سوريا تتصدر حصيلة ضحايا الألغام الأرضية في العالم.. حالات إنسانية تتحدى الإعاقة وترفض الاستسلام

سوريا - ريف حلب - فقد الشاب السوري عمر الخلف ساقيه بانفجار لغم أرضي قرب مدينة حلب (الجزيرة نت).
الشاب السوري عمر الخلف فقد ساقيه بانفجار لغم أرضي قرب مدينة حلب (الجزيرة)

شمال سوريا- داخل خيمة قديمة بأطراف ريف حلب شمالي سوريا، يقوم النازح عمر الخلف صباح كل يوم بتركيب ساقيه الصناعيتين، قبل أن يتوجه إلى عمله لبيع "غزل البنات" مستقلا دراجته النارية ذات العجلات الثلاث، باحثا عن رزقه من بيع هذه الحلوى الشعبية للأطفال في المخيم.

ويحاول الخلف التكيف مع ساقيه الصناعيتين، رافضا الاستسلام لواقع فقدان أطرافه أو الاعتماد على مساعدات الآخرين، فالعاجز وفق منظوره هو الذي لا يمتلك إرادة لمقاومة صعوبات الحياة وليس من فقد أحد أطرافه أو جزءا من جسده.

والخلف (32 عاما) كان فقد ساقيه بانفجار لغم أرضي في مزرعة قرب حلب، ولجأ إليها حينها هاربا من تصاعد القصف على الأحياء الشرقية من المدينة، لكن القدر الذي هرب منه كان ينتظره في مكان آخر.

يتذكر تلك اللحظات المؤلمة عندما أخبره الأطباء عقب نقله إلى المستشفى أن إصابته تستدعي بتر الساقين منعا لإصابته بمضاعفات خطيرة قد تودي بحياته، حينها أصيب الخلف بصدمة نفسية أدخلته في حالة من الحزن، لكنها لم تستمر طويلا بعد حصوله على ساقين صناعيتين من مركز يقدم تلك الأطراف بالمجان.

الحصيلة الأعلى عام 2020

وبعد عقد من الزمن من الصراع بسوريا، دفع الآلاف من المواطنين أثمانا باهظة تتمثل بالإعاقة الدائمة، في وقت تنجح مراكز الأطراف البديلة بتضميد جراح عدد لا بأس به من المصابين الذين تعرضوا لانفجارات الألغام والذخائر، في مسعى لتحدي الإعاقة.

ومؤخرا، خلص تقرير "مرصد الألغام الأرضية"  -وهو منظمة تتعقب الألغام الأرضية على مستوى العالم- إلى أن سوريا سجلت الحصيلة الأعلى عام 2020 من ضحايا الألغام بـ 2729 ضحية (قتلى ومصابين) من أصل 7073 قتلوا أو أصيبوا في العالم أجمع.

سوريا - ريف حلب - لا يعرف أماكن توزع الألغام بشكل دقيق في سوريا ولا يقدم النظام أي خرائط أو بيانات لأماكن انتشارها منذ 2011 (الجزيرة نت).
أماكن وجود الألغام لا تُعرف بشكل دقيق ولا يقدم النظام في سوريا أي خرائط أو بيانات لأماكن انتشارها منذ 2011 (الجزيرة)

وأكد المرصد  أن 80% من ضحايا الألغام الأرضية التي سجلها العام الماضي كانوا مدنيين، وكان 50% منهم على الأقل من الأطفال، مضيفا أن إجمالي عام 2020 يمثل زيادة بنسبة 20% عن عام 2019.

وفي وقت سابق، وصفت الشبكة السورية لحقوق الإنسان سوريا بأنها من أسوأ دول العالم في كمية الألغام المزروعة منذ عام 2011 رغم حظر القانون الدولي استخدامها، مشيرة إلى أن الألغام قتلت ما لا يقل عن 2601 مدنيا في هذا البلد منذ عام 2011، بينهم 598 طفلا و267 سيدة، أي أن 33% من الضحايا نساء وأطفال.

وأكدت الشبكة الحقوقية، في تقرير صدر العام الماضي، أن أيا من القوى الفاعلة التي استخدمت الألغام لم تكشف عن خرائط للأماكن التي زرعت فيها الألغام، كما أنها لم تعمل بشكل جدي على إزالتها، وبشكل خاص النظام السوري الذي استعاد مناطق واسعة لكنه لم يقم بعمليات إزالة مدروسة للألغام.

يقول فضل عبد الغني، في حديث للجزيرة نت، إن النظام السوري لا يقوم بأي عمل جدي لإزالة هذه الألغام، بل هو غير مكترث بإزالة الألغام حتى في مناطق سيطرته.

وطالب بتنسيق العمل لأجل معرفة أماكن توزع الألغام بهدف تخفيف عدد الإصابات، ولا سيما الأطفال الذين هم أكثر عرضة أثناء اللعب بالمناطق الزراعية.

مسؤولية النظام

ولا تُعرف أعداد للألغام المزروعة في سوريا، خاصة بعد بدء الثورة عام 2011، وفق ضابط عسكري منشق عن قوات النظام (رفض الكشف عن اسمه) مؤكدا أن زراعتها تمت على عدة جبهات وبشكل عشوائي ودون تسجيلها في أضابير تحدد أماكنها، ومعظمها ألغام مضادة للأفراد والمدرعات ومن صنع روسي.

وقال هذا الضابط المنشق الذي كان يعمل بقسم الهندسة -للجزيرة نت- إن النظام السوري هو المسؤول عن إزالة هذه الألغام لا سيما ضباط الهندسة العسكرية الذين يمتلكون الخبرة في صيانتها وإزالتها، مضيفا أن قوات النظام تمتلك هذا السلاح بالدرجة الأولى.

وأرجع الخسائر البشرية من المدنيين في انفجارات الألغام بأنها ناجمة عن انسحاب النظام من مناطق كان يسيطر عليها دون إزالة هذه الألغام، أو تحديد مناطق انتشارها.

المصدر : الجزيرة