مغارة أبي عمار.. شاهد على خطوات ياسر عرفات الأولى نحو المقاومة

عاطف دغلس-عبد علقت الاعلام واليافطات عند مدخل مغارة ابو عمار-الضفة الغربية- بيت فوريك-مغارة ابو عمار-الجزيرة نت7
الأعلام واليافطات علقت عند مدخل مغارة أبي عمار التي كانت شاهدا على خطوات عرفات الأولى في المقاومة (الجزيرة)

فيها نسجت خيوط الحكاية الفلسطينية في بداياتها، ومنها خرج النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي قبل أكثر من 5 عقود، وعليها يلقي أهل الأرض المحتلة السلام كل عام، ويزورنها تخليدا لأحداث وذكريات زعيمهم وملهم ثورتهم الراحل ياسر عرفات (أبي عمار).

على كتف بلدة بيت فوريك الأيمن قرب مدينة نابلس (شمال الضفة الغربية) تقع مغارة أبي عمار، حيث تم نصب سارية ضخمة لعلم فلسطين وعلقت أعلام أخرى أصغر حجما وصور مختلفة للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، كما نصبت يافطات تذكر مناقب الراحل وتحيي ذكراه.

وعلى وقع مقتطفات من خطاباته الحماسية، والأغاني الثورية، أنيرت شعلة الذكرى، وأضيئت الشموع، وصدحت مكبرات الصوت معلنة إحياء ذكرى رحيل أبي عمار الـ16 ورفاق له جعلوا من أجسادهم جسرا لعبور الفلسطينيين إلى حريتهم.

عاطف دغلس-داخل المغارة اشعلت الشموع في ذكرى ابو عمار-الضفة الغربية- بيت فوريك-مغارة ابو عمار-الجزيرة نت3
داخل المغارة اشعلت الشموع في الذكرى الـ16 لرحيل أبي عمار (الجزيرة)

"أبو محمد" وثورة شعب
تقول الحكاية التي نقش بعض منها فوق صخرة عند مدخل المغارة إن أبا عمار جاء المكان متخفيا وباسم حركي "أبو محمد"، عرفه فقط من كان برفقته بعد أن عبر نهر الأردن، ومشى على الأقدام عشرات الكيلومترات بين عامي 1966 و1967، وهناك التقاه عبد الفتاح حنني (أبو مصطفى) وآخرون، وأطلقوا معا شرارة الثورة ضد الاحتلال الإسرائيلي.

بعد هزيمة الجيوش العربية الستة في حرب عام 1967 اختار أبو عمار الكفاح المسلح ضد إسرائيل، وجعل وطنه وجهته المباشرة، وكانت بيت فوريك محطته الأولى التي جاءها على فترات متقطعة ومكث فيها أكثر من شهرين، وانطلق منها لمدن نابلس وجنين (بلدة قباطية) والخليل.

وفي كل عام تتحول مغارة "أبو عمار" في خربة الخماش في بيت فوريك لمزار لمئات الفلسطينيين من كل مكان لإحياء ذكرى رحيله.

عاطف دغلس- وسيم حنني امين سر حركة فتح في بيت فوريك- الضفة الغربية- بيت فوريك-مغارة ابو عمار-الجزيرة نت1
وسيم حنني أمين سر حركة فتح في بيت فوريك: نعمل على توثيق ذكريات المغارة وترسيخها لدى الأجيال (الجزيرة)

سند قوي
وقف الشيخ عوض حنني (74 عاما) عند مدخل المغارة، وأخذ يسرد لنا حكاية عاشها شقيقه عبد الفتاح حنني (أبو مصطفى) الذي كان ساعد أبي عمار وسنده، وقال للجزيرة نت "هنا كانت نقطة الارتكاز للعمل المسلح، وهنا تم التخطيط لإعداد الخلايا المقاومة وإطلاق الشرارة الأولى للثورة الفلسطينية".

يستذكر الشيخ حنني كيف طلب أبو عمار من شقيقه أن يدله على رجل ضليع في العمل العسكري ليتولى مهمة تدريب الثوار، فوقع الخيار على الملازم في الجيش الأردني مفضي نصاصرة وهو ابن البلدة، وكيف شكل أبو مصطفى "غطاء" وحماية لياسر عرفات.

ومن شدة السرية لم يعرف الشيخ حنني أبا عمار حين التقاه عقب قدوم السلطة الفلسطينية في تسعينيات القرن الماضي في رام الله، أما شقيقه أبو مصطفى، فكان يعرفه جيدا، وقد "احتضنه" عرفات لحظة الالتقاء به آنذاك.

دفع الشيخ عوض ثمن ذكرياته باعتقال الاحتلال له 6 مرات قضى بموجبها سنوات طويلة في سجونه.

ورغم أن أبا عمار وبعد قدومه إلى فلسطين لم يزر بيت فوريك ومغاراتها؛ إلا أنه ظل دائم السؤال عنها لكل من يلتقيه من البلدة "ما أخبار الكروم والسهول وما أخبار المغارة؟".

أما عبد الإله الأتيرة رفيق عرفات في مغارته وتخطيطه وثورته، فلم يترك مناسبة إلا وزار المغارة التي كانت ثكنته العسكرية حينا من الزمن.

المكان الآمن لعرفات
قلَّبنا عليه المواجع حين سألناه عن ذكرياته في المغارة مع أبي عمار، فقال إنها شكلت لمرحلة "مجيدة" من الصمود الفلسطيني، وكانت المكان "الآمن" لعرفات عندما تضيق به بعض المناطق، ويقول إن دخول أبي عمار إلى فلسطين في ظل ترهل يعيشه الفلسطينيون في الداخل آنذاك ومرحلة صعبة شكلتها النكسة وهزيمة العرب عام 1967 شكل مفاجأة لهم.

ويضيف أنهم وفي وقت لم يملكوا فيه إلا بعض الأسلحة الخفيفة فاجأهم أبو عمار بالوصول للمنطقة بدوريات عسكرية راجلة، وقطع نهر الأردن مشيا على الأقدام ليشكل نواة ثورة جديدة قاد زمامها مناضلون آخرون.

تقول رواية يحفظها أهالي بيت فوريك إن أبا مصطفى كان واحدا من 7 أو 8 رجال من البلدة كانوا برفقة أبي عمار، واستشهد بعضهم في معارك مع الاحتلال، وتوفي آخرون لاحقا، فكان عبد الفتاح حنني (أبو مصطفى) يقوم على رعاية أبو عمار، ويخفي تنقلاته بينما يحرسه أحمد نصاصرة نهارا، وينام في بيته ليلا، أما توفيق نصاصرة فكان يؤمن الزاد والعتاد.

عاطف دغلس-عبد علقت الاعلام واليافطات عند مدخل مغارة ابو عمار-الضفة الغربية- بيت فوريك-مغارة ابو عمار-الجزيرة نت8
علقت الأعلام واليافطات عند مدخل مغارة أبي عمار في ذكرى رحيله (الجزيرة)

موقع إستراتيجي
يعرف الشاب علاء حنني ابن القرية تلك القصة جيدا، ويعي تفاصيلها التي سمعها من الحاج توفيق نصاصرة، الذي شكل آخر معاقل الثورة ورجالها الأحياء في بلدة بيت فوريك، وتوفي قبل أقل من عام.
ويقول إن جزءا من هؤلاء الثوار استشهد خلال مقاومة الاحتلال في معارك وقعت في البلدة لاحقا مطلع سبعينيات القرن الماضي، ومنها واقعة "الدريجات" و"الصوانة".

ويصف موقع قريته الجغرافي بـ"الإستراتيجي"، وأن هذا سر اختيار أبي عمار لها، فهي تطل على السهول الشرقية والغربية وتربط بين الحدود الأردنية الفلسطينية، وتشكل نقطة فاصلة بين شمال الضفة وجنوبها.

وهذه الروايات الشفوية يعمل وسيم حنني أمين سر حركة فتح في بيت فوريك ومعه آخرون على توثيقها وترسيخها، وخاصة لدى الأجيال الشابة في مدارس القرية، عبر تنظيم مسير دائم وزيارات للمغارة، التي قاموا بترميمها قبل عامين كدلالة رمزية مهمة.

الخذلان العربي يتواصل
يقول حنني إنهم يفتقدون أبا عمار هذا العام أكثر من غيره، فالظروف التي عاشها آنذاك عام 1967 من خذلان وخنوع عربي ومتاجرة بالقضية الفلسطينية يعيشونه اليوم في ظل حالة التطبيع العربي العلني مع إسرائيل، ويضيف "مثلما خاض أبو عمار ثورته علينا الآن أن نتوحد لننهض في طريق وهدف يقودنا للانتصار".

وهذا الرأي أجمع عليه قادة وسياسيون أحيوا الفعالية، وأكد عبد الإله الأتيرة رسالة أبي عمار بالثبات على الموقف والصمود ضد "المؤامرة الكبرى" ضد فلسطين، ودعا للصمود والتصدي "بشتى أشكال المقاومة"، وقال "المكائد كانت تخرج أبا عمار حرا وأكثر قوة وكذلك نحن".

وهذا الثبات والصمود يراه جهاد رمضان، القيادي البارز في فتح، نصرا بحد ذاته "خاصة بعد طعن العرب فلسطين في الخاصرة".

ويضيف للجزيرة نت مقارنا بين ثورة عرفات وحالة النضال الآن أن الثورة الفلسطينية لا تأخذ شكلا واحدا، فكما كانت مسلحة، وسقط فيها الشهداء، هي الآن "شعبية"، وتتصدر المواقع للتصدي للاحتلال.

المصدر : الجزيرة