ماذا يريد المحتجون في أميركا؟

Protestors In Seattle Rally Against Police Brutality In Death Of George Floyd
مظاهرة في سياتل تنديدا بمقتل فلويد

لم تكن حادثة قتل جورج فلويد يوم 25 مايو/أيار الماضي هي الأولى من نوعها، ويبدو أنها لن تكون الأخيرة. فمقتل رجل أسود أعزل على يد شرطي أبيض، حادثة تكررت مرارا، ويعقب كل حالة موجة غضب واسع وأعمال عنف، لكن لم يسبق أن كانت بحدة وخطورة ما تشهده الولايات المتحدة الآن.

ربما يكون عرض مقطع الفيديو الذي وثق لضغط شرطي أبيض على رقبة فلويد لما يقرب من تسع دقائق قد ساهم في مضاعفة الغضب، وربما أيضا ضاعف من الغضب مشاركة ثلاثة رجال شرطة من البيض في الجريمة بعدم تدخلهم لوقف عملية القتل.

لكن المؤكد أن هناك خللا هيكليا في وضعية السود في المجتمع الأميركي، ولم يغير من هذا الخلل وصول رئيس أسود إلى البيت الأبيض باراك أوباما، الذي بقي في الحكم لفترتين من العام 2008 إلى العام 2016. وحتى القوانين والتشريعات المختلفة لم تنجح في ردم هوة العنصرية المتفشية في قطاعات واسعة من الشرطة الأميركية.

على الورق فقط

تتبنى الولايات المتحدة قوانين تعكس المساواة النظرية بين كل مواطنيها بغض النظر عن لون بشرتهم أو خلفيتهم الدينية أو العرقية. ومع وقوع جرائم دوافعها عنصري، تخرج المظاهرات والاحتجاجات ويتم توجيه الانتقادات والاتهامات للشرطة، ويطالب الساسة ويعِد الرئيس بإصلاح النظام الجنائي.

وفي إشارة واضحة إلى الخلل في تطبيق القانون، تبلغ نسبة السكان السود 13% من إجمالي عدد السكان الأميركيين، في حين يمثلون ما يقرب من 40% من إجمالي السجناء في البلاد.

ومع تكرار انتهاكات رجال الشرطة البيض للرجال السود، ظهرت حركة "حياة السود مهمة" لتنسق الجهود على محاربة هذه العنصرية، وللعمل على إصلاح النظام الجنائي.

المتظاهرون يحملون صورة ضحية الممارسات العنصرية للشرطة المتظاهرون يحملون صورة ضحية الممارسات العنصرية للشرطة (الفرنسية)

ما الجديد؟

وارتبط جديد هذه الحادثة بتوقيتها، فهي جاءت في وقت تعاني فيه الولايات المتحدة من أكبر أزمة اقتصادية تتعرض لها منذ الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي نتيجة وباء كورونا الذي دفع 40 مليون أميركي للانضمام إلى طوابير العاطلين خلال الشهرين الأخيرين.

واستدعى انتشار الفيروس بنسب مرتفعة في صفوف الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية ذكريات أليمة في أذهان الملايين من هذه الفئة المجتمعية، ترتبط بكونها في مقدمة ضحايا الكوارث التي تحل بالولايات المتحدة. كما سلطت أزمة كورونا الضوء على واقع الظروف المعيشية والصحية للأميركيين من أصول أفريقية.

وعلى سبيل المثال، وصلت نسبة المصابين بكورونا في ولاية مينيسوتا -حيث قتل جورج فلويد- إلى 20%، في الوقت الذي لا تتخطى فيه نسبة السود هناك حاجز 7% فقط من إجمالي السكان.

ودفعت تبعات وباء كورونا إلى انعدام الثقة في السلطات المحلية والاتحادية مع فشلهما في إدارة الأزمة وارتفاع الإصابات بين السود.

وضاعفت طبيعة الرئيس دونالد ترامب وطريقة تعامله مع الأزمة من حدة رد فعل السود وغيرهم من الغاضبين.

وهدد ترامب المحتجين وطالب حكام الولايات من الديمقراطيين بأن يكونوا "أقوياء" في مواجهة "الفوضويين"، ودعاهم إلى الاستعانة بقوات الحرس الوطني في ولاياتهم.

ولم يقم ترامب حتى الآن بإظهار صفات القيادة الضرورية في هذه اللحظة الاستثنائية من التاريخ الأميركي، كما لم يوجه خطابا موحدا تصالحيا إلى الأمة الأميركية، وبدل ذلك لجأ إلى التغريد مهددا المحتجين الغاضبين.

مطالب متجددة

يطالب قادة التنظيمات السوداء بتدريب رجال الشرطة على ضرورة احترام حقوق السود وبقية الأقليات، وهذا الطلب ليس بجديد، لكن لم يستثمر فيه بجدية من قبل.

كما يطالب النشطاء السود بإصلاح نظام العدالة الجنائية، فأي متهم أسود يخالف القانون ينال عقوبة أغلظ من نظيره الأبيض الذي يرتكب نفس الجريمة.

ولا يمكن تحقيق العدالة أو الاقتراب منها إلا في ضوء المساواة في الفرص بين السود والبيض الأميركيين، وهنا تتوقف فرص الإصلاح ولا تتقدم إلى الأمام لعدم وجود إرادة للتغلب على هذه المعضلة.

المصدر : الجزيرة