حقوقيون: هكذا أسهمت إدارة ترامب في وفاة معتقل أميركي بالسجون المصرية

مصطفى قاسم
المصري الأميركي مصطفى قاسم توفي داخل السجون المصرية نتيجة الإهمال الطبي، حسب حقوقيين (مواقع التواصل)

محمد عبد الله-القاهرة

على غير العادة، أصدرت الداخلية المصرية بيانا وصفته بالمهم والعاجل، تغسل فيه يدها من المسؤولية عن وفاة المعتقل المصري الأميركي مصطفى قاسم، الذي وافته المنية الاثنين إثر تدهور حالته الصحية، في حين اتهم حقوقيون الإدارة الأميركية بالتورط في وفاة مواطنها بالصمت على انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، وعدم متابعة وعود الإفراج المتكررة.

واعتقلت السلطات المصرية قاسم لمدة خمسة أعوام من دون أن توجه إليه أي تهم، قبل أن يصدر ضده حكم بالسجن 15 عاما ضمن محاكمة جماعية ضمت سبعمئة شخص، لكنه بدأ إضرابا عن الطعام منذ الحكم عليه في سبتمبر/أيلول 2018، حيث كان يتناول السوائل فقط. 

ووصف بيان الداخلية ما تداولته بعض الدوائر الأميركية حول ظروف احتجاز قاسم وتعرضه لمحاكمة صورية وتدهور حالته الصحية بالادعاءات، كما بادر النائب العام المصري بإصدار بيان، أشار فيه إلى أنه أمر بطلب ملفه الطبي وسؤال الأطباء المشرفين على حالته لدى وصوله مستشفى جامعة القاهرة، وسؤال الأطباء المعالجين له بمستشفى سجن طرة.

ونادرا ما تعلق السلطات المصرية على حالات الوفاة داخل السجون، كما تلتزم الصمت إزاء حملات الإضراب احتجاجا على التعذيب وسوء المعاملة وتعمد الإهمال الطبي، خاصة في برد الشتاء. 

وتأتي وفاة قاسم بعد يومين من تعرض عشرات المعتقلين في سجن العقرب بمنطقة سجون طرة (جنوبي القاهرة) للإغماء، نتيجة استمرارهم في إضراب مفتوح عن الطعام، احتجاجا على وفاة ثلاثة معتقلين سياسيين خلال أسبوع واحد.  


صمت إدارة ترامب
واتهمت منظمات حقوقية وحقوقيون الإدارة الأميركية بالتورط في وفاة مواطنها، وذلك بالصمت عن ملف انتهاكات حقوق الإنسان، وعدم إثارة الملف إلا على استحياء من المسؤولين المصريين.

وأعلن ديفيد شينكر مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى عن حزنه العميق إزاء وفاة قاسم، وقال إن هذه الوفاة في الاعتقال مأساوية ولا مبرر لها، وكان يجب تفاديها".

وقال السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي في تغريدة على تويتر "إن المواطن الأميركي مصطفى قاسم توفي بعد ست سنوات في سجن مصري مثله مثل آلاف السجناء السياسيين في البلاد".

ورأى مدير الجبهة المصرية لحقوق الإنسان في أوروبا كريم طه أن إدانة الإدارة الأميركية لوفاة مواطنها في السجون المصرية لا يعفيها من مسؤولياتها الأخلاقية. قائلا "الإدارة الأميركية لديها مسؤولية كبيرة تجاه مواطنيها المحبوسين في مصر، ولكن يمكن القول إن الوضع تغير بعد 2014، بسبب المصالح المشتركة التي أجبرتها على التراجع خطوات للوراء، وهي تدفع ثمن هذا التراجع". 

وعما إذا كانت وفاة قاسم قد تحرك المياه الراكدة في ملف حقوق الإنسان في مصر، أوضح طه في حديثه للجزيرة نت أن هذا التحرك مرهون برد فعل المجتمع المدني الأميركي، وسياسة المعارضين لإدارة ترامب، وربما نرى الإفراج عنهم وقدومهم في طائرة خاصة. 

وكان مايك بنس نائب الرئيس الأميركي بحث مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مطلع عام 2018 قضية حبس قاسم وآخرين يحملون الجنسية الأميركية في السجون المصرية، يقدر عددهم بعشرين شخصا، وأكد حينها أن السيسي وعد بالتعامل مع هذا الأمر.


مساواة في الظلم
بدوره، قال مسؤول الملف المصري بالمنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا مصطفى عزب إن إهدار حقوق الإنسان هو السمة السائدة في التعامل مع حقوق أي مواطن، سواء كان مصريا أو أجنبيا أو حاملا جنسية دولة أخرى، ليس هناك تمييز في المعاملة إلا في التناول الإعلامي. 

وأضاف عزب في حديثه للجزيرة نت "وبالتالي ستكون التحقيقات التي وعدت السلطات المصرية بإجرائها هي والعدم سواء، لن يدين النظام المصري نفسه، فهو المتورط في قتل كافة المعتقلين المتوفين بالإهمال الطبي والتعذيب وسوء أوضاع الاحتجاز".

واتهم الحقوقي المصري الإدارة الأميركية بالتنازل عن حقوق مواطنيها المعتقلين في مصر، قائلا إن السلطات الأميركية تعلم ومنذ اليوم الأول باعتقال مصطفى قاسم، ومع هذا لم تتخذ أي إجراءات، ولم تفعل ما يجب فعله كي تضمن تعرضه لمحاكمة عادلة أو احتجازه في ظروف ملائمة لمرضه، رغم قيامها بزيارته عدة مرات في مقر احتجازه وفي المستشفى.

وأوضح أن ترامب وصلته رسالة بخط اليد كتبها قاسم من داخل محبسه، وتم تهريبها بصعوبة، طلب منه المساعدة وناشده فيها التدخل لإنقاذ حياته التي كانت أوشكت على الهلاك آنذاك، بسبب دخوله في إضراب بعد الحكم عليه، ولكن من دون جدوى. 


عنصرية أميركية
من جهته، قال المستشار القانوني مختار العشري إن إدارة ترامب تتعامل مع المعتقلين الأميركيين من أصل مصري حسب انتمائهم السياسي والديني؛ فإذا كانوا غير مسلمين أو ليبراليين يتمتعون بالحماية الأميركية. 

وأضاف العشري في حديثه للجزيرة نت "أما إذا كانوا مسلمين متدينين أو ينتمون للفكر الإسلامي الوسطي فيتركون لزبانية العسكر في مصر ليفعلوا بهم ما يشاؤون، وهذا عين العنصرية والتفرقة بين الأميركيين على أساس الدين أو الانتماء السياسي". 

وقال مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان خلف بيومي إن الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية مع النظام المصري في قتل مصطفى قاسم؛ لأنها لم تتحرك التحرك الواجب تجاه مواطن يحمل جنسيتها، وتراخت في تعاملها مع قضيته، مما أعطى للنظام الضوء الأخضر للتنكيل بمواطنها المتوفى.

وأكد بيومي في حديثه للجزيرة نت أن النائب العام هو المسؤول الأول عن تنامي وتفاقم الانتهاكات في مصر؛ لأنه لا يحقق في آلاف البلاغات التي تصله بشأن انتهاكات السجون والإهمال الطبي، ولا يعفيه تحركه الأخير من مسؤوليته عن كل قتلى الإهمال الطبي في الفترات السابقة. 

يذكر أنه قبل أيام أطلق نشطاء حملة إلكترونية تحت عنوان "البرد قرصة عقرب" للتضامن مع معتقلي سجن العقرب سيئ السمعة، ضد ما يواجهونه من انتهاكات فاقمتها موجة البرد القارص التي تشهدها مصر حاليا.

وحصلت الجزيرة على رسالة مسربة من داخل سجن العقرب شديد الحراسة في مصر، تكشف محاولة المعتقل أحمد عبد الله ضبعان الانتحار بذبح نفسه بآلة حادة، بسبب التعذيب والظروف القاسية داخل المعتقل.

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة