المشهد الميداني يزداد تعقيدا.. 6 أسئلة وأجوبتها بشأن التطورات العسكرية شمالي سوريا

ريف حلب - مثلت سيطرة هيئة تحرير الشام على مدينة عفرين حدثا بارزا في مسار الاقتتال الفصائلي المشتعل بالشمال السوري
سيطرة هيئة تحرير الشام على مدينة عفرين مثلت حدثا بارزا في مسار الاقتتال الفصائلي (الجزيرة)

شمال سوريا- يوما بعد يوم، يزداد المشهد تعقيدا شمال غربي سوريا، بعد تطورات ميدانية متلاحقة تمثلت في تقدم "هيئة تحرير الشام" إلى مناطق بريف حلب يطلق عليها "درع الفرات"، نسبة لاسم عملية عسكرية سبق أن نفذتها تركيا هناك.

وتأتي التطورات الميدانية وسط تحذيرات من أن يكون وجود "تحرير الشام" ذريعة ومبررا لقصف روسيا تلك المناطق تحت مسمى "محاربة الإرهاب".

والتقدم العسكري لـ"تحرير الشام" في ريف حلب -على حساب الجيش الوطني السوري (فصائل المعارضة)- يُقابل برفض من الأهالي واستنكار للاقتتال بين الأطراف العسكرية التي ينظر إليها على أنها تمثل القوى العسكرية المعارضة للنظام السوري.

تحاول الجزيرة نت في هذا التقرير طرح مجموعة من الأسئلة والإجابة عنها، لفهم ماذا يحدث في الشمال السوري من تداعيات ميدانية، والأسباب التي دفعت إلى هذا المشهد المعقد، خصوصا مسألة التموضع الجديد لـ"هيئة تحرير الشام" وتمددها شرقا نحو ريف حلب.

ما الفرق بين فصائل المعارضة السورية المسلحة و"هيئة تحرير الشام"؟

على عكس فصائل المعارضة السورية المسلحة، تصنف "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقا) على قوائم الإرهاب الدولية من قبل كل من الولايات المتحدة وتركيا وكندا وأستراليا، رغم أن "تحرير الشام" تنفي الأمر مرارا وتعتبر نفسها فصيلا عسكريا معارضا للنظام السوري.

من جهتهم، الذين يتهمون "هيئة تحرير الشام" بالإرهاب يجادلون بأنها الفرع السوري لتنظيم القاعدة، وأن قادتها وكوادرها الحاليين من مكونات "جبهة النصرة" المنحلة. كما أن منشقين عن "تحرير الشام" يتهمون مؤخرا زعيمها أبو محمد الجولاني بتملق الغرب ومحاولة تلميع صورته وصورة فصيله أمام المجتمع الدولي، من خلال تطورات بارزة شهدتها إدلب معقل "تحرير الشام" الرئيسي، واحتفالات نادرة لمن تبقى من مسيحيي إدلب، ولقاءات مع دروز المنطقة للحديث عن مشاكلهم وهمومهم.

في الحرب السورية، تتذرع روسيا أيضا بأن "تحرير الشام" ليست ضمن فصائل المعارضة المعتدلة، وتطالب تركيا الدولة الضامنة لاتفاقات المنطقة، والحليف الأبرز للمعارضة السورية بإخراج "تحرير الشام" من المشهد السوري، وتتخذها وسيلة لقصف شمال غربي سوريا بالطيران الحربي بين الحين والآخر.

ما المناطق التي تسيطر عليها "هيئة تحرير الشام" شمالي سوريا؟

تسيطر "هيئة تحرير الشام" على مدينة إدلب المعقل الرئيسي لها وأجزاء واسعة من ريفي إدلب الشمالي والغربي وحلب الغربي واللاذقية، وتعتبر "حكومة الإنقاذ السورية" -المشكلة في نوفمبر/تشرين الثاني 2017- الواجهة السياسية للهيئة في شمال غربي سوريا، وهي الحكومة الثانية التي تمثل المعارضة بعد "الحكومة السورية المؤقتة".

شكل ظهور حكومة الإنقاذ امتعاضا لدى الحكومة السورية المؤقتة، إذ رفضت الأخيرة الاعتراف بالأولى، متهمة إياها بشق صف المعارضة وتحويل إدلب إلى دولة مستقلة منفصلة عن مناطق سيطرة المعارضة السورية.

كيف بدأ الاقتتال الأخير بين فصائل الجيش الوطني السوري وتدخل "هيئة تحرير الشام" فيه؟

في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، اغتيل الناشط الإعلامي محمد أبو غنوم وسط مدينة الباب بريف حلب الشرقي، وخلال يومين من التقصي والبحث في كاميرات المراقبة توصلت الشرطة العسكرية والفيلق الثالث في "الجيش الوطني السوري" إلى الفاعلين.

أظهرت التحريات والاعترافات أن منفذي اغتيال غنوم عناصر يتبعون لـ"فرقة الحمزة"، وكانوا تلقوا أوامر من قادة فيها باغتيال غنوم، ولدى اعتقال المتورطين الثلاثة تحول المشهد إلى توتر عسكري بين الطرفين (الفيلق الثالث والحمزة).

تسببت حادثة الاغتيال في غليان شعبي بالمنطقة، مما دفع "الفيلق الثالث" إلى قرار إنهاء الوجود العسكري لـ"فرقة الحمزة" في مدينة الباب وريف حلب بالعموم، لتورط عناصر تابعة لها في الاغتيال، وبدأت عمليات عسكرية واسعة بين الطرفين.

في الأثناء، وبشكل مفاجئ أرسلت "هيئة تحرير الشام" حشودا عسكرية من إدلب عبرت معبر الغزاوية (الفاصل بين مناطق سيطرتها في إدلب ومناطق سيطرة "الجيش الوطني السوري" في حلب) معلنة أنها دخلت إلى المنطقة لإنهاء الاقتتال وإعادة الأمن، قبل أن تتحول إلى طرف يقاتل "الفيلق الثالث" ويجعله ينسحب من مدينة عفرين.

ويرى الكاتب الصحفي السوري أحمد أبو صالح، أن تدخل "تحرير الشام" لم يكن مفاجئا، "وهو أمر طبيعي أن تستفيد من الظرف الأمني الطارئ، لإثبات نفسها قوة عسكرية تستطيع ضبط الأمور وتحقق الأمن في المنطقة".

وقال أبو صالح -في حديث للجزيرة نت- إن "تحرير الشام" سيطرت على عفرين، لكونها بوابة رئيسية على ريف حلب ومن أهم مدن شمال غربي سوريا من الناحية الإستراتيجية والعسكرية، غير أنها مدينة ذات غالبية كردية.

ما أسباب ودوافع توغل "هيئة تحرير الشام" في ريف حلب؟

كثرت التكهنات والتحليلات العسكرية بشأن التقدم العسكري لهيئة "تحرير الشام"، وثارت تساؤلات حول إذا ما حصلت على ضوء أخضر تركي أو ربما دولي، لانتزاع زمام المبادرة ومحاولة تكوين جبهة عسكرية وتنظيم إداري جديد موحد للمعارضة في شمال غربي سوريا تحت قيادتها، بعد سنوات من الفوضى الأمنية التي تعيشها المنطقة.

لكن خبراء ومحللين عسكريين أجمعوا أن لدى "تحرير الشام" رغبة في لعب أدوار سياسية جديدة في المنطقة وعدم الاكتفاء بحصر السيطرة في إدلب، وفي سبيل ذلك استغلت الاقتتال بين فصائل المعارضة السورية الأخير.

ووفق الباحث في مركز "جسور للدراسات" وائل علوان، فإن "هيئة تحرير الشام" تحاول منذ سنوات مد نفوذها الأمني والاقتصادي إلى حلب، ورأت في النزاع الأخير بين "الفيلق الثالث" و"فرقة الحمزة" فرصة لتوسيع وتثبيت هذه المصالح بإعلان الشراكة ضد "الفيلق الثالث" والدخول المباشر والسيطرة على منطقة واسعة جغرافيا.

في حين يرى العميد المنشق عن جيش النظام، أحمد رحال، أن الاقتتال ودخول تحرير الشام يندرج ضمن الصراع على المعابر التجارية والحواجز بين مناطق السيطرة في سوريا، والاستيلاء على المكاسب الاقتصادية من مزارع الزيتون والأشجار.

ويصف رحال ما يحدث بأنه صراع بين "أمراء الحرب" في سوريا وتصفيات حسابات قديمة بينهم، رافضا أن تتم تسمية فصائل المعارضة بـ"الجيش الوطني السوري"، مؤكدا أنه حذر من هذا الصراع في وقت سابق.

عمر يوسف - سوريا - ريف حلب- يعزو محللون تصاعد الخلاف إلى تفكك فصائل الجيش الوطني واستغلال هيئة تحرير الشام الخلاف لتحقيق مكاسب خاصة
تفكك فصائل المعارضة السورية مكّن هيئة تحرير الشام من تحقيق مكاسب خاصة (الجزيرة)

ما السيناريوهات المتوقعة القادمة للشمال السوري في ظل الاقتتال العسكري والمشهد الحالي؟

حتى لحظة تحرير التقرير، تمكنت "تحرير الشام" من السيطرة على مناطق في محيط مدينة عفرين وانتزعتها من "الفيلق الثالث"، من أبرزها بلدة كفر جنة، بعد انهيار اتفاق وصف بأنه هش وغير متماسك.

وبين اتفاق تهدئة وعودة الاقتتال، يرسم تدخل "هيئة تحرير الشام" شكلا جديدا لمناطق النفوذ في شمال غربي سوريا، لا سيما أن الاتفاق بين الطرفين سمح للهيئة بإدارة المنطقة تحت إدارة عسكرية موحدة، إضافة إلى حصول "الهيئة" على عائدات مالية من كل المعابر مع "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) والمعابر الأخرى مع الجانب التركي.

ويعتقد الباحث علوان أن المنطقة أمام سيناريوهين اثنين: الأول -وهو المرجح- أن تنسحب "تحرير الشام" من المناطق التي سيطرت عليها بعد تدخل تركي للضغط عليها وإخراجها من مناطق ريف حلب، مقابل أن تضمن سيطرة شركاء لها في المناطق التي سوف تنسحب منها.

أما السيناريو الثاني، حسب علوان، فهو أن تبقى "تحرير الشام" في ريف حلب وتقوم بإدارة المناطق التي تقدمت إليها، وفق مضمون الاتفاق الأخير من "الفيلق الثالث" في الجيش الوطني السوري الذي تدعمه تركيا.

كيف يبدو الموقف الشعبي في مناطق ريف حلب من تدخل "هيئة تحرير الشام"؟

قابل أهالي ريف حلب -لا سيما مناطق أعزاز والباب- التدخل العسكري لهيئة "تحرير الشام" بالرفض والمظاهرات الشعبية الغاضبة منذ تحريك قواتها نحو المنطقة، وسط مخاوف -تحدث عنها السكان- تتعلق بوجود الهيئة على الأرض.

ويلخص الناشط الإعلامي من أعزاز، عبد القادري عزيزي، مخاوف الأهالي بأنها تتمثل في تعرض المنطقة للقصف الروسي، لاعتبار موسكو "تحرير الشام" تنظيما إرهابيا، متحدثا عن انتهاكات موثقة قامت بها "تحرير الشام" بحق مدنيين وإعلاميين في مناطق سيطرتها.

وقال عزيزي -في حديث للجزيرة نت- إن روسيا قصفت محيط أعزاز بعد يومين من تحول المشهد ودخول "تحرير الشام"، وهو الأمر الذي لم يحدث خلال السنوات الماضية.

المصدر : الجزيرة