دموع ودماء على تخوم أوروبا.. رصاصات يونانية وغازات "فتاكة" تعبر الحدود لتصيب اللاجئين

لم تنته محاولات آلاف اللاجئين والمهاجرين عبور الحدود التركية اليونانية بهدف الوصول إلى بلدان أوروبا؛ وكان مئات اللاجئين تدفقوا عبر ولاية أدرنة التركية الحدودية مع اليونان منذ أعلنت أنقرة نهاية فبراير/شباط الماضي أنها لن تعيق حركة المهاجرين غير النظاميين باتجاه أوروبا، لكن تلك الموجة توقفت مؤقتا بسبب تفشي جائحة كورونا.

اليونان بدورها لم تفتح أبوابها للاجئين ومنعت مرورهم عبر أراضيها، وسُجل مقتل طالب لجوء سوري بعد إصابته برصاص القوات اليونانية قرب معبر بازار كوليه، وأصيب آخرون بجروح. ونفت الحكومة اليونانية استخدام الرصاص الحي ضد اللاجئين، لكنها أطلقت قنابل غاز مدمعة بكثافة مما أدى لإصابات بعضها خطير بين طالبي اللجوء في مارس/آذار؛ وجاءت معاناة العالم مع جائحة كورونا لتطوي صفحات مؤلمة في رحلة اللجوء الصعبة إلى أوروبا.

وفي تحقيق استقصائي استغرق شهورا، تحدث الصحفي البريطاني نيك ووترز إلى العديد من اللاجئين وأسرهم، وتتبع صورا ومقاطع فيديو في وسائل التواصل الاجتماعي، ليؤكد استخدام أجهزة الأمن اليونانية نوعا خطيرا من الغاز المدمع سبق أن أدى إلى إصابة ووفاة العشرات من المتظاهرين في العراق، في المظاهرات التي اندلعت بمدن عراقية مختلفة العام الماضي.

مقتل محمد جولزار

وفي تقرير منفصل نشر حديثا في منصة التحقيقات المفتوحة المصدر "بلينغكات"، وثّق ووترز استخدام قوات الأمن اليونانية الرصاص الحي لمدة 40 دقيقة في 4 مارس/آذار الماضي ضد اللاجئين، مما أسفر عن مقتل اللاجئ السوري محمد جولزار (42 عاما) وإصابة سبعة آخرين. وعلى إثر الحادث اتهمت السلطات التركية الجنود اليونانيين باستخدام الرصاص الحي، ونددت السلطات اليونانية بهذه "الادعاءات" باعتبارها دعاية وأخبار وهمية.

فحص ووترز مئات من مقاطع الفيديو والصور عبر منصات متعددة، وحصل على فيديوهات خاصة، وتمكن من توثيق مشهد  إصابة جولزار  بالرصاص من خلال فيديو أرسلته أرملة اللاجئ، وأكد أن الضحية كان على الحدود منذ صباح ذلك اليوم وأصيب قبل الساعة 10:30 بقليل برصاص قاتل من عيار 5.5 ملم.

وباستخدام تقنيات تحديد الموقع الجغرافي، ورغم صعوبة تحديد معالم المنطقة كون الحدود اليونانية التركية أرض زراعية مسطحة في الغالب، تمكن الصحفي البريطاني من تحديد نقاط مرجعية قليلة عبر لون الحقول وميل التربة، ليحدد إحداثيات واقعة مقتل محمد وإصابة 6 آخرين بدقة بالغة.

وبتحليل فني لصوت الرصاص حدد الصحفي البريطاني مكان إطلاقه، ليؤكد أنه أطلق من على بعد حوالي 40-60 مترا من الطرف الذي تواجدت فيه قوات حرس الحدود اليونانية، وأكد في الوقت ذاته أن نطاق وجود القوات التركية في ذلك اليوم يؤكد عدم إمكانية إطلاقها عيارات نارية ضمن الإحداثيات التي جرت فيها الواقعة.

وكشف ووترز للجزيرة نت أن هناك رسالة مفتوحة موقعة من أكثر من 100 عضو في البرلمان الأوروبي، وأسئلة تم طرحها في البرلمان الهولندي والدانماركي بخصوص الواقعة التي قتل فيها اللاجئ السوري، وأضاف مستدركا "على حد علمي، لم يتم إجراء تحقيق رسمي بعد، ولكن يحتمل أن يبدأ أحدها قريبا".

الغاز الفتاك

وقال ووترز -الذي عمل في السابق ضابطا في الجيش البريطاني- إنه تتبع الصور ومقاطع الفيديو لعبوات قنابل الغاز المدمع التي جرى إطلاقها من الطرف اليوناني على اللاجئين، ولاحظ أنها من النوع الواسع النطاق المصمم للمسافات البعيدة، وليس النوع العادي الذي لا يتسبب بإصابات كبيرة، استنادا لتحليل أجراه خبراء من مؤسسة أوميغا للبحوث التي تبحث في الأسلحة والمعدات المستخدمة في التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان.

ويبلغ مدى هذا النوع من قنابل الغاز المدمع عادة 150 مترا، وهو ما يلزمه عادة طاقة حركية أكبر بكثير من قنابل الغاز المدمع العادية، وتكون أطرافها مدببة، ويؤدي الجمع بين طاقة حركية كبيرة (قوة دفع القذيفة) والرأس المدبب ليسبب هذا النوع من المقذوفات حالات وفاة محتملة للمصابين، بحسب تحقيق الصحفي البريطاني لمنصة "بلينغكات".

وقال ووترز للجزيرة نت إنه لم يرصد ردود فعل لمنظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني على تقريره الذي رصد إصابات مؤكدة بهذا النوع من المقذوفات.

وتشير البيانات المطبوعة على هذه المقذوفات إلى أنها من نوعية "سي إس 560" (CS 560) الطويلة المدى، ومن صناعة "تقنية الدفاع – المختبرات الفيدرالية" الأميركية التي تصف منتجاتها "بالأقل فتكا كخيار لإنفاذ القانون"، لكن إصدارا من تقرير "وقائع الشرطة" يعود لعام 1969، يفيد بأنها تزن 284 غراما، مع سرعة 225 قدما (نحو 68 مترا) في الثانية ومدى 150 ياردة (نحو 137 مترا)، وهو ما يجعلها خطيرة للغاية.

ولا يُعرف حتى الآن ما إذا كانت الإصدارات الحديثة لهذه الذخيرة لها خصائص مختلفة. ورصدت منظمة العفو الدولية استخدام هذه النوعية من الغاز المدمع والذخائر ذات المدى والنطاق الواسع خلال احتجاجات العراق الأخيرة، مما أدى لمقتل عشرات الأشخاص، وأثار سخرية من توصيف الشركة المصنعة لمنتجاتها بأنها "الأقل فتكا" لحماية القانون، بحسب ووترز الصحفي البريطاني والمحلل الأمني.

وتظهر الصور التي تم التقاطها في 1 مارس/آذار الماضي بوضوح، قيام أحد أفراد الأمن اليوناني بتحميل قذيفة "سي إس 560" في القاذف المخصص لها، مما يؤكد أن هذا النوع من الذخيرة قيد الاستخدام النشط على الحدود اليونانية التركية، ويرجح الصحفي البريطاني أن هذا النوع من الذخائر هو سبب مقاطع الفيديو والصور التي تظهر لاجئين مصابين بجروح خطيرة على الحدود.

وفي دراسة موسعة أجريت على أكثر من 5 آلاف شخص مصابين بنوعيات مشابهة من الغازات المدمعة أثناء احتجاجات مختلفة في 11 دولة، تبين وفاة اثنين منهم وإصابة قرابة ستين بإعاقات دائمة، وبلغت نسبة الإصابات الشديدة بالغاز قرابة 9%، بينما بلغت بسبب الإصابة المباشرة بالمقذوف 27%، بما في ذلك إصابات بالرأس وفقدان للرؤية، بحسب الدراسة المنشورة في مجلة بيوميد البريطانية العلمية عام 2007.

حدود ملتهبة

وكانت الجزيرة نت قد توجهت إلى الحدود التركية اليونانية قرب بوابة بازاركوليه الحدودية بين البلدين، والتقت هناك بعض اللاجئين السوريين والعراقيين الذين قالوا إن الغازات المدمعة تسببت في حالات اختناق بين من يحاولون العبور، وبينهم أطفال ومسنين.

وقال الشاب العراقي صهيب العقيدي إن قوات خاصة يونانية ملثمة أطلقت قنابل غاز تسببت في حالات اختناق وإغماءات، وأدى اتجاه الرياح لانتشار الغاز حتى مكان وجود عائلات اللاجئين على الطرف التركي، وتسبب بحالات اختناق لعشرات الأطفال الذين نقل بعضهم للمستشفيات التركية في مدينة أدرنة الحدودية.

ولاحظ الشاب العراقي وجود قوات اتحاد أوروبي ملثمة على الطرف اليوناني، وكانت ترتدي زي مكافحة الشغب، واعتدت بالضرب على اللاجئين، بينما ارتدت القوات اليونانية زيها الرسمي المعتاد وكانت تطلق الرصاص فوق رؤوس اللاجئين، بالإضافة للغاز الفتاك.

وإذ عاد العقيدي وكثير من اللاجئين أدراجهم ولم يستطيعوا عبور الحدود إلى أوروبا، لا تزال أرملة جولزار وعائلته يعانون من غياب العدالة في قضية مقتل اللاجئ الأربعيني برصاصات قاتلة اخترقت السياج الحدودي الذي لم ينجح هو بنفسه في عبوره.

المصدر : الجزيرة + وكالات