حارب القرامطة والدولة الفاطمية وفتح أنطاكيا.. المكتفي بالله الخليفة العباسي الـ17

شهدت الخلافة العباسية انتكاسة كبيرة في عهد الخليفة المكتفي بالله، إذ تزايدت الصراعات والخلافات بين المتنفذين بالدولة آنذاك، فضلا عن التدخلات الخارجية في شؤون البلاد.

واتسمت أيام حكمه بكثرة الحروب والنزاعات، وحقق المكتفي بالله وقتئذ انتصارات كثيرة خلال خلافته التي دامت أكثر من 6 أعوام، حتى توفي في 13 أغسطس/آب 908م الموافق 12 ذي القعدة سنة 295 هـ.

ولد أبو محمد علي المكتفي بالله بن المعتضد بالله بن الموفق طلحة بن المتوكل في بغداد، وتحديدا في العاشر من ديسمبر/كانون الأول 877م الذي وافق الأول من ربيع الآخر 264هـ، وكانت أمه من أصل تركي اسمها "جيجك"، حسب الأكاديمية والباحثة في التاريخ الإسلامي الدكتورة وفاء عدنان حميد.

وتضيف للجزيرة نت أنه على الرغم من حسن سيرته وحب الرعية له فإنه لم يكن يتمتع بما كان يتمتع والده المعتضد بالله من قوة شخصية وحزم، وهذا مهد الطريق لعودة تدهور الأوضاع، ومهد لرجوع التسلط الأجنبي، فكانت خلافته مرحلة انتقالية بين صحوة الخلافة وانتكاستها مرة أخرى.

تولي الخلافة

ويورد أستاذ التاريخ الإسلامي الدكتور عامر ممدوح عن المصادر التاريخية تفاصيل تولي المكتفي بالله الخلافة، إذ تشير إلى أن والده الخليفة المعتضد بالله لما اشتدت علّته أمر بأخذ البيعة لابنه بالخلافة من بعده، في وقت كان فيه المكتفي مقيما في مدينة الرقة.

ويبيّن للجزيرة نت أن ذلك كان يستوجب تهيئة الأمور له، في أكثر من ناحية وجانب لإتمام وصية الخليفة المعتضد، وتحقيق الانتقال إلى سلطة الخليفة الجديد من دون مشاكل، فأخذت البيعة بذلك على الناس في بغداد، قبل موت المعتضد ببضعة أيام، وقبل يوم من وفاة المعتضد جددت البيعة، ولما أُبلغ المكتفي بالله بخبر الوفاة أخذ البيعة على من عنده، ثم سافر إلى بغداد.

ويشير ممدوح إلى دور الوزير القاسم بن عبيد الله في تثبيت حكم المكتفي بعد وفاة المعتضد إذ أخذ له الوزير البيعة في بغداد، وضبط له ما خلف أبوه في بيوت المال، كما قسم العطاء على الجند "فسكنوا"؛ وفي هذا التعبير دلالة مهمة تشير إلى تحقيق الرضا الداخلي عن الموضوع، وتحييد القوة العسكرية التي لها أهمية كبيرة، هذا فضلا عن حبس الأمراء العباسيين والتوجيه بضبط نواح من ديار ربيعة ومضر ونواحي العرب.

ويتحدث أستاذ التاريخ الإسلامي عن مشهد قدوم المكتفي إلى بغداد، إذ كان يوما مشهودا، سقط فيه كثير من الناس من الجسر في نهر دجلة، منهم أبو عمر القاضي، لكثرة الناس وتدافعهم، ونزل المكتفي بقصر الخلافة، وتكلمت الشعراء، وخلع على وزيره القاسم 7 خلع، وقلده سيفا.

ويصف ممدوح فترة خلافة المكتفي بالله بأنها تمثل ختام مرحلة صحوة الخلافة العباسية وانتعاشها، وتمكنت فيها الخلافة من استعادة بعض من الهيبة والسلطة، وذلك قبل أن تنحدر في طوفان الضعف والانهيار المتدرج وصولا حتى السقوط النهائي والتام.

ويقول الأكاديمي والباحث في التاريخ الإسلامي الدكتور عمار مرضي إن خلافة المكتفي عُرفت بكثرة الفتن التي انتشرت عقب وفاة الخليفة المعتضد.

ويشير للجزيرة نت إلى أن أول تحد للخليفة الجديد هو خطر القرامطة الذين انتشروا وقطعوا طريق الحجاج.

أبرز أعماله

وعلى الرغم من قصر مدة خلافة المكتفي بالله التي كانت نحو 6 سنين ونصف السنة، فإنها كانت حافلة بالإنجازات على الصعيد الداخلي والخارجي، حسب مرضي.

من جانبه أشار الباحث في التاريخ الإسلامي خلدون الكبيسي إلى أن المكتفي أمر بتخريب المطامير التي اتخذها والده للسجن في بغداد، وأمر ببناء جامع مكانها لا يزال موجودا ويعرف باسم جامع الخلفاء.

ويضيف للجزيرة نت أن المكتفي بالله نجح في القضاء على القرامطة بعد إفسادهم في الأرض قتلا ونهبا، إذ بلغ بهم الأمر حد قتل الحجيج واقتلاع الحجر الأسود من الكعبة المشرفة، الأمر الذي جعل المكتفي يبعث إليهم جيوشا كبيرة وبتكاليف مالية حتى نظف النواحي الشامية منهم.

ويتابع القول إن دولة بني طولون في مصر انتهت في عهد المكتفي، وتحديدا عام 292هـ، كما انتهت دولة الأغالبة في أفريقيا على يد أبي عبيد الله داعية الفاطميين بالمغرب، وفي السنة نفسها احتفلت جيوش المكتفي بالله بفتح أنطاكيا.

حروب مديدة

وحين ولي المكتفي كثرت الفتن وانتشرت في البلاد، خصوصا مع ظهور القرامطة وانتشارهم في بداية عهده، ما دفعه إلى محاربتهم وقتالهم في معارك شرسة، حسب أستاذ التاريخ الإسلامي الدكتور أحمد ناجي الغريري.

ويبيّن للجزيرة نت كيف جرت معارك كبيرة بين المكتفي والقرامطة حتى قتل يحيى بن زكوريه القرمطي عام 290هـ، واستمر القتال حتى عام291هـ إذ قتل كل من الحسين بن زكوريه القرمطي وغلامه الملقب بـ"المطوق بالنور" وابن عمه عيسى بن مهوريه، وهم من مدّعي النبوة.

ويسترسل بالقول إن محمد بن سليمان سار في عام 292هـ بجيوش المكتفي إلى مصر، واستولى عليها بعد قتل ملكهم هارون بن خمارويه، وأسر عدد من القادة، حتى باتت مصر خاضعة لحكم المكتفي.

أما في عام 294هـ فأخذ زكرويه القرمطي ركب العراق، وكانت النساء آنذاك يجهزن على الجرحى، وحسب ما يروى عن المصادر التاريخية "فقد قتلوا عشرين ألفا، وأخذوا ما قيمته ألفا ألف دينار، ووقع العويل في المدن، وجهز المكتفي جيشا لحربه".

مثواه الأخير

توفي الخليفة المكتفي بالله وهو شاب عن عمر 31 عاما، بمرض "داء الملك" إذ عانى من هذا المرض كثيرا، وكان قد ألمّ به في عمر مبكر ولم يستطع الأطباء معالجته فكانت وفاته فيه حتمية، حسب الدكتورة وفاء عدنان حميد.

وتبيّن الأكاديمية والباحثة في التاريخ الإسلامي أن المكتفي توفي قرابة منتصف ذي القعدة عام 295هـ، فغسل وكفن ودفن في دار محمد بن عبد الله ابن الطاهر ببغداد، وهو أمير الإمارة الطاهرية الموالية للخلافة العباسية.

وتنوه بأن انشغال الخليفة بمرضه أدى إلى تغلغل وتسلط أخواله الأتراك وتدخلهم في شؤون الحكم، وكذلك دخول نساء الخلافة العباسية وتسلطهن على الجوانب السياسية بصورة كبيرة في هذه الحقبة، إلى درجة أن صوتهن وسلطتهن كانا أعلى من صوت الخليفة نفسه.