هذه قصص عاشها عمداء فلسطينيون.. كيف تُمضي 20 عاما في سجون الاحتلال؟

صور تجمع من اليمين الأسير خالد الأزرق الذي أمضى قرابة 30 عاما في السجون، بجانبه الأسير عدنان الأفندي وبجانبه الأسير خالد عساكرة، ومن يمين الصور الأسير رزق صلاح الذي أمضى 21 عاما في سجون الاحتلال/ المصدر: صفحات التواصل.
صورى تجمع أسرى قدماء بينهم خالد الأزرق وعدنان الأفندي وخالد عساكرة (مواقع التواصل الاجتماعي)

بيت لحم – نصف ما مر من عمره أمضاه الأسير الفلسطيني المحرر خالد عساكرة 45 عاما، من بيت لحم جنوب الضفة الغربية المحتلة، داخل السجون الاحتلال الإسرائيلي، قبل الإفراج عنه في صفقة سياسية بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو السابق عام 2014.

يصف عساكرة سنوات اعتقاله بأنها مزيج من مشاعر مختلطة، بين يأس تارة، وتحد وصمود تارة أخرى، وبين تفاعل مع الأحداث التي تدور في الخارج، وبين تفاصيل الحياة داخل السجن. ولكن، في النهاية، كان الشعور الدائم للأسرى المحكومين بسنوات طوال داخل السجن أنهم أصحاب قضية عادلة.

يتوسط الصورة الأسير المحرر خالد عساكرة في إحدى المناسبات الوطنية في بيت لحم والتي لم يتوقف بالمشاركة فيها بعد تحرره. المصدر: صفحات التواصل.
يتوسط الصورة الأسير المحرر خالد عساكرة في إحدى المناسبات الوطنية في بيت لحم (ناشطون)

تذوب المصالح

لا تنتهي القصة لحظة الاعتقال، كما يعتقد البعض، بل تمتد سنوات من التحقيق المستمر عن نشاطات خارج السجن، وبعدها يأتي الحكم بسنوات طويلة، وقد تذهب إلى تحقيقات عن أنشطة داخل السجن بعد ذلك، فضلا عن العزل الانفرادي الذي يعاقب به الأسير سنوات لوحده، فكيف لك أن تتخيل حالة هذا الإنسان النفسية؟ يتساءل عساكرة.

تذوب المصالح في المعتقلات، فالعلاقة أخوية قوية متينة لا يوجد فيها سوى الإجماع على أن الاعتقال كان لأجل الوطن والقضية والتضحية، وهو شعور رفيع يرافق الأسير طوال سنوات الاعتقال، ويقول عساكرة للجزيرة نت إن الأسير الفلسطيني عندما يمضى زهرة شبابه فهو يقدم أغلى ما يملك، لذلك يبقى رمزا للاحترام والتقدير من أبناء شعبه وأمته.

ولكن الأحداث التي تكون خارج السجن لها وقع أكبر على الأسير، سواء على المستوى العام أو الشخصي؛ ففقدان الأب أو الأم، أو أحد الأعزاء صعب جدا وأنت حولهم، فكيف الحال إذا كنت محروما من لحظة وداع أخيرة لن تأتي بعد ذلك ولن تعوض، ولكن تعاضد الأسرى يشد من عزيمتهم في النهاية، حسب عساكرة.

من اليمين ثانيا الأسير المحرر عدنان الأفندي عندما تخرج حاملا شهادة الماجستير بعد تحرره من السجن، يرافقه أسرى أمضوا قرابة
من اليمين ثانيا عدنان الأفندي عندما تخرج حاملا شهادة الماجستير بعد تحرره من السجن، يرافقه أسرى أمضوا مددا طويلة  (ناشطون)

دراسات عليا

أمضى الأسير عدنان الأفندي، من مخيم الدهيشة جنوب بيت لحم، 22 عاما داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي قبل الإفراج عنه في الصفقة السياسية ذاتها عام 2014.

تزوج الأفندي بعد الإفراج عنه وهو في عمر 42 عاما، وله اليوم ابنان وبنت، يشعر أنهما أقرب لأحفاده، ولكنه غير نادم على كل شيء حصل معه، فالرجل كما مئات الأسرى داخل المعتقلات لم يرضخوا لإرادة السجان بقتل معنوياتهم وروح الأمل فيهم، كما يقول، لذلك حمل شهادة البكالوريوس من الجامعة العبرية المفتوحة التي كان التعليم متاحا فيها للأسرى، وعندما تحرر أكمل دراسة الماجستير، وهو اليوم محاضر غير متفرغ في إحدى الجامعات الفلسطينية، ويخطط لحمل شهادة الدكتوراه.

يقول الأفندي للجزيرة نت، إن الاحتلال يريد الأسير الفلسطيني عبرة لغيره، بسلب حريته ومحاولة كسر عزيمته وبالضغط النفسي والجسدي عليه حتى يستسلم له، ولكن هذا ما لم يكن، بل بالعكس، فالأسرى المحكومون بسنوات طويلة لهم برامج وفعاليات داخل المعتقلات، ليس منة من الاحتلال بل بصمودهم وتحديهم له، ورضوخه لمطالبهم رغما عنه وخشية من تصعيدهم.

مئات الأسرى الفلسطينيين أكملوا التعليم الثانوي وحملوا الشهادات الجامعية داخل السجون، ومعظم الذين تحرروا بعد سنوات طويلة أكملوا دراستهم وبدؤوا بحياتهم وكأنهم بعثوا من جديد.

ويقول الأفندي إن الأسير يشعر بالأذى واليأس في كثير من المحطات، ولكن في النهاية لا مناص إلا بالتحدي والصمود والتعاضد والتآخي داخل المعتقلات، التي يشد فيها الأسرى من عزيمتهم بل ويرفعون معنويات شعبهم، للدفاع عن أنفسهم في وجه المحتل الذي بدأت المعركة أصلا لإخراجه، ويجب أن يبقى الهدف كما هو.

صفقة أو حل سياسي

لم تنته قصتنا هنا، فهؤلاء الفلسطينيون تحرروا من سجون الاحتلال، ولكن، تقول المؤسسات الفلسطينية المعنية بشؤون الأسرى في آخر إحصائياتها إن 99 فلسطينيا، أمضوا اليوم أكثر من 20 عاما داخل سجون الاحتلال، ويعرفهم الفلسطينيون بأنهم "عمداء الأسرى"، بل منهم من وصفه الناطق الإعلامي باسم هيئة شؤون الأسرى والمحررين حسن عبد ربه، بأنهم ضمن فئة "جنرالات الأسرى" الذين تجاوزوا 30 عاما داخل المعتقلات.

يقول عبد ربه للجزيرة نت إن مئات من الأسرى محكومون بأحكام عالية، وخاصة بعد انتفاضة الأقصى عام 2000، وكل شهر تقريبا يدخل أسير أو أكثر عامه الــ 20 في السجن، ولا أمل لهؤلاء إلا بالصبر والصمود، أو انتظار إحدى خيارين، إما تحرك سياسي ينهي اعتقالهم كما حدث عام 2014، أو من خلال صفقة تبادل أسرى مع المقاومة الفلسطينية.

والخياران للمتابع لتاريخ القضية الفلسطينية، وفق عبد ربه، يأخذان سنوات طويلة جدا، تزيد من معاناة هؤلاء داخل المعتقلات، ولكن لا خيار أمامهم سوى تحدي السجان الذي يريدهم عالة على مجتمعهم، من خلال الضغط العائلي عليهم والتفتيشات والاقتحامات المستمرة داخل السجون، والتنكيل بالأهل ومنعهم من الزيارة، وحرمانهم من الاتصال والتواصل معهم، خاصة في حالات الوفاة أو الفقد، أو حتى المناسبات السعيدة.

ولكنهم -حسب عبد ربه- أثبتوا أنهم في كثير من المحطات الهامة في التاريخ الفلسطيني، كانوا رأس حربة للدفاع عن مشروعهم الوطني وعن قضيتهم التي اعتقلوا وأمضوا زهرة عمرهم في المعتقلات لأجلها.

المصدر : الجزيرة