نيويورك تايمز: بعد سنوات من الهدوء لماذا تفجر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الآن؟
قبل حوالي شهرين من الآن، لم تكن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تتوقع أن يحدث تصعيد أو مواجهات مع الفلسطينيين، ففي إحاطات خاصة توقع عسكريون أن أكبر تهديد لإسرائيل قد يكون في إيران على بعد ألف ميل أو عبر الحدود الشمالية مع لبنان، وفق تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" (New York Times) الأميركية.
وعندما التقى دبلوماسيون مبتعثون لدى إسرائيل في مارس/أيار الماضي مع جنرالَين إسرائيليين يشرفان على الجوانب الإدارية للشؤون العسكرية الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية؛ كان الجنرالان مطمئنين لعدم وجود أي مخاوف بشأن تفجر العنف ويحتفيان بفترة طويلة من الهدوء النسبي، وفقا لدبلوماسي أجنبي رفيع طلب عدم الكشف عن هويته وقد أورد تقرير نيويورك تايمز رأيه.
فكيف وصل الوضع في القدس وغزة وغيرهما من المدن إلى ما نشهده الآن بعد مرور 7 سنوات على آخر مواجهة عسكرية بين حماس وإسرائيل و16 عاما على آخر انتفاضة كبرى بفلسطين؟
صحيفة نيويورك تايمز نشرت تقريرا مطولا يحاول الإجابة عن هذا السؤال، ويستطلع آراء محللين ومختصين حول أسباب تفجر المواجهة العسكرية الحالية بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل والاضطرابات التي امتدت للضفة الغربية والبلدات العربية (الفلسطينية) داخل إسرائيل.
"نقطة تحول"
تقول الصحيفة إنه قبل 27 يوما من إطلاق الصاروخ الأول من غزة على البلدات الإسرائيلية هذا الأسبوع، دخلت مجموعة من ضباط الشرطة الإسرائيلية المسجد الأقصى في القدس المحتلة، وقامت بدفع بعض الفلسطينيين الموجودين بالمسجد وقتها جانبا؛ لتشق طريقها عبر فناء المسجد الفسيح نحو أسلاك مكبرات الصوت التي تبث الآذان والصلاة من مآذن الأقصى الأربع وقامت بقطعها.
كان ذلك مساء اليوم الأول من شهر رمضان، الموافق 13 أبريل/نيسان الماضي، وصادف أيضا يوم ذكرى في إسرائيل يُكرم فيه القتلى الذي سقطوا من أجل الدولة العبرية، وكان الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين يلقي خطابا بتلك المناسبة عند حائط المبكى؛ وهو الموقع اليهودي المقدس الذي يقع أسفل المسجد الأقصى المبارك، وكان المسؤولون الإسرائيليون قلقين من أن يؤدي صوت صلاة التراويح المنبعث من مكبرات الصوت إلى التشويش على كلمة الرئيس، فقرروا إسكاتها.
ويعلق الشيخ عكرمة صبري مفتي القدس على ذلك الإجراء بالقول "كانت تلك نقطة التحول، فقد أدت أفعالهم تلك إلى تدهور الوضع".
ويضيف "دون أدنى شك، كان واضحا لنا أن الشرطة الإسرائيلية تريد تدنيس المسجد الأقصى في شهر رمضان المبارك".
وتقول الصحيفة إنه ربما كان بالإمكان نسيان تلك الحادثة بسرعة، لو أنها حدثت في عام مختلف، لكن شهر أبريل/نيسان الماضي كان مختلفا، حيث تضافرت عوامل عديدة بشكل مفاجئ وأسهمت في تضخم حادثة الإساءة ككرة ثلج لتتحول إلى مواجهة كبرى.
الشرارة
ويشير تقرير الصحيفة إلى أن التصعيد الذي حدث في الأقصى خلال شهر رمضان جاء في وقت كانت فيه حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تكافح من أجل البقاء في أعقاب الانتخابات الإسرائيلية، وكانت حماس تسعى لتوسيع دورها داخل المشهد الفلسطيني، فيما كان هناك جيل فلسطيني جديد يسعى للتأكيد على قيمه وأهدافه وهويته.
ويرى الرئيس السابق للبرلمان الإسرائيلي أفراهام بورغ أن التصعيد الذي أخذ الجميع على حين غرة كان نتيجة سنوات من الحصار والقيود التي فرضتها إسرائيل على قطاع غزة، وعقود من الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية، وعقود أخرى من التمييز ضد العرب داخل إسرائيل.
ويقول بورغ "كل اليورانيوم المخصب كان جاهزا، لكنه كان يحتاج إلى شرارة تشعله، وقد كان المسجد الأقصى تلك الشرارة".
رفض واحتجاج
كانت هناك صحوة للمشاعر الوطنية والهوية العربية بين الشباب الفلسطيني استطاعت التعبير عن نفسها من خلال مقاومة سلسلة المداهمات الإسرائيلية للأقصى، والاحتجاج على محنة العائلات الفلسطينية في حي الشيخ جراح التي تواجه الطرد من بيوتها لإحلال إسرائيليين يهود محلها.
وبعد حادث مكبر الصوت مباشرة عمدت الشرطة إلى إغلاق الساحة الواقعة خارج باب العامود، وهي أحد المداخل الرئيسية لمدينة القدس القديمة والتي اعتاد الشباب الفلسطيني التجمع فيها ليلا خلال شهر رمضان.
وتقول الصحيفة إن الشبان الفلسطينيين واجهوا قرار الإغلاق بالاحتجاج والرفض، وفيما كانت الشرطة ترى في تلك الاحتجاجات فوضى تجب السيطرة عليها، كان قرار الطرد من الساحة بالنسبة للعديد من الفلسطينيين إساءة خلفها مظالم أعمق بكثير.
ويعلق الفلسطيني ماجد القمري (27 عاما) -وهو جزار من القدس الشرقية- "لقد بدا كأنهم يحاولون القضاء على وجودنا في المدينة، شعرنا بالحاجة إلى الوقوف في وجوههم والتأكيد على أننا هنا".
وأمام إصرار الشبان الفلسطينيين، اضطرت السلطات الإسرائيلية في 25 أبريل /نيسان للرضوخ والسماح لهم بالتجمع خارج باب العامود، ولكن ذلك جاء بعد مجموعة من التطورات وسعت نطاق الأزمة.
مواجهة عسكرية
وسرعان ما تطورت الأحداث وتوسعت الاشتباكات التي كان بعضها مع يهود متطرفين اعتدوا على الفلسطينيين خلال مسيرة لهم في القدس، وما تلا ذلك من اقتحام للشرطة الإسرائيلية للمسجد الأقصى خلال العشر الأواخر من رمضان والاعتداء على المصلين المعتكفين داخله، وكلها أحداث قادت للمواجهة العسكرية التي تدور رحاها الآن.
وتشير نيويورك تايمز إلى أن ما عبر عنه الشيخ عكرمة صبري بتدهور للأوضاع نجم عن إسكات مكبرات الصوت وما تلاه من أحداث في الأقصى؛ كان أكثر تدميرا وأوسع نطاقا وأسرع مما يمكن تخيله.
فقد أدى إلى اندلاع أسوأ أعمال عنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين منذ سنوات عديدة، بحسب الصحيفة، ليس فقط لما انجر عنه من مواجهة عسكرية بين حماس وإسرائيل، أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 145 شخصا في غزة و12 شخصا في إسرائيل حتى الآن، ولكنه أيضا تسبب في موجة من الاضطرابات والهجمات في المدن المختلطة التي يقطنها عرب ويهود في إسرائيل.
كما أثار ذلك التدهور الاحتجاجات بالضفة الغربية المحتلة أسفرت عن مقتل 11 فلسطينيا أول أمس الجمعة برصاص الجيش الإسرائيلي، وأدى لإطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل من مخيم للاجئين الفلسطينيين في لبنان، كما خرج الأردنيون في احتجاجات نحو الحدود مع إسرائيل تضامنا مع الشعب الفلسطيني.