الصحف الورقية بالسودان تدفع ثمن إغلاق جسور العاصمة

بعد إغلاق كورونا.. الصحف الورقية تدفع ثمن إغلاق جسور العاصمة السودانية
تصدر معظم الصحف السودانية وتوزع في الخرطوم باستثناء بعض المطبوعات ذات الطابع الإقليمي (الجزيرة)

الخرطوم- ما إن بدأت الصحف الورقية في السودان رحلة التعافي من تبعات الإغلاق الذي فرضته جائحة كورونا، حتى وجدت نفسها أمام معاناة جديدة متمثلة في إغلاق الجسور وقطع خدمتي الاتصالات والإنترنت بالعاصمة الخرطوم، بالتزامن مع أيام التحركات الاحتجاجية المُنددة بإجراءات الجيش.

وللمفارقة، فإن الإغلاق الذي تفرضه السلطات، سواء أكان لمكافحة كوفيد-19 أو لتطويق الحراك الاحتجاجي الذي انطلق في أكتوبر/تشرين الأول 2021، تدفع ثمنه الصحف الورقية بحرمان وصولها إلى أيدي قرائها الذين تتناقص أعدادهم بشكلٍ كبيرٍ، كما تبين أرقام التوزيع السنوية الصادرة عن مجلس الصحافة والمطبوعات.

إغلاق أمني

مؤخرا، درجت السلطات السودانية على إغلاق الجسور الواصلة إلى قلب العاصمة الخرطوم من مدينتي بحري أم درمان، للحيلولة دون وصول المحتجين إلى القصر الرئاسي وسط العاصمة.

وتتكون العاصمة السودانية من 3 مدن رئيسة، يتوسطها -تقريبا- قصر الرئاسة، على مقربة من ملتقى النيلين الفاصل بين الخرطوم وبحري وأم درمان.

وجراء مساعي السلطات لحجز الاحتجاجات ومنعها من الوصول إلى وسط الخرطوم، تعجز كثير من الصحف عن الوصول إلى المطابع، وإن تخطت ذلك فستكون أمام عقبة الوصول إلى منافذ التوزيع، وليس نهايةً بعجز طواقمها عن الوصول إلى مقار عملهم الكائن معظمها في وسط الخرطوم، وفي محيط القصر الرئاسي الذي يعد الوجهة المفضلة للمحتجين.

حقائق عن الصحف

تصدر معظم الصحف السودانية وتوزع في الخرطوم، باستثناء بعض المطبوعات ذات الطابع الإقليمي، ولا تتجاوز أصابع اليد، كما في مدينتي بورتسودان ومدني.

وتواصل صحف: "السوداني، والجريدة، والتيار، وأخبار اليوم، والانتباهة، والصيحة، واليوم التالي"، الصدور رغم الظروف الاقتصادية الصعبة للصحف والصحفيين، على عكس صحف: "المجهر السياسي، والأخبار، والمستقلة، والرأي العام" التي غلبها الصمود.

وتشهد الصحف هجرة كبيرة لكادرها المميز جراء تدني الأجور، حيث لا يتعدى أجر الصحفي في بعض الحالات 10 آلاف جنيه (حوالي 22 دولارا).

عطاف محمد مختار - صورة بعث بها للجزيرة نت
عطاف محمد مختار يرى أن أزمة الصحافة الورقية في السودان سياسية بشكل كبير (الجزيرة)

مهنة في محنة

ويجزم رئيس تحرير صحيفة "السوداني" عطاف محمد مختار بأن أزمة الصحافة الورقية في السودان سياسية بشكلٍ كبير.

وشكا عطاف -في حديثه للجزيرة نت- من زهد كافة الحكومات بما في ذلك الديمقراطية منها في مأسسة الصحف، خشية من سلطاتها، مع اللجوء لاستخدام أدوات الترغيب تارة (الإعلانات)، والترهيب في تاراتٍ أخرى (الإغلاق والملاحقات القضائية).

وقال مقاربا أحوال الصحافة قبل وبعد 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، "إن كانت هذه معاناتنا في الحقب الديمقراطية، فما بالك والصحافة ترزح تحت نير نظام شمولي عسكري"، وفقا لمختار.

ونبّه إلى أن "مشكلاتهم الراهنة أكبر من مسألة إغلاق الجسور، وتمتد إلى رفع الدولة يدها عن تقديم أي دعم للصحف، مع فرض الضرائب والرسوم العالية على مدخلات صناعة الصحف، فضلا عن تأثيرات إغلاق موانئ شرق السودان، مما يحول دون وصول الورق إلى المطابع، وليس نهاية بمشكلة التضييق على الحريات والقمع الذي يتعرض له الصحفيون، خاصةً إبان تغطيتهم للاحتجاجات".

وبالعودة إلى مسألة إغلاق الجسور، يشكو عطاف من خسائر فادحة تتكبدها الصحف، جراء احتجابها لعدة أيام في الأسبوع، تارة لعجز الصحفيين وعمال المطابع ووكلاء التوزيع عن الوصول إلى مقار عملهم، وأخرى لصعوبات تتصل بعجز الصحفيين عن إنجاز مهامهم المطلوبة جراء حجب خدمتي الاتصالات والإنترنت.

ولم يخفِ عطاف خشيته من أن تخرج عدة صحف من السوق السودانية خلال العام الجاري، نتيجة تراكم خسائرها بشكلٍ مستمر.

أيام الإغلاق

"لا نصدر في يوم الإغلاق، ولا في اليوم السابق له"، بهذه العبارة وصف مدير تحرير صحيفة "الانتباهة" معتز محجوب أحوالهم مع إغلاق الجسور وحجب خدمتي الاتصالات والإنترنت، أيام الاحتجاجات.

وشدد معتز على أن "إغلاق الجسور يحول دون مزاولة الصحفيين أعمالهم، وإغلاق الاتصالات يحرمهم من حقهم في الوصول إلى المعلومات ونشرها، في وقتٍ تتنامى فيه الشائعات والمواقع المجهولة أو المملوكة لجهات أجنبية ذات أجندات ومصالح".

وقال للجزيرة نت إن حجب الإنترنت والإغلاق يدفعهم إلى عدم الصدور بالمرة، أو تقليل النسخ المطبوعة وتوزيعها على الولايات خارج الخرطوم، تلافيا للخسائر.

وينظر معتز لمسألة الإغلاق بشكل أكثر اتساعا، إذ يحذر من أن يؤدي عدم الانتظام في الصدور إلى وقف عائدات الإعلان التي تعد من أهم دعامات الصحف اقتصاديا.

معضلة التوزيع

ويقول محمد كمال وهو موظف في إحدى شركات التوزيع، إن الخرطوم وحدها تحوز نسبة 80% من توزيع الصحف.

ويصل عدد سكان البلاد لأكثر من 43 مليون نسمة، بحسب إحصاءات صادرة عن البنك الدولي، وتحتل الخرطوم صدارة الولايات السودانية من حيث الكثافة السكانية، وتتوقع تقديرات غير رسمية عن النمو السكاني أن يكون عدد سكانها وصل إلى 12 مليون نسمة حاليا.

وقال كمال للجزيرة نت إن الإغلاق أدى لانخفاض هذه النسبة إلى 65%، ذلك في حال التمكن -في الأصل- من طباعة الصحف، مشيرا إلى أن رفع سعر نسخة الصحيفة من 90 إلى 180 جنيهاً، وهدم أكثر من 300 مكتبة وكشك خلال السنوات الماضية، وعدم انتظام صدور الصحف، كلها أسباب قادت لتراجع التوزيع بنسبة كبيرة.

أما عبد الله حسن صاحب مكتبة "المدارس" في ضاحية الكدرو شماليّ الخرطوم، فيؤكد للجزيرة نت أن قراء الصحف الورقية في تناقص مستمر، وهو الأمر الذي فاقمه احتجاب كثير من الصحف عن الصدور جراء إغلاق الجسور.

وبحسب تقديرات غير رسمية، فإن توزيع الصحف مجتمعة تراجع إلى حوالي 30 إلى 35 ألف نسخة يوميا.

الحلول

ويشدد رئيس تحرير صحيفة "السوداني" عطاف محمد مختار، على أنّ من "مصلحة الصحف رحيل النظام العسكري لصالح إقامة نظام مدني ديمقراطي"، وفقا لمختار.

ولكن حتى ذلك الوقت، يقول عطاف بضرورة استمرار الصحفيين في القتال لخلق واقع أفضل لهم ولبلادهم، مع المسارعة في تناسي خلافاتهم لصالح تكوين جسم نقابي مُهاب الجانب يدافع عن حقوقهم.

أما مدير تحرير "الانتباهة" معتز محجوب، فيرى ضرورة أن يسمح للصحفيين والصحف بعبور الجسور في أوقات الإغلاق، شأنهم في ذلك شأن سيارات الإسعاف.

بدوره، يرفع الموظف في إحدى شركات التوزيع محمد كمال "الراية البيضاء"، ويقول من واقع ما لديه من أرقام "آن للصحف أن تتحول إلى منصات إلكترونية".

المصدر : الجزيرة