهمية أو فداحة عما تلا ذلك. إذ إن جيش الاحتلال كان مُصرا على قصفه وإخراجه من الخدمة، واستخدم سلاحا خاصا يفتك بالضحايا ويقطع أجسادهم، ولم يراع تكدس النازحين بساحة المستشفى هربا من التهديد الدائم بقصف الأحياء الشعبية القديمة في غزة والمكتظة بالسكان.
والقصة الكاملة لهذه الفاجعة يرويها للجزيرة نت رئيس قسم جراحة العظام بمستشفى المعمداني الدكتور فضل نعيم، الذي كان شاهدا على كل التفاصيل، قائلا إن الأحداث بدأت قبل 3 أيام من القصف الأخير، وتحديدا مساء يوم 14 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، فقد أُطلقت قذيفتان على مبنى العيادات الخارجية ومركز تشخيص السرطان التابعين لمستشفى المعمداني.
ويذكر أن المستشفى الأهلي العربي (المعمداني) يقدم الرعاية الصحية لسكان قطاع غزة، ويتبع للكنيسة الأسقفية الأنجليكانية في القدس، وتأسس نهاية القرن 19 الميلادي على يد البعثة التبشيرية التابعة لإنجلترا، ويقدم خدماته لأقدم أحياء غزة المكتظة بالسكان مثل الشجاعية والزيتون.
أمان زائف
وصباح اليوم التالي (الأحد) ورد اتصال للمدير الطبي يستنكر بقاء المستشفى في العمل، وعدم إخلائه من المرضى والفريق الطبي رغم التحذير بالقصف اليوم السابق "مما يدل على إصرار جيش الاحتلال على قصف هذا المستشفى" وإخراجه من العمل حتى لو تم قصف من لاذوا به.
ولجأت الإدارة الطبية إلى المطران والصليب الأحمر، وحتى السفارة الأميركية تم التواصل معها، وكان القرار أن المستشفى لن يصيبه أذى، ومن ثم استمر في تقديم خدماته.
وبالتوازي مع هذه الأحداث، كانت هناك تحذيرات متعددة من جيش الاحتلال بقصف بعض أحياء غزة، التي تقع في المربع السكني نفسه للمستشفى، مما جعل الأهالي يفرون إلى ساحاته باعتباره أكثر الأماكن أمانا، ولا يمكن أن يفكر جنود الاحتلال في ضربه، خاصة بعد الحديث عن عدم تعرضه للقصف.
يوم الفاجعة
لكن ما حدث يوم الكارثة فاق الوصف، وما يرويه الدكتور نعيم من داخل المستشفى يدل على حجم الفاجعة التي تعرض لها سكان الأحياء الذين احتموا بساحة مستشفى المعمداني، ومثّل ذلك صدمة لهم "فما كنا نعتقد لحظة أن يكون هناك قصف على المستشفى بهذه الطريقة الهمجية".
وفوجئ الدكتور نعيم بصوت الانفجار مساء يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، وللحظة أصيب بالحيرة بين شعور سابق بالأمان داخل المستشفى وواقع الانفجار الذي تناثر معه كل إحساس بأن الاحتلال يتورع عن فعل كل جريمة.
أما الحقائق فكانت أكبر من الصدمة، فأطباء المستشفى فوجئوا بدخول الجرحى عليهم في غرف العمليات، وعمت الفوضى كل شيء، ولم يمض وقت طويل حتى تبين حجم الفاجعة التي أصابت الناس داخل المستشفى وخارجه، فأشلاء الضحايا متناثرة، وأجساد الشهداء تملأ المكان، وإصابات الضحايا مختلطة بالدماء النازفة على الأرض، ونوعية الجروح غير مسبوقة، حسب قول نعيم.
سلاح نوعي
ويقول رئيس قسم العظام بمستشفى المعمداني "الجروح التي أصيب بها الضحايا عبارة عن جروح قطعية، وتشير إلى أن القنبلة التي استخدمت من نوع خاص" والمقصود هو قتل أكبر عدد من الأفراد، و"أنا شاهدت الجروح فكانت كما لو أن هناك سكاكين انفجرت في الجموع وقطعت أجسادهم وأطرافهم" وهذا يدل على أن هذه القذيفة متخصصة في مثل هذه الإصابات.
وأضاف أن القوة التدميرية والنوعية لهذا القصف ما زالت آثارها مستمرة حتى الآن "فأمس صباحا (الأربعاء) وجدنا جثة طفل فوق أحد أسطح المستشفى، وفي المساء وجدنا جثة طفل آخر في الكنيسة الموجودة داخل المستشفى، ووجدنا رؤوس أطفال فوق المباني".
ولا تقف مأساة الدكتور نعيم وزملائه عند أبعادها المباشرة بوصفهم من سكان مدينة غزة ويتعرضون معها للقصف، بل تأخذ أبعادا إنسانية أخرى، فيقول "المذبحة التي حدثت لم نشاهد في حياتنا مثلها، ولن ننساها، لأن بعض أبناء وأزواج أهالي العاملين بالمستشفى موجودون داخله، ونحن في لحظة الحدث لم يكن المصاب من النازحين من خارج المستشفى فقط لكن أسرنا أيضا كانت في الداخل بحثا عن الأمان، فكانت مشاعرنا مشتتة بين واجبنا الإنساني في إنقاذ الناس، ومشاعرنا وعواطفنا نحو أهلنا الذين قد يكون من بينهم شهداء وجرحى".
وارتكبت إسرائيل واحدة من أبشع المجازر في القطاع المحاصر، إذ استهدفت بالقصف مستشفى المعمداني، مما أدى إلى استشهاد أكثر من 500 فلسطيني، أغلبهم من النساء والأطفال الذين اتخذوا من المستشفى ملجأ آمنا من الغارات الإسرائيلية.