مصر تودع عاما حقوقيا حزينا فهل تشهد انفراجة في 2021؟

سجن العقرب (صورة متداولة إعلاميًا وبمنصات التواصل)
سجون مصر تمتلئ بآلاف المعارضين والناشطين (مواقع التواصل)

يودع المصريون عاما حزينا في الملف الحقوقي، خصوصا بعد تنفيذ رقم قياسي من الإعدامات في قضايا سياسية، ناهيك عن الملاحقات الأمنية والانتهاكات الحقوقية التي طالت مختلف التوجهات والتيارات، فهل تشهد البلاد انفراجة حقوقية في العام الجديد 2021؟.

ووفقا لتقارير حقوقية متعددة، فإن مصر تعيش منذ ما يزيد عن 7 سنوات، أسوأ أزمة حقوقية في تاريخها الحديث، حيث يقبع آلاف المعارضين في السجون يتعرض أغلبهم للتعذيب والإخفاء القسري والإهمال الطبي.

وقبل أيام، نقلت صحيفة "الغارديان" (The Guardian) البريطانية، عن تقرير حقوقي سويسري أن عدد من ماتوا بمراكز الاحتجاز المصري ارتفع خلال 2020 إلى 100 شخص؛ ليرتفع عدد الوفيات بالسجون إلى أكثر من ألف منذ الانقلاب العسكري صيف 2013؛ لأسباب بينها التعذيب والإهمال الطبي.

ومع تولي المرشح الديمقراطي جو بايدن منصب الرئاسة في الولايات المتحدة الأميركية، الشهر المقبل، يعول مصريون على إدارته في تحسين أوضاع الحريات وحقوق الإنسان في بلادهم، بعد احتضان سلفه المنتهية ولايته دونالد ترامب لسياسات نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي استمتع لـ4 سنوات بكونه "دكتاتور ترامب المفضل".

عام حزين

وقد كان عام 2020، الذي يوشك أن يرحل، امتدادا لواقع بدأ مع الانقلاب العسكري، الذي قاده الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي في صيف 2013، عندما كان وزيرا للدفاع، وكانت إحدى أبرز علاماته تدهور الحقوق السياسية والمدنية بمصر.

كذلك لقي ملفّا حرية الإعلام والمرأة تفاعلا واسعا في سياق تناول الشأن المصري، لما أصابهما من تدهور شديد العام المنصرم، وبسبب تسليط سياسيين وحقوقيين دوليين الضوء عليهما.

وشهدت الأسابيع الأخيرة للعام امتداد الاعتقالات إلى ناشطين بارزين من "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" قبل أن يطلق سراحهم إثر ضغوط دولية.

وقبل ذلك شهد شهر سبتمبر/أيلول موجة اعتقالات رافقت قمع مظاهرات خرجت للمطالبة برحيل السيسي ونظامه، تلبية لدعوة من الفنان محمد علي، الذي كان يعمل مقاولا مع الجيش، قبل أن يغادر مصر، ويبدأ بكشف وقائع فساد تخص السيسي وأسرته وعددا من قادة الجيش.

وشهد 2020 كذلك توسع المحاكم العسكرية في قرارات الإدانة، مدفوعة بتعديلات دستورية أتاحت لها معاقبة المدنيين.

في الوقت نفسه، لم يسلم من يقفون في الصفوف الأولى في مواجهة فيروس كورونا من الاعتقال، حيث تعرض نحو 9 على الأقل من الأطباء والصيادلة لانتقادهم الأداء الحكومي في هذه الأزمة؛ بدعوى نشر أخبار كاذبة أو الانتماء لجماعة إرهابية، وهي اتهامات كثيرا ما يتم استخدامها في قضايا سياسية.

وخلال شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني، أعدمت السلطات 17 معتقلا بقضايا سياسية شابتها اعترافات قسرية وانتهاكات حقوقية، بما في ذلك التعذيب والإخفاء القسري، إضافة لـ44 إعداما في قضايا جنائية، وفق تقرير لمنظمة العفو الدولية.

وتزامنت موجة الإعدامات مع مقتل 4 سجناء محكوم عليهم بالإعدام، ومثلهم من الأمن خلال محاولة هروب "مزعومة" بسجن العقرب (جنوبي القاهرة) أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، بدون إجراء تحقيق في الحادث.

وبشكل عام، فمنذ الانقلاب العسكري، نفذت السلطات 77 إعداما في قضايا سياسية شابتها انتهاكات قانونية، بحسب منظمات محلية ودولية.

تدوير القضايا

وشهد عام 2020 استمرار ظاهرة "قانونية" ابتكرها النظام المصري في السنوات الأخيرة، ويعتبرها حقوقيون واحدة من أبشع الجرائم بحق المعتقلين السياسيين، وهو ما يسمى تدوير القضايا، فبعد أن يصدر قرار من القضاء بإخلاء سبيل شخص ما يذهب إلى مقر الشرطة لترتيب إجراءات إخلاء السبيل، وهناك يتفاجأ بأنه متهم بقضية جديدة، ليعود مرة أخرى إلى السجن.

المثير والغريب أن بعض الحالات شهدت إعادة معارضين أو نشطاء إلى السجن على ذمة قضايا حدثت أثناء فترة احتجازهم أو خلال فترة إخفائهم قسريا، وهو أمر بات هو الآخر متكررا، حيث تقوم قوات شرطة ترتدي زيا مدنيا بالقبض على شخص ما، ولا يعرف ذووه مكانه لأيام وأحيانا أسابيع حتى يظهر في مقر النيابة بعد أن يكون غالبا قد تعرض للتعذيب في مقرات الشرطة.

ومن بين من تعرضوا للتنكيل عبر تدويرهم في قضايا جديدة، المرشح الرئاسي السابق ورئيس حزب مصر القوية، الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، والسيدة علا ابنة الداعية البارز يوسف القرضاوي، والمحامي والناشط الحقوقي إبراهيم متولي.

الإهمال الطبي

تزايدت في السنوات الأخيرة حالات الموت بالسجون؛ على إثر الحرمان من الرعاية الصحية والإهمال الطبي للمرضى وكبار السن، إضافة للتعذيب، ثم جاءت تداعيات فيروس كورونا لتزيد من بؤس الحال.

من بين من فقدوا أرواحهم في ظروف غير آدمية بالسجون خلال 2020 القيادي الإخواني البارز، عصام العريان، وعمرو أبو خليل شقيق الحقوقي والإعلامي هيثم أبو خليل، والمصري الأميركي مصطفى قاسم.

وفي أعقاب حادثة الهروب "المزعومة" بسجن العقرب، شددت السلطات من قيودها على النزلاء، وهو ما اعتبرته منظمات حقوقية "عقابا جماعيا".

ويحتجز بـ"العقرب"، وهو سجن شديد الحراسة في مجمع سجون طرة الواقع جنوبي العاصمة (القاهرة)، ما بين 700 إلى 800 سجين، يعانون منع الزيارات والحرمان من التريض والحبس الانفرادي لسنوات.

ملاحقة أسر المطلوبين

ألقت واقعة إطلاق سراح 5 من أقارب الناشط الأميركي من أصل مصري محمد سلطان، والذي ارتبط اعتقالهم بنشاطه السياسي والحقوقي، الظلال على ملاحقة أسر المطلوبين لدى النظام، خصوصا بعد ربط الإفراج عنهم بفوز بايدن بالرئاسة.

خلافا لسلطان عانت العشرات من أسر المعتقلين والمطلوبين للتنكيل والملاحقة الأمنية، ومن بينهم -وفق تقارير حقوقية- كمال شقيق الصحفي البارز خالد البلشي، وأنس نجل القيادي الإخواني محمد البلتاجي، وأسامة مرسي (نجل الرئيس الراحل)، وعائشة خيرت الشاطر وأشقاء للإعلامي معتز مطر، فضلا عن شقيقين للناشطة غادة نجيب.

 

بين التنكيل والتهدئة 2021

ويؤكد الحقوقي والإعلامي هيثم أبو خليل، أن عام 2020 كان سيئا حقوقيا ومدنيا واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، ولا يختلف عن السنوات التي سبقته، مشيرا إلى استمرار القتل خارج إطار القانون من تصفيات جسدية، والقتل في السجون بالإهمال الطبي، وتنفيذ الإعدامات بالجملة، وتأميم الحياة السياسية، والانتخابات المزورة.

واستبعد أبو خليل، في تصريحات للجزيرة نت، أن تفضي عوامل وضغوط خارجية بما فيها إدارة بايدن، إلى تعديل سلوك النظام إلا في بعض الأمور الهامشية، مشددا أن المؤثر هو الشعب المصري فقط، ومستشهدا بالمظاهرات التي خرجت في سبتمبر/أيلول الماضي، وكيف كانت السلطة مذعورة منها وتراجعت، وأجلت على إثرها قوانين هدم المنازل وفرض الغرامات.

وعن مؤشرات 2021، توقع أبو خليل أن "تكون الأمور بها بعض الاحتشام، وقد لا نرى انتهاكات صريحة وفجة، ولكن قد تُقرن بالإرهاب ودعم المتطرفين؛ مما يعجب الداعم الأساسي للنظام في تل أبيب والصهاينة الجدد (ولي عهد أبو ظبي) محمد بن زايد وغيرهم" على حد قوله.

كما توقع أبو خليل "استمرار اعتقال المنتسبين للتيار الإسلامي، أما التيار المدني فقد يشهد انفراجة جزئية لتجميل الصورة في عهد بايدن" إذ "يمكن إعطاء مساحة لبعض المؤسسات التي لها أجندة خاصة لكن في مسارات محددة سلفا، ولن تقترب مما هو مهم حقيقة للشارع المصري".

أمل بانفراجة

وبدورها، رأت الحقوقية سلمى أشرف أن "الوضع في مصر مستمر من سيئ إلى أسوأ"، مضيفة أن مصر شهدت عام 2020 أعلى نسبة إعدامات منذ 2013، إضافة إلى زيادة نسبة المعتقلين، التي شملت حقوقيين معروفين، وانتهت بإحراج السلطات.

وبشأن العمل السياسي ترى سلمى أن ما حدث أخيرا في انتخابات مجلس الشيوخ والشعب يعطي مؤشرا واضحا على إصرار النظام على إغلاق أي أفق تحسّن في هذا المجال، ولا ترى في ما جدّ من معطيات أن تغيرا ما سيحدث في هذا الملف.

لكنها توقعت في الوقت نفسه، أن يكون للتغييرات الدولية بعض التأثير في الوضع الحقوقي بمصر، رغم ارتباطها بالمصالح السياسية بشكل أساسي على غرار قضية ريجيني، مضيفة أن وجود الإدارة الأميركية وعلى رأسها جو بايدن دليل أن الملف الحقوقي بمصر تحت النظر، وأيضا تعبير عن أنه لن ينتهج سياسة سابقيه.

وعبرت الناشطة سلمى أشرف عن أملها في حدوث تغيير حقيقي في العام المقبل، وأن تحدث انفراجة بالسجون، التي تحولت بالفعل إلى مقابر للشباب، ومع ارتفاع حالات كورونا قد تتحول إلى مقابر كاملة، على حد قولها.

وختمت بأنها تتمنى أن يكون المجتمع الدولي مسؤولا بشكل أكبر، ومدافعا عن كافة المعتقلين من مختلف التوجهات والتيارات.

أما خلف بيومي، مدير مركز "الشهاب" لحقوق الإنسان، فيرى أن الموقف الأخير للبرلمان الأوروبي، الذي لم يتوقف كالعادة عند نقد الوضع الحقوقي في مصر، بل تجاوزه إلى التوصية باتخاذ إجراءات عقابية، يمثل أحد تلك العوامل التي يمكن أن تدفع النظام إلى حلحلة بعض الملفات الحقوقية مستقبلا.

توقعات متباينة

لكن مصطفى عزب، مسؤول الملف المصري بالمنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، لا يتوقع تحسنا لافتا في ملف حقوق الإنسان بمصر عام 2021، لاعتبارات منها نجاح النظام القائم في تدمير المنظومة القضائية، وإنهاء حياد مؤسسات الدولة وتحويلها إلى أدوات قمعية في يد مستخدميها.

كما يرى أنه في مقابل تغيّر الإدارة الأميركية، وما يأمل فيه البعض من مواقف داعمة لحقوق الإنسان منتظرة من إدارة بايدن، فإن هناك داعمين إقليميين للسيسي وسياسته على رأسهم إسرائيل والإمارات، وهما -في رأيه- تشكلان له دائرة حماية ورعاية دبلوماسية، تقلل من تأثير الانتقادات الحقوقية الدولية.

أخيرا، وفي ما يتعلق بقضايا المرأة والإعلاميين، يتوقع هيثم أبو خليل تحسنا محدودا في جانب من قضايا المرأة، مثل التحرش والحقوق الجنسية، لكن القضايا الأبرز مثل حقوق المرأة المعيلة، والسجينات وزوجات المعتقلين لن يتغير حالها عما هي عليه. وفي ملف الإعلام يرى أنه ما عاد هنالك داخل مصر من إعلام حقيقي حتى يتصور أن تتحسن حقوق منتسبيه.

كذلك لا تظن سلمى أشرف أن تحسنا سيطرأ على مسار الحقوق الإعلامية، إذ تتوقع استمرار إعلام الصوت الواحد داخل مصر، كما تعتقد أن الحقوق الضرورية للمرأة المصرية لن تشهد تحسنا هي الأخرى.

المصدر : الجزيرة