شهادة إبراهيم في "رابعة" المصرية.. الجلاد يتهم

شهادة محمد إبراهيم بشأن موقف أوروبا من فض رابعة
قبل يومين، وقف وزير الداخلية المصري السابق محمد إبراهيم أمام القضاء، ليدلي بشهادته في قضية فض اعتصام رابعة العدوية، التي راح ضحيتها المئات، وكانت خلاصة شهادته أن المقتول هو المجرم والقاتل هو الضحية.

وقبل أربعة أعوام، وفي غمرة التسويق للانقلاب الذي قاده وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي على رئيسه المنتخب محمد مرسي، كان أحد علماء السلطان قد خرج مدافعا عن سلطة الانقلاب، لكنه ذهب بعيدا ووصل إلى حد وصف السيسي وإبراهيم بأنهما رسولان من عند الله، مثلهما مثل موسى وهارون عليهما السلام.

 
في ذلك الوقت، كانت ظلال الدم الذي أريق في ميدان اعتصام مؤيدي الشرعية ورافضي الانقلاب تخيم على مصر، رغم مرور شهور على فض الاعتصام وقتل المئات على يد قوات الأمن، وكانت السلطة تسعى جاهدة لشحذ كل أسلحتها للدفاع عن موقفها وتبرير قتل المعتصمين بأنهم كانوا يريدون للوطن شرا.

موسى وهارون
يومها أخذت الحماسة، وربما الطمع في عطايا السلطان، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر سعد الدين الهلالي، ليتخطى المتعارف عليه من حدود المدح والتبرير، ويصل إلى درجة وصف وزيري الدفاع والداخلية آنذاك بأنهما رسولان من الله لإنقاذ المصريين، قبل أن يستشهد بالقرآن قائلا "وما يعلم جنود ربك إلا هو".

دار الزمان دورته، وخرج إبراهيم من السلطة، ولم يعد وزيرا أو "نبيا"، ووقف أمام القضاء الذي ينظر القضية، لا من أجل إنصاف المظلومين والاقتصاص للقتلى، وإنما من أجل مزيد من العقاب لمن سال دمهم أو فقدوا إخوانهم في تلك المجزرة التي وصفتها منظمة هيومان رايتس ووتش بأنها أكبر عملية قتل جماعي في تاريخ مصر الحديث.
 

‪مئات الآلاف اعتصموا في ميدان رابعة العدوية بالقاهرة تمسكا بشرعية الرئيس المعزول مرسي قبل أن يقوم الأمن بفض الاعتصام بالقوة‬ (رويترز-أرشيف)
‪مئات الآلاف اعتصموا في ميدان رابعة العدوية بالقاهرة تمسكا بشرعية الرئيس المعزول مرسي قبل أن يقوم الأمن بفض الاعتصام بالقوة‬ (رويترز-أرشيف)

كان إبراهيم على العهد به، وكيف لا وهو وزير الشرطة التي كان لها الدور الأكبر في هذه المجزرة، حيث لم يكتف بالسعي لتبرئة قوات الأمن، بل كال التهم للمعتصمين، وقال إنهم هم من بدؤوا إطلاق النار على الشرطة.

إبراهيم قال، في تسريب حصلت عليه الجزيرة، إن بعض المعتصمين توفوا نتيجة أعيرة نارية لا تستخدمها قوات الشرطة المصرية، وإن الشرطة ضبطت أسلحة نارية بحوزة بعض المعتصمين أثناء خروجهم من الاعتصام، بل وإن قوات الشرطة التي شاركت في فض اعتصام رابعة العدوية لم تحمل أي أسلحة، باستثناء أفراد مجموعة خاصة ممّن حازوا أعلى درجات التدريب.

باطل باطل
المتهمون في القضية ردوا على هذه الشهادة من وراء القضبان هاتفين: "باطل، باطل". ولم يكن بإمكانهم أكثر من هذا، فهم من يتعرض للمحاكمة بتهم القتل وتنظيم تجمهر مسلح وغير ذلك من التهم، رغم أنهم من تعرض للقتل أو الاستهداف لمجرد أنهم تمسكوا برئيس أتت به صناديق الاقتراع بعد ثورة شعبية خطفت أنظار العالم في يناير/كانون الثاني 2011.

من جهة أخرى، كشف وزير الداخلية السابق في شهادته عن عدة أمور، أبرزها التأكيد على أن محمد البرادعي نائب الرئيس المؤقت آنذاك عدلي منصور، رفض فض الاعتصام بالقوة وقدم استقالته، وأن السلطة المصرية تواصلت مع جهات حقوقية شبه رسمية للحصول منها على ضوء أخضر يؤيد فض الاعتصام، وأن الفض تم بعد أن غادر الوسطاء الأوروبيون وأعلنوا فشلهم في حل الأزمة.

وما بين جلسات محاكمة وشهادات شهود؛ تستمر واحدة من أغرب المحاكمات، حيث الضحية هو من يجلس خلف القضبان بانتظار مزيد من التنكيل!

المصدر : الجزيرة