وسط شكاوى من ظروف اعتقال متردية.. معتقلون سودانيون يضربون عن الطعام

نقيب المحامين السابق والقيادي في النظام السابق عبد الرحمن الخليفة لحظة القبض عليه في 30 يونيو حزيران الماضي - مواقع تواصل
نقيب المحامين السابق القيادي الإسلامي عبد الرحمن الخليفة أفرج عنه لاحقا بعد خوضه إضرابا عن الطعام (ناشطون)

الخرطوم- دخل ما لا يقل عن 10 من المعتقلين في أقسام احتجاز بالعاصمة السودانية الخرطوم في إضراب عن الطعام منذ الثلاثاء؛ احتجاجا على طول احتجازهم دون تقديمهم للمحاكمة أو السماح لذويهم بمقابلتهم، وسط ظروف اعتقال وصفت بأنها بالغة السوء فاقمها تأكيد إصابة معتقلين بفيروس كورونا.

ونشر المعتقلون بيانا أعلنوا فيه اضطرارهم لبدء إضراب مفتوح عن الطعام بسبب احتجازهم لنحو 55 يوما، في إهدار واضح للحقوق القانونية والإنسانية، متمثلا في عدم الاستجابة للطلبات المقدمة من ذويهم والمحامين، فضلا عن عدم التجاوب مع بلاغات إدارة التحقيقات الجنائية في إسعاف المصابين بأمراض مزمنة تحتاج متابعة طبية مستمرة.

ونقل 3 من المعتقلين الأربعاء إلى مستشفى الشرطة بالخرطوم بعد تدهور أوضاعهم الصحية نتيجة الامتناع عن الطعام، بينهم المحامي عبد الرحمن الخليفة والنعمان عبد الحليم، وهما من قادة وكوادر حزب المؤتمر الوطني المعزول المعروفين، وقد أفرج عنهما لاحقا.

واعتقلت نيابة لجنة التفكيك وإزالة التمكين نحو 22 شخصا في الأسبوع الأخير من يونيو/حزيران الماضي، غالبيتهم من قادة وعناصر حزب المؤتمر الوطني المحلول، بتهم التخطيط لأعمال عنف خلال احتجاجات جرى الإعلان عن تنظيمها في 30 من الشهر ذاته.

وقالت لجنة إزالة التمكين -وهي المعنية بتفكيك واجهات نظام الرئيس السوداني المعزول عمر البشير- في بيان وقتها، إن نيابة اللجنة "قبضت على مجموعة من فلول النظام السابق تنشط في التخطيط لإحداث فوضى وأعمال عنف وشغب"، وأشارت إلى أن الهدف من هذا التخطيط هو تقويض النظام الدستوري عن طريق العمل المسلح.

وكانت مجموعة من مؤيدي النظام السابق ابتدرت حملة علنية لجمع توقيعات بعنوان "اختونا" (غادرونا)، في إشارة لرفض حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وتفويض الجيش ليتولى مقاليد الحكم.

وقالت لجنة إزالة التمكين إن النيابة العامة قيّدت دعاوى في مواجهة الموقوفين بموجب المادتين 13 و14 من قانون لجنة التفكيك، والمادة 50 من القانون الجنائي، والمادتين 5 و6 من قانون مكافحة الإرهاب.

كما أشارت إلى مصادرة نحو 20 هاتفا نقالا جرى تسريبها لقادة النظام المعزول في معتقلي كوبر والهدى، وإلى أن اتصالات وتنسيقا يجري بينهم بشأن احتجاجات كانت معتزمة في 30 يونيو/حزيران الماضي.

المعتقل النعمان عبد الحليم انهار بعد الاضراب عن الطعام ونقل للمستشفى - مواقع تواصل
النعمان عبد الحليم انهار بعد الإضراب عن الطعام فنقل للمستشفى وأفرج عنه لاحقا (مواقع التواصل)

أوضاع معقدة

ومنذ حملة الاعتقالات تلك، يقول محامو الموقوفين إنهم يعيشون أوضاعا إنسانية بالغة التعقيد ناجمة عن ظروف احتجاز بائسة لا تراعي أي حقوق، وهو ما يؤكده محامي المتهمين عبد الله درف للجزيرة نت، بالقول إن موكليه ولقرابة الشهرين لم يخضعوا إلا لتحقيق يتيم لم تتجاوز مدته 10 دقائق.

ويتحدث المحامي عن تعرض بعض المعتقلين للضرب والابتزاز ولضغط نفسي قاس وترهيب بنحو يخالف القانون، كما يشير إلى أن بيئة الحبس غير صالحة حيث يحتجز نحو 70 معتقلا في زنزانة واحدة، وقد نتج عن ذلك إصابة بعض الموقوفين بقسم "المقرن" بفيروس كورونا.

وبحسب درف، فإن التكييف القانوني لاستمرار حبس المتهمين غير واضح، حيث كان يمكن للجهات ذات الصلة اتباع أحد خيارين: إما الإفراج عنهم بكفالة، أو تقديمهم للمحاكمة، وهو ما لم يحدث حتى الآن.

ويقول مسؤول رفيع في النيابة العامة للجزيرة نت إنهم سلطة مستقلة لا علاقة لها بلجنة التمكين، حيث جرى تأسيس نيابة خاصة تحت اسم "نيابة إزالة التمكين"، ترتبط باللجنة ومهامها بحسب اختصاصات النيابة الواردة في قانون الإجراءات الجنائية، وذلك بفتح الدعاوى الجنائية والتحري فيها وتقديم المتهمين للمحاكمة حال وجدت البينة اللازمة لذلك.

صلاحيات لجنة التفكيك

ويوضح المحامي والقاضي السابق محمد الفاتح حضرة -للجزيرة نت- أن قانون لجنة التفكيك وإزالة التمكين الصادر في 2019 والمعدل في 2020، هو قانون موضوعي لا يحكي كيفية اتخاذ إجراءات في مواجهة الأشخاص، أي أن اللجنة تتعامل من حيث الموضوع بموجب هذا القانون، لكنها لا تباشر الإجراءات حيث إن الإجراءات في لجنة التمكين يحكمها قانون الإجراءات الجنائية لسنة 91.

ويتابع بالقول إن اللجنة يحق لها إصدار قرارات موضوعية فيما يخص الاسترداد أو مصادرة العقارات أو الأسهم ومباشرة كثير من الإجراءات بشكل مطلق، لكن عندما ترغب على سبيل المثال في حظر السفر أو التوقيف، يكون لزاما عليها اللجوء للنيابة العامة وتقديم طلب كجهة شاكية تطلب القبض بموجب حيثيات محددة، ليتولى بعدها وكيل النيابة تقييم الوضع وحال اقتنع بالأسباب يتم فتح البلاغ وإصدار أمر القبض.

وذات الأمر هو ما سعى لتوضيحه عضو اللجنة وجدي صالح خلال مؤتمر صحفي منتصف هذا الأسبوع، بالتأكيد على أن لجنة التمكين لا تعتقل الأشخاص، وأن النيابة هي من يتولى الأمر وتنفذه الشرطة.

غير أن المعتقلين المضربين عن الطعام قالوا في بيانهم إن الشرطة لم تقم بعملية القبض، وإن النيابة خاضعة لأوامر أعضاء لجنة إزالة التمكين ولا علاقة لها بما نص عليه قانون الإجراءات الجنائية في إنجاز الإجراءات وحقوق المتهمين في العدالة وعدم إطالة الأمر.

وبحسب إفادات محمد الفاتح حضرة، فإن للشرطة حق القبض والحبس دون تدخل النيابة لكن لمدة لا تتجاوز 24 ساعة، وهي ملزمة بعدها برفع الأمر لوكيل النيابة الذي يتاح له إصدار قرار بتجديد الحبس 3 أيام، ليتدرج الأمر إلى الجهات العليا وفقا للقانون، وصولا إلى القاضي الأعلى الذي لا يمكنه تجديد حبس المعتقلين لأكثر من 6 أشهر حال وجدت حيثيات موضوعية.

كورونا في الحبس

ويؤكد المحامي محمد الحسن الأمين للجزيرة نت إصابة 3 من المعتقلين بفيروس كورونا، مما اضطر السلطات للإفراج عن اثنين منهم بالضمان ونقل الثالث إلى الحجر الصحي. ويلفت إلى أن اثنين من قيادات المؤتمر الوطني الذين كانوا في الحبس توفوا بعد إصابتهم بالوباء في المعتقل، وهما: عبد الله البشير شقيق الرئيس المعزول والقيادي الشريف بدر، مما يعني -بحسب قوله- أن الوضع الصحي داخل هذه المعتقلات يهدد سلامة الجميع مع طول السجن دون محاكمة والحرمان بشكل كامل من أبسط الحقوق القانونية.

ويقول محمود والد المعتقل عبد الباقي إن نجله اقتيد من أمام مكتبه بالخرطوم قبل 58 يوما، ولم يسمح لهم بمقابلته سوى مرة واحدة، وإنه ومرافقيه يعيشون أوضاعا صعبة محرومين فيها من الطعام الجيد والعلاج وممنوعين من كافة الحقوق القانونية، وفق قوله.

تصفية حسابات

ويرى محمود -في حديثه للجزيرة نت- أن لجنة التفكيك ليست سوى واجهة سياسية تضمّ قيادات حزبية معروفة هدفها التشفي السياسي لا سواه، كما يؤكد الإلغاء الكامل لدور النائب العام وغياب حكم القانون.

بدوره يجزم المحامي عبد الله درف بأن لجنة التفكيك تعمل على تصفية حسابات سياسية باعتقال متظاهرين حاولوا التعبير عن آرائهم وبتوقيف سياسيين معارضين، وذلك رغما عن أن الوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية تعطي الحق في إبداء الرأي وتمنع التمييز بسبب التوجه السياسي.

وينبه درف إلى أنه حتى الطعن في هذا الخرق غير ممكن حاليا بسبب غياب المحكمة الدستورية وعدم تشكيلها حتى اليوم، مما يجعل المنظومة العدلية في السودان غير مكتملة.

ويشدد كذلك على أن ما يجري للمعتقلين حاليا يخالف العهد الدولي وكل مواثيق حماية حقوق الإنسان، لأنهم سجناء رأي وسياسيون جرى توقيف بعضهم خلال احتجاجات سلمية، وللحيلولة دون الإفراج عنهم بالضمان دونت في مواجهتهم بلاغات تمنع إخلاء السبيل، ثم يتوالى تجديد الحبس كما يقول على يد قاضي محكمة الجنايات، رغم أن لتمديد الحبس اشتراطات قانونية معروفة لا يمكن معها استمرار الاعتقال لأشهر، على نحو ما يجري حاليا.

المصدر : الجزيرة