الحبس الاحتياطي بمصر.. من إجراء احترازي إلى عقوبة جاهزة

صورة أرشيفية لمدخل سجن برج العرب
منظمات حقوقية تقدر أعداد السجناء السياسيين في مصر بنحو 60 ألفا معظمهم قيد الحبس الاحتياطي (الجزيرة)

في الذكرى الأولى لوفاته بمحبسه، يستحضر نشطاء وحقوقيون جانبا من الانتهاكات التي تعرض لها المخرج الشاب شادي حبش، ومن ذلك تعرضه للحبس الاحتياطي، وقضاؤه فيه فترة تجاوزت العامين، هي الحد الأقصى له بموجب القانون، حيث يرون أن ذلك كان له الدور الأكبر في نهايته المؤسفة.

وتوفي حبش (24 عاما) في سجن طرة، في الأول من مايو/أيار 2020 بعد أكثر من عامين من الحبس الاحتياطي بسبب مشاركته في إخراج أغنية سياسية ساخرة، وقالت النيابة العامة المصرية حينها، إنه "توفي جراء التسمم بمادة كحول ميثيلي تناوله".

وخلال الأيام القليلة الماضية، تزايد الانتقاد الحقوقي للحبس الاحتياطي بمصر، واتساع استخدامه بحق المعارضين السياسيين، بصورة يرونها تتجاوز أهدافه المشروعة، إلى استخدامه كعقوبة لا تقل قسوة عن الأحكام الصادرة بحق المدانين منهم.

وحسب رصد حقوقيين، فقد تعاظمت خلال الأعوام الماضية، ظاهرة الحبس الاحتياطي للمعارضين وأصحاب الرأي من نشطاء وصحفيين وحقوقيين وأساتذة جامعات، لمجرد تعبيرهم عن آرائهم، حتى بات عقوبة يتم اللجوء إليها دون حكم قضائي.

إجراء احترازي

والأصل أن الحبس الاحتياطي إجراء احترازي يتم تطبيقه وفقًا لضوابط معينة في قانون الإجراءات الجنائية، لكن الواقع الحالي، حسب مصادر حقوقية، يظهر خروجه عن مضمون وفلسفة هذه الإجراءات، حيث يتم تطبيقه بشكل مطول بالمخالفة لمواد الدستور والقانون.

والأربعاء الماضي، أصدرت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان تقريرا، خلصت فيه إلى أن النيابة تستخدم الحبس الاحتياطي كعقوبة، انتصارا لرغبة الأجهزة الأمنية، بدلا من كونه تدبيرا استثنائيا يُلجأ إليه عند الضرورة، لتجعل منه وسيلة تنكيل بحرية الرأي والتعبير، وعقابا على الاهتمام بالشأن العام، والدفاع عن حقوق الناس، دون حكم قضائي.

وقبل ذلك بأيام، أصدر مركز التنمية والدعم والإعلام (دام) -وهو منظمة مجتمع مدني مصرية- ورقة موقف حول ضرورة إعادة النظر في مواد الحبس الاحتياطي، أشارت إلى أنه بات ترافقه مؤخرا مخالفة لنصوص الدستور وللمعاهدات والمواثيق الدولية التي وقعت عليها مصر، وخلصت إلى 15 توصية تمنع من تحول الحبس الاحتياطي إلى عقوبة.

ومع تصاعد الحديث عن طول أمد الحبس الاحتياطي بحق كثيرين ممن يخضعون له، فرض الأمر نفسه على المنابر الإعلامية المؤيدة للنظام، وحين سئل وزير العدل عمر مروان عن ذلك، شدد على أنه إجراء قانوني له مبرراته، وإطالته مرجعها ظروف التحقيق في كل واقعة.

توسع ملحوظ

الحقوقي والإعلامي هيثم أبو خليل، يؤكد أن النظام الحالي، توسع بشكل كبير في استخدام "الحبس الاحتياطي" كأداة لعقوبة معارضيه، مشيرا في هذا السياق، إلى ما ذكره الإعلامي المقرب من الأجهزة الأمنية نشأت الديهي أن عدد المحبوسين احتياطيا بلغ 30 ألفا معظمهم سياسيون.

وتقدر منظمات حقوقية أعداد السجناء السياسيين في مصر بنحو 60 ألف سجين معظمهم قيد الحبس الاحتياطي، وينتمي غالبيتهم لجماعة الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى معارضي الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي من مختلف التيارات والاتجاهات.

ويرى أبو خليل في حديثه للجزيرة نت أن الحبس الاحتياطي، تحول هدفه من الاحتفاظ بمسرح الجريمة واستبقاء الأدلة، إلى شكل آخر لعقوبة متهمين في قضايا وهمية لا تتوفر فيها هذه الدوافع، مشيرا إلى أنه لم يسبق أن تعرض لهذا الحبس ضباط متهمون في قتل وتعذيب مواطنين.

ويشدد على أن النيابة العامة لا تستخدم الحبس الاحتياطي كإجراء قانوني لتحقيق عدالة، وإنما الأمر في حقيقته تنفيذ تعليمات مسبقة، ومن ثم فهو يراها بهذه الصورة، نيابة للنظام لا للشعب، ولا يمكن اعتبارها مستقلة، وإنما هي "أحد أدوات النظام القائم للتنكيل بالمعارضين السياسيين".

ويشير إلى أنه منذ 9 أبريل/نيسان 2017، يتعامل المصريون مع أسوأ نيابة مرت عليهم، وهي نيابة أمن الدولة طوارئ، والتي تقوم في أغلبها على ضباط أمن دولة سابقين التحقوا بالسلك القضائي، حيث تتكامل في دورها مع ما يقوم به زبانية أمن الدولة بمقرات التعذيب.

ومن أبرز من تعرضوا للحبس الاحتياطي كعقوبة: سياسيون، كعبدالمنعم أبو الفتوح، ومعصوم مرزوق، وزياد العليمي، وأساتذة جامعيون كحازم حسني، ويحيى القزاز، وحسن نافعة، وعبدالفتاح البنا، وأيضا حقوقيون، كعمرو إمام، ومحمد الباقر، وماهينور المصري، فضلا عن إعلاميين، كمحمود حسين، وعادل صبري، ومعتز ودنان، وسلافة مجدي، وهشام عبدالعزيز.

تشريعات جديدة

وفي السياق، يشير مصطفى عزب، مسؤول الملف المصري بالمنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، إلى أنه بجانب ما رصد من استغلال متجاوز للحبس الاحتياطي، فإن تشريعات مقترحة ستفتح الباب لمد مدده دونما تقيد بمواد سابقة جعلت حده الأقصى سنتين في حالة كانت العقوبة السجن المؤبد أو الإعدام.

ومن ثم يخلص في حديثه للجزيرة نت إلى أن هذه التشريعات تفتح الباب على مصراعيه لجعل أمر الحبس الاحتياطي الذي من المفترض حال اتخاذه أن يكون مؤقتا، غير مقيد بأية حدود قصوى، ليكون عقوبة مسبقة قبل الحكم القضائي توقع باسم القانون.

ويشدد عزب على أن ذلك يتنافى تماما مع قرينة البراءة التي تعد من أصول المحاكمات الجنائية، وتستوجب أن يتمتع بها المتهم منذ لحظة القبض عليه، وحتى إسدال الستار بصدور حكم نهائي وباتّ في الدعوى الجنائية.

ويذهب إلى أن تمرير هذه التعديلات، يتعارض كلية مع كل التطورات التي جاءت في مجال العقوبات المقررة، والتي أخذت في السير نحو التخفيف إلى حد كبير من العقوبات السالبة للحرية، في حالة المحاكمة واستحقاق المتهم للعقاب.

دور مقلوب

بدوره، يقول الحقوقي أحمد العطار، إن واقع ما تقوم به النيابة العامة الآن، يكشف انقلابا في دورها، حيث بات مبنيا على التفريط بحقوق الشعب وإهدار حرياته التي يناط بالنيابة العامة في الأساس حفظها وحماية المواطنين من بطش الأجهزة الأمنية.

ويضيف للجزيرة نت أن من أبرز الحقوق المهدرة، تطبيق قواعد ومبادئ الحبس الاحتياطي، حيث أصبح هذا الحبس عقوبة قاسية وسيفا مسلطا على رقاب المعتقلين، يمتد عبره حبسهم لسنوات دون مبرر، ليُظهر بصورةٍ جليةٍ تخاذلَ وتواطؤ النيابة العامة وإخلالها بواجباتها.

ويشير إلى أنه من المرصود بشكل جلي، توسع وكلاء النيابة في معظم أنحاء مصر -بشكل غير مسبوق حتى في أسوأ الأزمنة والأزمات في عهود سابقة- في تجاوز الحد الأقصى للحبس الاحتياطي، وغض النيابة العامة الطرف عن انتهاكات جسيمة بحق المحبوسين احتياطيا.

ولفت في هذا السياق، إلى ما تقوم به النيابة من إعادة إصدار قرارات لحبس وتدوير معتقلين أخلي سبيلهم، ليستمر حبسهم احتياطيا لسنوات تصل إلى 5 أو 6 سنوات، يظلون خلالها رهن الحبس الاحتياطي، ومن ثم فإن الحقيقة أن النيابة العامة أصبحت جزءا أصيلا ومشاركا في انتهاكات السلطة تجاه المعارضين.

المصدر : الجزيرة