أكاديميون وباحثون مصريون ملاحقون في بلدهم

تقول هالة صبحي "عندما أتخيل ابني في السجن أشعر أنني أختنق… كنا نظن أنه سيحبس لبضعة أسابيع؛ لكن مر أكثر من عام الآن".

أمضى وليد سالم 6 أشهر في سجن طرة الشهير في القاهرة (الفرنسية)

وضع وليد سالم جواز سفره وتذكرة الطائرة إلى سياتل في حقيبته؛ لكن شعورا دفينا تملكه بأنه سيتم منعه من السفر من القاهرة بسبب أبحاثه الأكاديمية، وتبين أن حدسه كان في محله.

فطالب الدكتوراه في العلوم السياسية بجامعة واشنطن حاول من قبل السفر في مايو/أيار من العام الماضي لرؤية ابنته ذات الـ13 ربيعا؛ لكن السلطات صادرت آنذاك جواز سفره، ولم يتمكن من الصعود إلى الطائرة.

أبحاث وتهم

وقال سالم لوكالة الصحافة الفرنسية بعد منعه من السفر للمرة الثانية "الشهر الماضي ذهبت، وأنا أعرف أنني يمكن أن أعود… لم يكن لدي أي يقين بأنني سأتمكن من السفر؛ لكني آثرت التفاؤل، وقلت لنفسي إنني لم أفعل أي شيء خاطئ، وبالتالي ليس هناك ما يستدعي القلق".

وفي مايو/أيار 2018 تم توقيف سالم وعصب عينيه وتكبيله لمدة 5 أيام. ووجهت إليه اتهامات عدة أحدها "الانضمام إلى جماعة إرهابية".

يجري سالم بحثا ميدانيا حول دور القضاء في تسوية النزاعات السياسية في مصر وباكستان منذ خمسينيات القرن الماضي، ويشرح أنه أثناء التحقيق معه في نيابة أمن الدولة "سئلتُ حول تفاصيل رسالة الدكتوراه التي أعدها. من هو المشرف؟ ما هي عناوين الفصول؟ من قابلت؟ وباختصار أبلغوني أنني أقول إن القضاء مسيس".

أمضى وليد سالم 6 أشهر في سجن طرة في القاهرة، قبل أن يتم إطلاق سراحه في ديسمبر/كانون الأول 2018 مع تدابير احترازية؛ تقضي بأن يذهب إلى مركز الشرطة مرتين أسبوعيا.

ويضيف "لا يمكن أن أفهم القسوة الشديدة التي تتمثل في منعي من رؤية ابنتي لأكثر من 3 سنوات بدون سبب"، ويؤكد "لم يبلغني أحد في أي وقت بالسبب وراء كل هذا".

كثير من الأكاديميين يتم القبض عليهم وإيداعهم في السجون المصرية بسبب أبحاثهم (بيكسلز)

قائمة المستهدفين

يرى إلياس صليبا الباحث في "مركز غلوبال بابليك بوليسي" (Global Public Policy Institute) في برلين، أن الأكاديميين في وضع هش. وقال "في بلد تسعى أجهزة الأمن إلى التحكم في الجدل العام حول الموضوعات السياسية فيه، يجد الأكاديميون، الذين يعارضون الخطاب الرسمي للدولة، أنفسهم بسرعة على قائمة المستهدفين".

وتحت الحكم البوليسي لحسني مبارك كانت الحريات الأكاديمية مقيدة؛ لكنها ضاقت بشكل كبير منذ أن تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة عام 2014. وتحتل مصر مرتبة متدنية على مؤشر الحريات الأكاديمية.

وأكد صليبا، الذي شارك في إعداد هذا المؤشر، إنه تم إحداث "مجموعة من التغييرات القانونية والتنظيمية بهدف إحكام السيطرة السياسية؛ ما أدى إلى تدهور في حرية التدريس والبحث". ولم ترد وزارة الداخلية المصرية على طلبات وكالة الصحافة الفرنسية للتعليق على حبس الباحثين.

الناشط الحقوقي المصري باتريك جورج
الناشط الحقوقي المصري باتريك زكي معتقل منذ أكثر من عام (مواقع التواصل الاجتماعي)

في فبراير/شباط 2020 تم توقيف باتريك زكي لدى وصوله إلى مطار القاهرة في عطلة قصيرة من دراساته العليا، التي يجريها بجامعة بولونيا في إيطاليا، بغرض رؤية أسرته.

وتقول هالة صبحي، والدة باتريك زكي، "أصررت عليه كي يأتي لأنني أفتقده، فهو ابني الأكبر وعلاقتي به قوية. كنت أريد أن أراه بضعة أيام فقط؛ لكني الآن ألوم نفسي لأنني كنت السبب في مجيئه".

وأحيا توقيف زكي الذكريات المؤلمة لمقتل طالب الدكتوراه الإيطالي في جامعة كمبريدج البريطانية، جوليو ريجيني، الذي كان موضوع بحثه النقابات العمالية في مصر. وعثر على ريجيني مقتولا في إحدى ضواحي القاهرة بعد 8 أيام من اختفائه في العاصمة المصرية في 25 يناير/كانون الثاني 2016.

والشهر الماضي، أحالت روما إلى المحاكمة الغيابية 4 من كبار مسؤولي الشرطة المصرية المتهمين بالتورط في قتل ريجيني بعد أن رفضت القاهرة تسليمهم. ووقع آلاف في إيطاليا عرائض تطالب بالإفراج عن باتريك زكي كما أن مجلس الشيوخ قرر منحه الجنسية الإيطالية ليتمكن من تلقي مساعدة قنصلية في سجنه.

شعور بالاختناق

يقبع زكي في السجن بتهمة "تهديد الأمن القومي" و"التحريض على قلب نظام الحكم". وتم تمديد حبسه لمدة 45 يوما هذا الأسبوع. وتقول هالة صبحي "عندما أتخيل ابني في السجن أشعر أنني أختنق… كنا نظن أنه سيحبس لبضعة أسابيع؛ لكن مر أكثر من عام الآن".

وفي حالة مشابهة جاء أحمد سمير، وهو طالب دراسات عليا في "جامعة سنترال يوروبيان" (Central European University) بفيينا، في عطلة لزيارة أسرته، وتم توقيفه في فبراير/شباط الماضي. وتم اتهامه بـ"بث أخبار كاذبة" وسيمثل أمام المحكمة مرة جديدة الأسبوع المقبل.

كما تم توقيف وحبس باحثين شبان آخرين مقيمين في مصر من بينهم خلود عامر رئيسة وحدة الترجمة في مكتبة الإسكندرية، وكذلك شيماء سامي وهي باحثة تعمل مع الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في القاهرة.

المصدر : الفرنسية