الفلسطينية خالدة جرار.. حبيسة الأسر والفقد تستنشق الحرية

خالدة جرار اعتقلت 4 مرات لدى الاحتلال الإسرائيلي وقضت بموجبها عدة سنوات في السجون أغلبها في الحبس الإداري دون تهمة أو تحديد سقف زمني كموعد للإفراج.

سلطات الاحتلال الإسرائيلي تطلق سراح الأسيرة خالدة جرار بعد عامين من الاعتقال (الجزيرة)

نابلس– متشحة بزيها الأسود وبشيء من التعب والإرهاق الذي ظهر عليها بدت الأسيرة الفلسطينية خالدة جرار فور تحررها من سجون الاحتلال الإسرائيلي بعد اعتقال استمر عامين، فقدت خلالها ابنتها وفلذة كبدها سهى (31 عاما) التي توفيت في يوليو/ تموز الماضي إثر نوبة قلبية مفاجئة.

وقرابة الساعة الثانية بعد ظهر أمس الأحد، أطلقت سلطات سجن الدامون الإسرائيلي، حيث تحتجز إسرائيل الأسيرات الفلسطينيات، سراح الأسيرة جرار القيادية بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعد إنهاء حكم بالسجن لعامين.

وعند حاجز سالم العسكري (شمال الضفة الغربية) أفرج عنها وسط حضور كبير من ذويها وأسيرات وأسرى محررين وصديقات ابنتها سهى.

من السجن إلى القبر

وكأن مشهد الموت يعيد نفسه مع الأسيرة جرار وليس السجن وآهاته فحسب، وتتشابه الظروف الآن لحد كبير مع ما عاشته جرار عام 2019 حين الإفراج عنها بعد اعتقال لنحو عامين أيضا، آنذاك كان خط سيرها من السجن نحو مقبرة نابلس حيث يرقد والدها الذي توفي وهي في المعتقل.

وتتكرر الحكاية الآن لتخرج خالدة من السجن قاصدة قبر ابنتها أو "طفلتها الصغيرة" كما كانت تناديها بمقبرة رام الله الجديدة، حيث ووري جثمانها الثرى هناك قبل أكثر من شهرين.

وقالت الأسيرة المحررة للجزيرة نت أمام قبر ابنتها "الاحتلال لا يستطيع أن يكسر إرادة شعبنا ونيل الحرية مهما حصل، الاحتلال غير الإنساني يعتقد أننا غير إنسانيين، نحن حينما نبكي لأننا إنسانيون ولأن لدينا إرادة، وطالما أن لدينا إرادة وطوال ما هنالك شعب فلسطيني حي وطالما هنام أحرار في العالم كله من أجل تحرير الإنسانية وتحرير الشعب الفلسطيني من الاحتلال، لا أعتقد أنهم يستطيعون كسر إرادة أي أحد، لأننا نحن الأكثر إنسانية، ودموعنا هي دموع لأننا إنسانيون وهم غير إنسانيون لا يفهمون هذه المشاعر، أما الإرادة فهي تستمد من هذا الشعب الذي ضحى لسنوات طويلة لنيل حريته".

هذا الحزن والألم على الفراق رغم فرحة الإفراج تصفه سلام جرار شقيقة خالدة "بالقاسي جدا"، وتعذَّر معه كل شيء حتى حديثنا الصحفي مع خالدة ولو لثوان معدودة، فالوضع الصحي لم يسعفها.

وتقول الشقيقة جرار للجزيرة نت إن خالدة ورغم مصابها الأليم خرجت بمعنويات عالية، وإن لقاء صديقات ابنتها سهى اللواتي حضرن جميعا للحاجز واحتضننها كما كانت تفعل سهى بكل استقبال بدد كل مظاهر الحزن.

وتضيف أنه وفي تلك اللحظة وعند حاجز سالم العسكري الإسرائيلي حيث جنود الاحتلال يرقبون المشهد من بعد، اختلطت المشاعر بين فرح الإفراج من الأسر القاهر والاحتضان الشعبي والأسري والتضامن مع خالدة التي صمدت أمام صعوبة الموقف.

خالدة جرار رغم مصابها الأليم بوفاة ابنتها خرجت بمعنويات عالية (الجزيرة)
خالدة جرار رغم مصابها الأليم بوفاة ابنتها خرجت بمعنويات عالية (الجزيرة)

 

أين سهى؟

"والغائب الوحيد في هذه المرة كانت سهى" تقول سلام جرار، خاصة أنها اعتادت استقبال أمها عقب الإفراج عنها باعتقالاتها الماضية، واليوم تسترسل سلام بنبرة طغى عليها الحزن "حلقت عيون شقيقتي خالدة بحثا عن سهى ولم تجدها فبكت بحرقة، وحينها ضممنها صديقاتها وقبلنها نيابة عن أميرتها النائمة".

ولم تر سلام -كما تقول- أختا وأما جبارة وبمعنويات تعانق السماء كشقيقتها خالدة؛ فقد تحملت ظلم السجَّان والفقدان معا، ففي اعتقالها السابق 2017 توفي والدها وهي بالأسر، والآن فقدت سهى التي تركت دراستها بالخارج لتقف لجانب أمها الأسيرة ولكنها لم ترها منذ عامين ونصف.

ومن حاجز سالم العسكري نقلت جرار إلى منزل عائلة زوجها بمدينة جنين (شمال الضفة الغربية) لترتاح قليلا وتستقبل المعزين بابنتها، ومن ثم انطلق موكبها نحو مدينة رام الله (وسط الضفة الغربية) وبالتحديد إلى مقبرتها الجديدة حيث ستضع خالدة "الورد على قبر ابنتها سهى وتلقي عليها قبلة" تقول سلام جرار.

واعتقلت خالدة جرار المتحدرة من مدينة نابلس 4 مرات لدى الاحتلال الإسرائيلي، وقضت بموجبها سنوات عدة في سجون الاحتلال أغلبها في الحبس الإداري دون تهمة أو تحديد سقف زمني كموعد للإفراج، وفقدت والدها وابنتها خلاله.

وحول وضع الأسيرة الصحي، قالت سلام إن شقيقتها أصيبت بمرض "الضغط العالي" عقب وفاة ابنتها وأجريت لها فحوصات طبية تم بموجبها تغيير أدويتها القديمة، كما تناقص وزنها عدة كيلوغرامات، أما معنوياتها فهي عالية جدا.

الإفراج عن خالدة جرار تزامن مع ارتقاء 5 شهداء فلسطينيين في الضفة الغربية (الجزيرة)

 

قساوة المشهد

ويقول عمر نزَّال، وهو أحد الأصدقاء المقربين من خالدة وكان باستقبالها، إن خالدة خرجت قوية منتصرة على السجَّان رغم حزنها وجرحها الغائر بوفاة سهى.

وأضاف نزال في حديثه للجزيرة نت أن خالدة كانت دائما قوية وقائدة تستوعب كل الظروف حولها، لكن هذه اللحظة قاسية عليها كإنسانة، ورغم ذلك فإن دموعها لا تعني أنها ضعيفة بل ستكون أقوى من الاحتلال.

وردت خالدة جرار على الاحتلال الإسرائيلي عندما رفض الإفراج عنها للمشاركة بتشييع ابنتها بقولها في رسالة لها وصلت الجزيرة نت حينها "حرموني من وداعك بقبلة، أودّعك بوردة، فراقك موجع، موجع، ولكنّي قوية كقوة جبال وطني الحبيب".

ويقبع في سجن الدامون الإسرائيلي أكثر من 40 أسيرة فلسطينية، توصف أوضاعهن بأنها قاسية وصعبة، حيث يتعرضن لقمع الاحتلال باستمرار، الذي يقتحم غرفهن ويجري عمليات تفتيش وينصب كاميرات في الساحات العامة ويضيق عليهن في أبسط احتياجاتهن.

الفقد مرتين

والفقد -كما يراه زاهر الششتري عضو القيادة السياسية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- رفيق الأسرى الفلسطينيين على مر التاريخ، وأن خالدة عاشته مرتين، لكنه برر ذلك بقوله إن هذه هي حياة المناضلين الفلسطينيين والمناضلات.

ورغم أنها "شخصية رقيقة" بوصف الششتري لخالدة جرار، فإنها "عنيدة" تجاوزت صعابا كثيرة ومرت بتجارب قاسية، وأن هذا ظهر بطلبها من أقاربها أن يقفوا لجانب زوجها، وطلبت منه أن يتحمل ويصبر على فاجعة فقد ابنته.

وخالدة جرار من أبرز الرموز السياسية والمجتمعية الفلسطينية، وقد شغلت مناصب عدة في مؤسسات المجتمع المدني، وانتخبت نائبة في المجلس التشريعي عام 2006، وشغلت فيه مسؤولة ملف الأسرى.

وتزامن الإفراج عن خالدة جرار مع ارتقاء 5 شهداء فلسطينيين في الضفة الغربية برصاص الاحتلال فجر يوم الأحد، ورغم ذلك تناولت مواقع التواصل الاجتماعي الحدثين.

المصدر : الجزيرة