ثالث أكبر عرقية في البلاد.. تعرف على تركمان العراق

يتشارك تركمان العراق في علاقات ثقافية ولغوية متينة مع تركيا (الجزيرة نت)

تعود بدايات استيطان التركمان العراق إلى عام 54 للهجرة، ويطلق هذا الاسم على العراقيين المتحدرين من أصول تركية، وبدأت تسميتهم بالتركمان في عهد السلاجقة.

ويتوزع التركمان في المناطق الشمالية والوسطى من العراق، حيث ينتشرون في محافظات نينوى وأربيل وكركوك وديالى وصلاح الدين وفي بعض أحياء العاصمة بغداد.

ويعد التركمان ثالث أكبر مجموعة عرقية في العراق بعد العرب والأكراد، وتقدّر بعض المصادر عددهم بين مليونين إلى 2.5 مليون نسمة.

ولهم ثقافة خاصة بهم متأثرة بشكل كبير بتراث الأتراك وكذلك عاداتهم وتقاليدهم، حيث يتشاركون في علاقات ثقافية ولغوية متينة مع تركيا.

ولا يزال تركمان العراق يحتفظون بلغتهم التي تعرف بـ"التركمانية"، ويتحدث معظمهم بها، وهي لهجة قريبة من اللهجة المحلية للمحافظات التركية الجنوبية الشرقية مثل ديار بكر وأورفة، كما يتقن التركمان العربية ويتحدث بعضهم الكردية.

بيرقدار.. تركمان العراق لهم عادات تميزهم عن القوميات الأخرى -
بيرقدار: لتركمان العراق عادات تميزهم عن القوميات الأخرى  في البلاد (الجزيرة نت)

أصول التركمان
تعود أصول التركمان إلى جدهم الأكبر "أوغوز" الذي عاش في وسط شرق آسيا، وتفرع منهم قبائل عدة مثل (الآق قوينلو، والقره قوينلو، والقايلار، وسلجوقلار)، وبعدها توسعوا إلى أرض العراق، حسب كمال عزيز بيرقدار أحد مخاتير منطقة القوريا بكركوك.

ويشير جان خليل قصاب، رئيس منظمة أحفاد الفاتح لطلبة وشباب تركمان العراق، إلى أنهم استوطنوا العراق منذ ما يقارب 1400 عام، وبالتحديد سنة 54 للهجرة عندما شاركوا مع الجيوش الإسلامية في الفتوحات.

في حين نوّه الأكاديمي التركماني جودت بهجت إلى أن التركمان هم أول من قاتل في صف الجيش الإسلامي ولم يسلموا بعد، فرفعوا "راية لا إله إلا الله" قبل إسلامهم، ثم أسلموا بعد أن رأوا عدالة الإسلام وسماحته.

ويضيف للجزيرة نت أن هجرات التركمان توالت إلى العراق، فكانت دولة السلاجقة الذين هم أيضا أحد أفخاذ العرق التركماني، حيث توسعت دولتهم لتشمل جزءا من إيران وأذربيجان والعراق والأناضول وسوريا.

ويتابع أن كل الدراسات تشير إلى أن التركمان كانوا من البدو، ولكنهم تحضروا في وقت قياسي وأسسوا دولا عدة في العراق، منها دولة السلاجقة والزنكيين والأتابكة والغزنويين.

قصاب: استوطن التركمان العراق منذ 1400 عام (الجزيرة نت)

ويقول تركمان عراقيون -ممن التقيناهم أثناء إعداد التقرير- إن وجودهم في العراق واستيطانهم لم يكن مرتبطا بسيطرة العثمانيين على البلاد، لأنهم  يعودون إلى قرون قديمة سبقت الدولة العثمانية، مشيرين إلى أنه خلال حكم الدولة العثمانية ازدادت هجرة التركمان باتجاه العراق بشكل كبير ولافت.

ويبيّن الإعلامي الكاتب التركماني علاء الدين مصطفى أن أبرز عشائر التركمان المعروفة لدى عشائر العراق، البيات، والونداوية، والدركزلية، وبيرقدار.

ويوضح -للجزيرة نت- أن باقي عشائر التركمان لا تتعدى كونها أسماء عائلات أو مناطق أو مهن ارتبطت ببعض البيوتات التركمانية في محافظات العراق.

مصطفى: للتركمان منتديات أدبية وثقافية تنشر الصحف والمجلات (الجزيرة نت)

انتشار التركمان
يتركز التركمان في محافظات ومدن عراقية عدة ولاسيما الشمالية، أبرزها كركوك وكذلك مناطق تازة وداقوق وطوزخورماتو، وفق ما قاله بيرقدار للجزيرة نت.

ويضيف أن التركمان ينتشرون أيضا في مدن كثيرة مثل أربيل والموصل وتلعفر والرشيدية، وقرى تركلان ويحياوه وليلان، بالإضافة إلى نحو 30 قرية، ومناطق عدة في ديالى، منها خانقين وجلولاء ومندلي، وكفري وآمرلي.

وكذلك في بغداد والكوت سكن تركمان من عشيرة القراغول، وفي أقضية عدة في محافظة صلاح الدين، حسب بيرقدار.

ويروي الأستاذ نجاة رئيس تحرير صحيفة تركمن إيلي أنه عندما انتقل أمير خراسان عبيد الله بن زياد إلى البصرة عام 675 للميلاد، نقل معه ألفين من خيرة رماة السهام التركمان وضمّهم إلى جيشه وصرف لهم معاشات.

ويضيف نجاة -للجزيرة نت- أن دراسات أخرى تفيد بأن أولى موجات الأتراك إلى أرض الرافدين وأول مرحلة استيطان للتركمان بدأت في زمن السومريين، أي قبل نحو 7 آلاف عام، وادّعى أكثر الباحثين بأن هناك علاقة بين لغة السومريين ولغات أورال آلتاي التركية.

ثقافات وعادات
إن أبرز ما يميز الثقافة التركمانية عن غيرها هو أن لدى التركمان نوعا من شعر الخوريات (أحد ألوان الشعر التركماني) أو الأغاني، ولها أهميتها في التراث التركماني، حسب نجاة.

ويفيد بيرقدار بأن للتركمان عادات تميزهم عن القوميات الأخرى مثل حفلات الزفاف والمناسبات الدينية، خاصة في شهر رمضان، مبينا أن حفلة الحنّاء التي تسبق العرس بيوم يتخللها الطبل والمزمار مع الدبكة التركمانية، والأغاني والمقامات التركمانية الخاصة.

ويضيف بيرقدار أن استقبال شهر رمضان يتميز لدى التركمان بلافتات دينية خاصة وكاملة حيث تزين الأسواق والجوامع والأحياء السكنية، ومن عاداتهم أنهم يتجمعون يوميا بعد الإفطار في "الشاي خانات" (أندية الشاي) ويلعبون لعبة الصينية (لعبة تراثية تلعب في رمضان)، وهذه اللعبة هي تراث تركماني، فأينما رأيت قوما يلعبون هذه اللعبة بطقوسها، فاعرف أن تلك المنطقة فيها من التركمان، حسب بيرقدار.

أما ما يميز الثقافة التركمانية، حسب بيرقدار، فهو انفرادهم بثقافتهم الخاصة ولغتهم التركمانية، ولديهم أدباء وشعراء، وحالتهم الاجتماعية قد تختلف عن باقي القوميات.

ويلفت الأكاديمي بهجت إلى أن قرابة 90 من معالم العراق الشاخصة تعود إلى الدول التركمانية التي أسست في العراق، وكذلك الكثير من الخانات والجوامع ذات الطراز السلجوقي المعروف.

وعن الزي التركماني يقول الخياط محمد رؤوف من مدينة كركوك، إن زيّهم التقليدي يتمثل بـالصاية (رداء طويل يلبس فوق الثوب)، والجاكيت (السترة: لباس يغطي النصف الأعلى من الجسم)، والجراوية (شماغ: قطعة قماش تلف فوق الرأس).

وهنالك زي خاص للنساء لونه سماوي يلبس فوقه عرقجين (غطاء الرأس) ويكون ثخينا قليلا، ويتلون بالنجوم والحلقات، والخيوط الذهبية أو الرصاصية، وفي الأسفل دشداشة (ثوب طويل) مزخرف أيضا وملون بالخيوط الذهبية والفضية، وحذاء خاص، حسب رؤوف.

وينوه رؤوف إلى أن تركمان العراق اليوم لا يرتدون هذا الزي التقليدي إلا في المناسبات، ويعتقد أن غلاء سعر خياطة الزي التركماني الذي قد يبلغ 350 ألف دينار عراقي (280 دولارا) يجعل ارتداء الزي في المناسبات محدودا بأصحاب الدخل العالي.

وإضافة إلى الزي الخاص يبيّن قصاب -للجزيرة نت- أن للتركمان أكلات مشهورة مثل الدولمة (المحشي)، إلى جانب التقاليد المختلفة لديهم في الأعراس والعزاء.

وامتهن التركمان صناعة الفخار، وهناك عائلة كبيرة مشهورة بهذه الحرفة وهي "كوزه جي" إلى جانب مهن أخرى كالقصابة والعطارة والخياطة والنجارة، فضلا عن الزراعة والرعي، حسب قصاب.

نجاة.. من أبرز ما يميز الثقافة التركمانية شعر الخوريات - الجزيرة نت
نجاة يرى أن من أبرز ما يميز الثقافة التركمانية شعر الخوريات (الجزيرة نت)

اهتمامات أدبية
يعمل التركمان اليوم جاهدين للحفاظ على موروثهم الثقافي الأصيل، ويتحدث نجاة عن مجالس أدبية وثقافية تقام أسبوعيا في اتحاد أدباء التركمان في كركوك والأماكن الأخرى.

وتقام ندوات لمناقشة أصناف الشعر التركماني القديم والكلاسيكي والمعاصر الحديث والشعبي، وتقديم القصص والحكايات القصيرة في الإطار الشعري، كما يضيف نجاة.

ويردف بالقول "تقام مجالس في بعض بيوتات التركمان في (ديوان خانات)، يتم خلالها مناقشة فنون التركمان وعروض الغناء والموسيقى والخوريات التركمانية".

وكذلك تقام في مؤسسات المجتمع المدني التركمانية ندوات ومؤتمرات ثقافية وأدبية ومعارض فنية للفنون التشكيلية خاصة برسّامي التركمان.

وبالعودة إلى الكاتب الإعلامي علاء الدين مصطفى، فيؤكد أن للتركمان منتديات أدبية وثقافية تنشر الصحف والمجلات الصادرة عنها، وهي من نتاج أدباء تركمان.

ويضيف أنه من الممكن الاستدلال بالكم الكثير من المطبوعات الصادرة والكتب المنشورة في هذا المجال، كما أن للتركمان عددا من القنوات التلفزيونية والإذاعات المحلية الناطقة باللغة التركمانية، بالإضافة إلى عدد كبير من الإعلاميين المخضرمين والشباب.

ويؤكد الكاتب المهتم بحقوق الإنسان وثقافات الشعوب يحيى شمس الدين حاجة العراق إلى ثقافة تعزيز مشاركة المكونات في رسم سياسة الدولة في الإدارة والاقتصاد وكذلك التعليم.

ويضيف شمس الدين للجزيرة نت، أن تركمان العراق ورغم شعورهم بالغبن فإنهم يعتزون بانتمائهم الوطني وهويتهم القومية، وهم مستمرون بإثراء الساحة العراقية في مجالات التربية والثقافة والعلم إلى يومنا هذا بمختلف أنواع المشاركة في الفعاليات والأحداث.

ولتركمان العراق أحزاب سياسية عدة، قسم منها ينضوي تحت حركة "الجبهة التركمانية العراقية" التي تأسست عام 1995، ومن أبرزها: الحزب الوطني التركماني العراقي، وحزب تركمن إيلي، وحزب التركمان الإقليمي، وحركة التركمان المستقلة، وحزب حقوق التركمان العراقيين، والحركة الإسلامية التركمانية العراقية، بالإضافة إلى أحزاب وحركات أخرى مثل حزب الإرادة التركمانية، وحزب التنمية التركماني، والحزب التحرري القومي التركماني، والحزب الديمقراطي التركماني، والتجمع الليبرالي التركماني.

وتتلقى بعض الأحزاب التركمانية دعما من تركيا، ولا سيما حركة الجبهة التركمانية العراقية حيث لها ممثلية فعالة في أنقرة.

المصدر : الجزيرة